السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

في رحاب الدستور (4) ماذا نريد أن نرى في الدستور القادم؟ بقلم إبراهيم علي إبراهيم /المحامي-واشنطون

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/1/2005 12:18 ص

في رحاب الدستور
(4)
ماذا نريد أن نرى في الدستور القادم؟

إبراهيم علي إبراهيم /المحامي
واشنطون

من أهم إنجازات اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا في يناير 2005 واتفاقية القاهرة الموقعة في يونيو أنهما أكدتا على أهمية حكم السودان بموجب النظام اللامركزي أو الفدرالي. وحسنا فعل مشروع الدستور الجديد بجعله اللامركزية نظاماً للحكم في السودان أثناء الفترة الانتقالية.

و اللامركزية كما عرفتها الأمم المتحدة هي تخويل السلطات والصلاحيات على أساس جغرافي. وهي -كصيغة دستورية للحكم -تعتبر صيغة أعم وأشمل، أما الإقليمية أو الحكم الذاتي أو الفدرالية فهي صور مختلفة من صورها. و كلمة فدرالية هي كلمة قوية ومشحونة loaded لذا كان يخاف منها البعض، ولكن بمرور الزمن والتجارب تغير المفهوم الكلاسيكي للفدرالية وأصبحت صيغة للحكم والوحدة أكثر مما تعني شكلا من أشكال الدولة. وأخذت دول كثيرة بالنظام الفدرالي مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والهند وسويسرا واستراليا وكندا.

على الصعيد العملي تعتبر الفدرالية حلاً وسطاً للايدولوجيات المتصارعة حول شكل الحكم بين المركزية واللامركزية وتسوية سياسية بين المركز والولايات، وهي النظام الأمثل الذي يسمح بالاختلاف السياسي على صعيد الأنظمة. فهي تسمح بالاختلاف بين الولايات في ما يتعلق بما يجب عمله من أمور داخلية، وكيفية تنفيذه، ومن يقوم به على مستوى الأجهزة. ثم أن الفدرالية تعني التعاون وتبادل وجهات النظر والأفكار خاصة فيما يتعلق بتحديد العلاقات بين مستويات الحكم المختلفة. لذا فإن اقتسام السلطة يجب أن يكون هدفه تحقيق السلام والتقدم والارتقاء بالأقاليم، واقتسام السلطة على أسس جغرافية فيه تحقيق للأمن العام للدولة، وتمتيناً للوحدة.

وللفدرالية في السودان قصة طويلة ومحزنة ايضاً، لارتباطها تاريخياً بالمطالب الجنوبية، التي إن استجيب لها لكفانا الله شر كثير من الحروب والويلات. وقد جاءت المطالبة الأولى على مشارف الاستقلال من قبل القيادات الجنوبية التي قوبلت بالرفض ثم كانت الوعد بها الذي لم يرى النور. وقد ذهبت الحكومة الوطنية الأولى إلى ابعد من هذا، حيث عملت على إخراس واعتقال كل من نادي بالفدرالية خاصة نواب الجنوب الثلاثة آنذاك. وقد كانت حجة الحكومة في ذلك أن الفدرالية ستقود إلى الانفصال. ونتيجة لهذا القمع انسحب الجنوبيون من لجنة وضع الدستور الدائم 1956-1958.

والمتابع لتاريخ وتطور المطالبة بالحكم الفدرالي نجد أنها تطورت واتسعت لتصبح مرتبطة أكثر "بالاعتراف" بحقوق وخصائص المجموعات العرقية والإقليمية في كافة أنحاء السودان. فبعد تاريخ طويل من الرفض والإنكار "اعترفت" القوى الشمالية داخل مؤتمر المائدة المستديرة بالحقوق السياسية والطبيعية “للاقليات" و"المجموعات الأخرى". ولكن لم يتوج هذا "الاعتراف" بخطوات عملية حيث درجت المؤسسة الشمالية على وئد أي أحلام إقليمية، ثم كان تشكيل لجنة الاثنى عشر التي أوصت بإعادة النظر في نظام الحكم بإدخال الحكم الإقليمي كأساس جديد للحكم. ولم تجد هذه التوصيات العملية الفرصة لترى النور إلا في عهد مايو واتفاقية أديس أبابا ثم الحكم الذاتي لجنوب السودان وإجازة قانون الحكم الإقليمي لسنة 1980، وقد كانت التجربة المايوية تسير بخطى حثيثة في طريق منح الأقاليم سلطاتها وثرواتها بشكل يليق بها.

بإدخال هذه النصوص في مشروع الدستور الانتقالي الحالي يكون السودان قد اتجه اتجاهاً دستورياً صوب الحكم اللامركزي بقصد إعادة هيكلة الدولة ونظام الحكم فيها وتحويلها إلى دولة اتحادية فدرالية، وفي هذا اختلاف جوهري عن تجربة الحكم الإقليمي التي كانت مطبقة بموجب القانون فقط. وهنا يحتم على مشروع الدستور النص صراحة على طبيعة الدولة السودانية بأنها دولة واحدة اتحادية ديمقراطية ذات سيادة على كافة أقاليمها تأكيداً على هذا التحول الدستوري الهام في شكل الدولة. وان ينص في الدستور على أن واجب الدولة الأساسي هو توطيد وترسيخ دعائم هذا النظام الفدرالي الديمقراطي وحماية مؤسساته الدستورية وسيادة الشعب وحقه في ممارسة هذه السيادة بالاستفتاء والانتخاب والترشيح عبر مؤسسات التعددية السياسية وعبر ممارسته لواجباته وحقوقه وحرياته الأساسية.

كذلك يقضي المبدأ الفدرالي أن يتم تحديد العلاقات بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات بوضوح في صلب الدستور وتحديد اختصاصات كل منها. إن الفدرالية التي ينشدها السودان هي نظام يسمح بالضرورة بتقسيم السلطة بين مستويات مختلفة، بحيث تسود الحكومة الفدرالية في الأمور السيادية، في حين تسود حكومات الولايات في الأمور الأخرى. فلا بد من وجود نصوص تحدد أكثر من مستوى للحكومة داخل حدود الدولة، على أن تعمل هذه المستويات بالتنسيق الكامل بينها فيما يتعلق بذات المواطن. ( حكومة وطنية فدرالية- حكومة ولاية أو إقليم- سلطات محلية من مجالس وغيرها) وضرورة أن تتمتع كل حكومة من حكومات الولايات بسلطات خاصة بها. وفي حالة حدوث نزاع بينها وبين الحكومة الفدرالية تكون السيادة للقانون الفدرالي، وألاّ تتغول سلطة على الأخرى، فلن يكون في مقدور الحكومة الفدرالية أن تقوم بعزل حاكم الولاية المنتخب أو حكومته، أو تحل مجلس الشعب الخاص بالولاية، كما لا تستطيع أية ولاية أن تلغي قانوناً فدرالياً. مثل هذه المبادئ الفدرالية يجب أن تظهر بوضوح جلي في متن الوثيقة الدستورية دون غموض بحيث لا تخضع لتفسيرات أخرى قد تجهض مقاصدها ومراميها.

عند بناء النظام الفدرالي ووضع تفصيلاته يجب عدم إغفال العوامل التاريخية وحقائق التنوع الإقليمي التي بني عليها الحكم الإقليمي السابق وتجربته. فمثلا الحكم الفدرالي الأمريكي قام على حقائق المساحة الجغرافية الشاسعة والتنوع السياسي وتصاعد روح التحرر. أما الحكم الاتحادي السويسري فلم يقم بسبب اتساع الرقعة الجغرافية ولكنه انبثق من حقائق تاريخية بحتة فريدة من نوعها خاصة بتجربة الحكم المحلي التي قامت على جبال سويسرا الكثيرة وأقاليمها ورسوخ هذه التجربة فيها.

ويلزم الاستهداء بالتجارب العالمية، وفي نفس الوقت يجب الانتباه إلى عدم نقل تجارب الشعوب الأخرى دون مراعاة لظروف وحقائق السودان وتنوعه وتشعب القبائل فيه، وألا يتم ذلك باستيراد دستور دولة أجنبية ما مهما كانت درجة التشابه والتقارب، فتجاوز هذا الواقع وهذه الحقائق يؤدي إلى الفشل. فالارغواي فشلت في نقل التجربة السويسرية للاختلاف الجذري بين وقائع البلدين وحقائقهما التاريخية.

وعند صياغة النظام الفدرالي ووضع تفاصيله لابد من الاسترشاد بالتجارب السودانية الثلاث في هذا المجال: تجربة الحكم الذاتي لجنوب السودان والتي تم تطبيقها بموجب نصوص الدستور الذي أصبحت اتفاقية أديس أبابا جزءا منه، ثم تجربة الحكم الإقليمي التي طبقت بموجب قانون الحكم الإقليمية لسنة 1980، ثم تجربة الحكم الاتحادي التي تمت في عهد الإنقاذ الحالية. وفي جميع هذه التجارب يسود اعتراف بأن الديمقراطية الإقليمية ضرورة تفرضها حقائق التنوع الجغرافي و التعددية السياسية، والاهتمام بوجود مصالح متميزة عن المصالح القومية تأكيداً لحق الانتخاب لحكومات الأقاليم ومجالسها التشريعية. أما تجربة العهد الديمقراطي فقد شكلت ردة عن التطور الطبيعي الذي كان سائدا في عهد مايو فيما يتعلق بمنح الأقاليم حقوقها الطبيعية والسياسية، فرغم أن المادة 16 من دستور 1985 قد نصت على نوع من الحكم الإقليمي، إلا أن الحكومة الديمقراطية عمدت إلى تعيين الحكام والوزراء الإقليميين، وإغفال مجالسها التشريعية.

والفدرالية كنظام للحكم لا تحتل مكاناً مرموقاً في الوعي السياسي العام للأحزاب السودانية، ويعود هذا إلى الرفض المبكر الذي منيت به الفدرالية في مسار قضية الجنوب، ولعلّ هذا الربط العضوي الذي تم مبكراً بين النظام الفدرالي وقضية الجنوب هو الذي أدى إلى هذا الرفض الذي استمر طويلاً للفدرالية كنظام للحكم في السودان ككل وليس كصيغة لحل العلاقة بين الشمال والجنوب فقط. وحتماً ستؤدي هذه الاختلافات في وجهات النظر لاختلافات في التطبيق قد يكون فيها شي من التعقيد.

وإذا كانت حكومة مايو بتوقيعها لاتفاقية أديس أبابا و إجازة قانون الحكم الذاتي التي تم تضمينها في الدستور الدائم، وقانون الحكم الإقليمي، قد وضعت أولى اللبنات نحو اللامركزية والحكم الإقليمي في السودان، فإن نصوص نيفاشا حول الحكم اللامركزي ستقوم بوضع الأعمدة والرافعات وبناء الهيكل الفدرالي للسودان الجديد.

وإذا كانت الفدرالية قد ارتبطت تاريخياً بالمطالب الجنوبية كما أسلفنا، فها هي الآن تبدو حقيقة هذه المرة، وقد كان جنوبياً هواها أيضاً، على يد الحركة الشعبية لتحرير السودان، تتويجاً لتلك المطالبات المنتظمة على مر التاريخ الحديث دون انقطاع ودون ملل، لتؤكد للجميع أن صيغة الحكم اللامركزي والفدرالية إنما تدعم من ركائز الوحدة وتقوي من فرص نجاحها، وليس العكس كما كانت تقول المبررات القديمة الرافضة للفدرالية باعتبارها تضعف السلطة المركزية.




للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved