تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

رسالة إلى قبيلة النعام: متى نُخرج رؤوسنا من رمال الغفلة؟ بقلم الطيب مصطفي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/12/2005 2:00 ص

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى قبيلة النعام:
متى نُخرج رؤوسنا من رمال الغفلة؟
لقد كانت أحداث الأثنين الأسود وقبلها مصرع قرنق بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير الذى أعني به نظرية السودان الجديد...تلك الكذبة التى لطالما رُددت من قبل الحركة الشعبية ومسانديها من الشيوعيين حتى صدقها الغافلون والسُذج من أهل السودان الشمالي ولست فى معرض توضيح معني السودان الجديد الذي دفقنا فيه وحوله مداداً كثيراً حتى بات معروفاً لعامة الناس ولكن لا بأس من إيراد عبارة واحدة او اثنتين من تعريف بسيط قدمه عرّاب الحركة الشعبية وقائدها جون قرنق وذلك بغرض التذكير فقط حتي ننطلق من ارضية وفهم مشترك يُعين على متابعة هذا المقال فقد عرَّف قرنق السودان الجديد بقوله فى محاضرة شهيرة قدمها فى فيرجينيا بأمريكا ونُشرت فى بعض الصحف السودانية بقوله (إن الهدف الرئيسي للحركة الشعبية يتمثل فى إنشاء السودان الجديد وهو يعني إنتهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكم الآن وإعادة بناء السودانRestructuring"" وفق رؤية الحركة للسودان الجديد من خلال الإحلال والإبدال) والأمر لا يحتاج إلى إستفاضة فقد ظل دستور قرنق وخطابه ينضح بالعداء للعروبة والإسلام ويُحمِّل الحكومات المتعاقبة منذ إستقلال السودان مسؤولية (السعي لإقامة دولة عربية مسلمة على حساب حقوق المواطنين فى بقية أنحاء السودان) كما قال قرنق بالحرف الواحد فى ذات المحاضرة وقد كان مصرع الرجل ضربة قاصمة للسياسة الأمريكية وإعصاراً لا يقل فى قوته عن إعصار كاترينا ذلك أن أمريكا كانت قد إستثمرت فى الرجل منذ أيام الشباب الباكر لكن الرجل مات فى لحظة القطاف "قطاف السودان الجديد" الذي يُمثل الحلم الأمريكي البريطاني الإسرائيلي لإبدال هوية السودان فى إطار إعادة رسم خريطة المنطقة كما سأبين لاحقاً وقد رأينا الحزن الذي أصاب الطابور الخامس وأولاد جون قرنق فى الحركة الشعبية ممن ظنوا أنهم باتوا قاب قوسين أو أدني من تحقيق حلم السودان الجديد ولكن سرعان ما أفاق هؤلاء جميعاً من هول الصدمة فطفقوا يلهثون لإبقاء جذوة مشروع قرنق مشتعلة وذلك ببث الروح فيه من جديد بعد اللطمة الكبيرة التى تلقاها جراء مصرع قائد الحركة وجراء الأحداث التى أعقبت ذلك فى يوم الإثنين الأسود الذي يعتبر بحق الأسوأ فى تاريخ الخرطوم وقبل أن أرجع إلى محاولات إحياء موات مشروع السودان الجديد أود أن أعلق على أحداث الأثنين الأسود فلطالما حذر منبر السلام العادل وأنذر من إندلاع تلك الأحداث حيث ذكر فى بيانه حول احداث سوبا التى سبقت الاثنين الأسود ما يلي:( فها هى أحداث سوبا تكشف جانباً من برميل البارود الذي باتت بلادنا تتقلب فيه والذي ينذر بإنفجار عظيم لايبقي ولايذر وإذا كانت ذاكرة سكان الخرطوم لم تنسَ أحداث الاحد فى ديسمبر 1964 فإن أحداث سوبا لاتعدو أن تكون مجرد شرارة فى حريق كبير نحذر من إندلاعه وندعو الجميع وبخاصة ولاة الأمر للعمل على منع وقوعه).
كما اود أن أذكِّر بمقالات سابقة لى أحدها بعنوان (أري تحت الرماد وميض نار) وآخر بعنوان (هل نستبين النصح قبل ضحي الغد؟) وآخر بعنوان (فستذكرون ما أقول لكم) وآخر بعنوان (رسالة زرقاء اليمامة إلى الحالمين بأوهام السلام) وأود أن أؤكد بأنى لم أورد هذه الإستشهادات تباهياً بإطلاع على الغيب من دون العالمين وإنما للإستدلال على صحة قراءة منبر السلام العادل للأحداث والوقائع والتعبير عن ذلك بشجاعة بعيداً عن منهج دفن الرؤوس فى الرمال والخوف من مواجهة الحقائق المُرّة الذي اعتاده السياسيون فى بلادنا ذلك اننا كنا قد رأينا رأى العين ، قبل مصرع قرنق ، التحرشات التى تشهدها شوارع الخرطوم وحافلاتها بل ومطاعمها كما قرأنا التصريحات التى صدرت قبل إتفاق نيفاشا عن قيادات الحركة مثل باقان أموم الذى قال بأن (إتفاقيات نيفاشا ستقضي على دولة الجلابة) كما تحدث عن (إنفجار الحزام الأسود حول الخرطوم) ومثل ادوارد لينو الذى تحدث عن احتمالات (اندلاع حرب اهلية فى الخرطوم وانفجار الملايين من الفقراء الغاضبين الذين يحاصرون الخرطوم بسياج كبير) كما تابعنا حملات التعبئة التى نظمتها الحركة فى أطراف الخرطوم بقيادة الشاب المتهور رمضان محمد عبد الله قبيل قدوم قرنق والتى منَّي فيها النازحين بفتح الخرطوم على يد مانديلا السودان الذي سيحرر الجنوبيين من هيمنة الجلابة مما رأينا مظاهره فى لافتات إستقبال قرنق فى شوارع الخرطوم والتى كانت تحمل عبارات "الحرية" و "السودان الجديد"وغير ذلك من عبارات الزهو والإنتصار ثم جاءت أحداث سوبا التى قُتل فيها 14 شرطياً وكان الهدف منها كسر الروح المعنوية وإلحاق الهزيمة النفسية بسكان العاصمة والشمال بصفة عامة تمهيداً للإجتياح الكبير لإقامة السودان الجديدمن خلال أحداث الاثنين الأسود التى ثبت تورط الحركة فى إشعالها وكان من العجب العجاب أنه رغم ما فعل بالشرطة في سوبا من تمثيل بالجثث وقتل وإحراق إنسحب ممثلو الحركة من لجنة الدستور وأرغى ياسر عرمان وأزبد وزمجر وتوعد كأنه النائب المنتخب عن سكان ماسموه بالحزام الأسود!!
وليس غريباً أن يتصدى أكثر أولاد قرنق تمرداً وتطرفاً "باقان أموم" لإتهام الحكومة التى يتولى رئيس الحركة الشعبية منصب النائب الأول فيها بأنها تتلاعب بأموال البترول ونصيب الجنوب وأنها لا تلتزم بإنفاذ الإتفاقية وحتى بعد أن عُين فى حكومة الجنوب بعيداً عن الخرطوم وصحافتها لم يتخل الرجل عن هواية الادلاء بالتصريحات المتطرفة فقد جاءت أقواله هذه المرة فى صحيفة "الديلى نيشن" الكينية ومعلوم عن أموم هذا أنه هدد بإحالة نزاع وزارة الطاقة إلى المجتمع الدولى لحسمه هناك وهو الذى نزع علم السودان من جثمان قرنق النائب الأول السابق لحكومة السودان وأستبدله بعلم الحركة الشعبية بل إنه قال بأنه لايعترف بعلم السودان لانه علم حكومة نميري!!
أقول إنه إذا كانت أحداث الاثنين الأسود قد ضربت العاصمة قبل دخول قوات الحركة الشعبية بآلياتها الثقيلة إلى الخرطوم فكيف يا تُري سيكون الحال بعد وصول تلك القوات بموجب إتفاقيات نيفاشا كيف وقد أخذت تلك القوات تهدد وتتوعد فور دخولها الخرطوم بأنها لن تسمح بقيام إنقلاب عسكري مرة أخرى فى البلاد وبالرغم من موقفي الرافض للإنقلابات العسكرية بعد التجارب المريرة التي شهدتها البلاد فإنى أتساءل هل نص فى نيفاشا على أن تتولى الحركة الشعبية هذا الدور وهل يعني هذا توقع حرب أهلية تشارك فيها هذه المرة الآليات الثقيلة فى قلب الخرطوم إن غامر أحدهم وحاول القيام بإنقلاب عسكري وهل هذه هي الطريقة المثلي لمنع الإنقلابات ام أن هناك وسائل مدنية أخري جربت فى كثير من دول العالم للحيلولة دون ذلك؟ فقد قال القائد أقوك ماكير فى ندوة بجامعة النيلين بأن (الحركة الشعبية لن تسمح بقيام إنقلاب عسكري) مضيفاً بأن قواته (جاءت لحراسة السلام والإستقرار فى البلاد) فهل يعني هذا أن قوات الحركة حلت محل الجيش السوداني وقوات الشرطة السودانية فى حفظ الأمن والإستقرار فى البلاد ثم أليس بمقدور القوات التى تستطيع منع قيام إنقلاب عسكري أن تقوم هي بذلك وكيف ياتري سيكون شكل إنقلاب تقوم به الحركة فى قلب الخرطوم وماذا سيفعل مؤيدو الحركة بالخرطوم وأهلها بعد ذلك ؟!
ثم أن العميد أشول مريال دينق صرح بأن قواتهم ( تمثل النواة لجيش السودان القومي..) تخيلوا بالله عليكم أن القوات التى قاتلت الجيش السوداني لأكثر من عقدين من الزمان هي نفسها التى ستكون نواة للجيش السوداني لو تمخض عن إستفتاء تقرير المصير وحدة طوعية فأى مصير ينتظرنا ياتُرى من جيش عنصري وعقائدي يهدد ويتوعد قبل أن يصبح جيشاً قومياً للسودان ثم إن القائد أسود حذر من إستخدام كلمة (عائدين) وقال إن ذلك لايُشجع على السلام ولا يُعيد الثقة وقال إنه (إذا إستمر هذا اللفظ سنحاسب عليه).ولا أدري والله ما هو اللفظ المناسب الذي يقترحه سعادته حتى نتجنب المحاسبة التى لا شك أنها ستكون أشد فتكاً وتنكيلا من أحداث الاثنين الأسود؟!
أقول بأنه إذا كانت أحداث الاثنين الأسود قد أُطفئت إلى حين فإن مداد الاثنين الأسود ظل ينفث أحقاده العنصرية على صفحات جريدة الخرطوم مونيتر والصحف والمقالات الأخرى فى الإنترنت وغيرها فمن يطلع على جزء يسير من الحقد الذي تطفح به تلك الصحيفة يقتنع بل يوقن بأن الليالي من الزمان لاتزال حُبلى بما هو أخطر من أحداث الاثنين الأسود وسأورد نماذج قليلة للتدليل على ذلك فقد كتب باتريك ادوارد فى الخرطوم مونيتر بتاريخ 23/10 ينعي على بعض الشباب الجنوبيين تأثرهم بالشماليين (العرب) واصفاً إياهم بالضائعين وبأنهم يمثلون العقبة الكؤود للسودان الجديد وقال إنهم (جاءوا للشمال فى وقت سابق وأعتمدوا سلوك العدو"الشماليون طبعاً) وأضاف الكاتب بأنه (عندما دخل الأجانب إلى السودان) والمقصود "الهجرات العربية" ( لم يتأثر الجنوب بهم كتأثر المناطق الأخري) وقال الكاتب (إن بعض النازحين من أبناء الجنوب تحولوا من أفارقة حقيقيين إلى صورة طبق الأصل من العرب "Arab photocopies" ووصل التحول درجة تغيير أسماء بعض الأطفال الجنوبيين إلى حنان وسامي لكن لايمكنك أن تجد عربياً يسمي كيجى ولادو) ولم يسأل الكاتب نفسه عما إذا كان إسم باتريك الذي يحمله إسماً أفريقياً أم انجليزياً وهل إسم جون الذى يحمله زعيم الحركة الشعبية الراحل دينكاوى أم انجليزى ؟! ومضي الكاتب يقول (إن الجنوب فى الحقيقة أرض مسيحية إلا أنه نتيجة لتأثير الأديان الأخري أُكره بعض أفراد النخبة الجنوبيين أو تمت رشوتهم حتى يعتنقوا ادياناً أخري) وأود أن أسال هذا الكاتب وأمثاله...لماذا ياتُري لا يستنكرون إعتناقهم هم للمسيحية وتأثرهم بالخواجات فى كل شئ بما فى ذلك الأسماء واللغة وهل يجوز لنا أن نتحدث عن وحدة وطنية ونحن نرفض ونستنكر التداخل الإجتماعي والتلاقح الثقافي بين أبناء ما يُسمى بالوطن الواحد؟!
ولا يكاد خطاب الحركة الشعبية وأبناء الجنوب بصفة عامة يخلو فى يوم من الأيام من عبارة "مواطني الدرجة الثانية" التى يوصف بها الجنوبيون المقيمون فى الخرطوم والشمال فخطاب قرنق بمناسبة الذكرى 22 للحركة الشعبية يقول (إذا لم تصبح الوحدة جاذبة لماذا يصوت الجنوبيون ليكونوا مواطنين من الدرجة الثانية وإذا لم يتغير السودان بصورة جذرية وكافية لماذا يصوت الناس ليصبحواخدماً بدلاً من أن يكونوا سادة فى موطنهم المستقل؟) ويقول قرنق فى كلمة لخصتها صحيفة الخرطوم مونيتر يوم 13/11 مخاطباً الجنوبيين (عندما يحين وقت الإستفتاء فإنها فرصتكم الذهبية لتحديد مصيركم...هل ترغبون فى التصويت لتصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية Second class citizens فى وطنكم ؟ إنه بالقطع إختياركم) ويقول اليابا سرور رئيس إتحاد الأحزاب السودانية الأفريقية فى تصريح نقلته (ألوان) بتاريخ 25/11 (إذا ما صوت الجنوبيون لصالح الوحدة فانهم سيبقون على وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية ومتخلفين طوال حياتهم ) وأضاف (ان الظلم لا يزال سائداً حتى فى أمر تقسيم الثروة والسلطة) ويقول د. مارتن اليا رئيس المنبر الديمقراطي لجنوب السودان فى تصريح أوردته خرطوم مونتر (إن اختيار الجنوبيين للوحدة يعنى معاناة لاتوصف لأبناء الجنوب وعلى الجنوبيين أن يسعوا لكى يصبحوا سادة مصيرهم (Masters of their destiny ) ويقول كاتب آخر كتب بإسم تاج الدين عبد الرحيم فى الخرطوم مونتر بتاريخ 22/10 (كثير من الجنوبين النازحين إلى الشمال بسبب الحرب ، وبصفة خاصة ملايين القاطنين فى الخرطوم ، يأملون فى التخلص من وضعية مواطني الدرجة الثانية فى الشمال عن طريق الرجوع إلى الجنوب الذى ستحكمه الحركة الشعبية وحلفاؤها) ويقول ادوارد لادو فى نفس العدد من الصحيفة على لسان سايمون مونوجا الأستاذ بجامعة جوبا (لم أشعر إطلاقاً طوال السنوات التى قضيتها فى الخرطوم أنى أعيش فى موطنى بسبب هذا العنف الهيكلي الذي يجسد العنف الصامت القابل للتحول إلى مواجهة عنيفة) وكتب قوقو مارتينو يوم 18/10 عن جوبا بعد 11 عاماً قضاها بعيداً عنها وتساءل عن ممارسات المُضطهِدين وعن الأرض المنهوبة ثم كرر أحدهم ويدعى القس أينوك ميقايا مختار فى عدد 13/11 ذات الأسطوانة المشروخة التى درجت الحركة وقائدها التاريخي على ترديدها فى المحاضرات بل وفى دستور الحركة وقال (إن العرب يشكلون 37% من السكان بينما يشكل الأفارقة السود 63% وهم أحفاد النوبيين الذين حكموا هذه الأمة العظيمة وأن إسم الخرطوم العاصمة المُصادرة "confiscated capital" يأتى من إسم دينكاوي وأن العرب أعطوا السودان هوية زائفة لفرض الوحدة وتحويل السودان إلى أمة عربية إسلامية على حساب الجنوب والمناطق المُهمشة) وتحدث الكاتب عن ان (الجنوبيين فى الشمال يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة) وصب القس جام غضبه على الحكومات الشمالية العربية التى اضطهدت الكنائس وختم مقاله بالحديث عن تحرير جنوب أفريقيا على يد مانديلا من إستعمار البيض وعن نيل السود إستقلالهم.
ينسى هذا القس أن حكومة جنوب السودان لا تضم مسلماً واحداً من 22 وزيراً بينما تُحتكر الحكومة بكاملها للمسيحين بالرغم من أن المسلمين لايقلون ، حسب آخر إحصاء أُجرى بواسطة مجلس الكنائس ، عن المسيحيين كما ينسي أن هناك نائباً برلمانياً مسلماً ، يُفترض أن له حصانة ، أُعتقل بأمر من والى ولاية الوحدة الحالي "تعبان دينق " "بتهمة" محاولة نشر الإسلام بين المواطنين حسبما ذكرت صحيفة (أخبار اليوم) فماذا يُفعل يا تُرى بالدعاة من المسلمين الجنوبيين العاديين ؟! وينسى كذلك ما أكده المؤرخون الذين أثبتوا أن الدينكا لم يدخلوا السودان من منطقة البحيرات "وسط أفريقيا" إلا خلال الاربعة قرون الأخيرة وذلك بعد قرون من هجرات العرب إلى السودان كما ينسى هذا القس العنصري انه عندما يصنف الناس على أساس عنصري (عرب مقابل أفارقة) فإنه يتردى تردياً قبيحاً لايليق برجل دين ينبغى أن يعلم أن الدين لايصنف الناس بأعراقهم وأن معظم الأفارقة من أهل السودان مسلمون والإنتماء للدين يعلو على الإنتماء للعرق والمسلمون الأفارقة أقرب إلى العرب منهم إلى غير المسلمين من الأفارقة ويتناسي الرجل كذلك أن الجنوب مُستثني من أحكام الشريعة وأن الشمال يحتكم إليها بمنطق الأغلبية والديمقراطية المتعارف عليه فى كل العالم كما نسي الرجل أنه لم تتعرض كنيسة واحدة للإعتداء فى الخرطوم عندما أعاد الشماليون الأمور إلى نصابها فى يوم الثلاثاء المجيد بينما أُحرقت عدد من المساجد فى الجنوب يوم الأثنين الأسود وبعده وأن الجنوبيين أُعطوا كامل السلطة فى الجنوب كما أُعطوا من السلطة فى الشمال أكثر من نصف ما مُنح لجميع الأحزاب الشمالية بإستثناء المؤتمر الوطني لكن مسلسل الشكوى والإبتزاز لن يتوقف بالرغم من أن الجنوب قد منح فى نيفاشا كل شيء وان الشمال حُرم من كل شيء.
ولست فى حاجة إلى التذكير بأن ما قاله هذا القس ردده قرنق مراراً وأوغر به صدور الأفارقة ضد العرب وظل يقول (إن العرب مكثوا فى الأندلس أكثر مما مكثوا فى السودان وكما أُخرجوا من الأندلس سيخرجون من السودان) ولكن للأسف فإن الطّامة الكبرى جاءت من بونا ملوال مستشار رئيس حكومة السودان المتشاكسة حين طالب (بتحرير العبيد الجنوبيين المختطفين فى الشمال) مشيراً إلي أن (قضية الجنوبيين المسترقين فى شمال السودان لم يتم التطرق إليها فى إتفاقية السلام) ثم بعد أن أطلق تصريحاته التى نُشرت فى صحيفة (الخرطوم مونيتر) بتاريخ 23/10 غادر بونا إلى لندن ليعرض قضية الرق في السودان فأى تشاكس بربكم أبشع من هذا وأى نفق مظلم ذلك الذى أدخلتنا فيه نيفاشا؟!
وقد أشاد الفرد تعبان رئيس مجلس إدارة صحيفة الخرطوم مونتر بتاريخ 24/10 بحديث بونا ملوال وذكّر بمواقفه المُشرفة من قضية الجنوب وشن حملة شعواء على قرنق الذي ارتكب فى نظر الفرد تعبان ، بإسم التحرير ، إنتهاكات مريعة على حقوق الإنسان وتصرف فى الحركة كما لو كانت ملكه الخاص وهاجم تنكر الحركة الشعبية لرغبة 96% من أبناء الجنوب ممن يعتبرون أن تقرير المصير لا يعني غير الإستقلال أو الإنفصال وقال (أن الجماعات الأخرى مثل المنبر الديموقراطى الذى يقوده بونا ملوال ومارتن اليا يتقدم كثيراً على الحركة الشعبية فى السعي لإستقطاب قلوب وعقول الجنوبيين) ولا ينبغي أن ننسى أن تصريحات بونا ملوال حول الرق فى السودان كانت قد أُبرزت بمانشيت عريض فى الخرطوم مونتر فى اليوم السابق لمقال الفرد تعبان ومما يجدر ذكره كذلك أن مايكل كوما كان قد كتب فى نفس اليوم الذي أدلى فيه بونا بتصريحاته حول إسترقاق الجنوبيين فى شمال السودان مطالباً بونا (بوقف إسترقاق نساء وأطفال الدينكا بواسطة الحكومة العربية!) واختتم مقاله بقوله بأنه (من المُخجل جداً أن أعمامنا الكبار – ويقصد بونا ملوال وجوزيف لاقو- قد تم شراؤهم بالأموال العربية لتحطيم وحدة أبناء الجنوب وأن على عملاء الشمال هؤلاء أن يعلموا أن وقت محاسبتهم قد حان وأن قيامهم بمحاكاة سلوك الجلابة فى حُلة سوداء لن يحسن من صورتهم) ولا أدرى ما إذا كان هذا الكاتب وأمثاله يعتبرون الشماليين المتحالفين معهم من شيوعيين وغيرهم عملاء للجنوب. ثم يستمر مسلسل حقد الاثنين الأسود على أوراق الخرطوم مونتر بمقال كتبه احدهم بإسم محمد عثمان آدم بعنوان (قارنوا يوم اثنين أسود سيئ واحد فى الشمال بمئات من أيام اثنين سيئة فى الجنوب) وبرر الرجل أحداث الاثنين الأسود بأسلوب سطحي ينضح بالعنصرية والمنطق الأعرج ويمضي الحقد الأعمى فى مسلسل إيغار صدور أبناء الجنوب الموغرة أصلاً مبرراً اعمال القتل والسلب وإنتهاك الأعراض بمقال كتبه اورى آيا فى 18/10 بعنوان (من يدفع التعويضات) ويتهكم المقال من مطالبة تجار جوبا الذين نُهبت ممتلكاتهم بالتعويض بعد أن طردوا من جنوب السودان أو بالأحرى فروا هرباً من عمليات القتل والسحل التى طالت الكثيرين من أبناء الشمال فى جوبا وغيرها ووصف المقال المطالبين بالتعويض ( بالتجار الجشعين منعدمي الرحمة النهّابين والمضطهِدين) متهماً إياهم بأقذع التهم وبأنهم كانوا عملاء للحكومة وأنهم شاركوا فى إضطهاد أبناء الجنوب منذ الإستقلال.
وأود أن أذِّكر فقط لفائدة القارئ بما حدث للتجار الشماليين فى جوبا وبقية مدن الجنوب فقد فُتك بهولاء وأسرهم ونُهبت ممتلكاتهم وأُحرقت وطردوا جميعاً من الجنوب بينما لم يصب التجار الأجانب الآخرين من هنود ويوغنديين وكينيين وأقباط بأى أذى وأعجب والله من قول قرنق وغيره من الساسة والصحافيين والمُثقفين الجنوبيين الذين لا يملون الحديث عن معاملة الشماليين لأبناء الجنوب فى الخرطوم والشمال كمواطنين من الدرجة الثانية ناسين أن الشمالي ما عاد يستطيع العيش فى الجنوب دعك من أن يُمنح صفة مواطن درجة ثانية أو حتى عاشرة فقد أُكره على النزوح إلى الشمال وأخلى الجنوب إلا من بعض أفراد القوات المسلحة الذين تستعجل الحركة وأمريكا إخلاءهم فى وقت تدخل فيه قوات الحركة الشعبية إلى الخرطوم بآلياتها الثقيلة بموجب إتفاق نيفاشا وبالتالى يصبح الجنوب حراماً على الشماليين حلالاً على بقية البشر من كل جنس ويبقي الشمال موطناً للجنوبيين الذين يشاركون بقوة فى حكم الشمال ويطلبون المزيد وترابط قوات جنوبية مُدججة بالسلاح فى عاصمته ويحتل بعض تجارهم مواقع مُهمة فى شارع الجمهورية بكامل الحقوق التى يحصل عليها التاجر الشمالي وبالرغم من ذلك يستمر مسلسل التذمر والتأليب والتحريض والإبتزاز!!
هل سمعتم بقصة محمد الفاتح عبد الكريم شلبي الحلفاوي الذى عاش فى الجنوب لعقود من الزمان والذى طُلب إليه إبّان الأحداث الأخيرة عندما كان فى مدينة ياي أن يسجل فى سجلات الأجانب وعندما قال أنه سودانى وأحتج على تلك المعاملة ضُرب بقعر البندقية – الدبشق - على ظهره وأصيب إصابة بالغة (رقد) على اثرها أكثر من شهر وهو موجود الآن فى الخرطوم لمن أراد أن يتحقق من الواقعة ولا يزال يعاني من الآلام ويحمد الله انه نجا بجلده! وبالرغم من ذلك لا يمل القوم من الشكوى بأنهم يُعاملون معاملة مواطنى الدرجة الثانية بينما الشماليون وفيهم محمد الفاتح يُحرّم عليهم العيش فى الجنوب ويحقرون ويمقتون ويعتبرون صِنواً للشيطان الرجيم فى وقت يُُحترم فيه الأجانب ويوقرون فأى وحدة هذه التى يتحدث عنها أولئك الواهمون؟!
أما محمد جابر المدير فقد أمضي معظم عمره الذى تجاوز الستين عاماً فى الجنوب وتزوج من ثلاث جنوبيات أنجب منهن عدداً من البنين والبنات ولكن ذلك لم يشفع له وغادر الجنوب أخيراً زاهداً فى الوحدة وهناك قصص أخرى كثيرة نرجو أن نعرض لها فى وقت آخر إن شاء الله ومنها قصة صديق كوراك أمين عام إتحاد التجار الشماليين فى الجنوب والذى هاجر جده إلى هناك فى عام 1904 ومات ودُفن فى الجنوب فى الثلاثينات من القرن الماضى ثم مات والده ودُفن فى جوبا وعاد صديق أخيراً إلى الخرطوم مع بقية أبناء الشمال بعد أن نجا من الموت باعجوبة تاركاً وراءه كل شئ من حصاد وعرق الآباء والأجداد ... عاد كوراك ليقود مع إخوانه العائدين مسيرة تحرير الشمال من أوهام وويلات الوحدة مع الجنوب.
أقول إن على الحكومة التى كونت لجنة لحصر خسائر الاثنين الأسود فى الشمال أن تكوِّن لجنة أخرى لحصر خسائر التجار الشماليين الفارين من جحيم الجنوب وأن تعوِّض أولئك التجار الذين عادوا بخفي حنين تاركين وراءهم كل شئ وأن يكون ذلك خصماً على حصة الجنوب من الموارد البترولية فقد آن الآوان للحكومة أن تجرب مرة واحدة أن تكون الطالب بدلاً من المطلوب منه على الدوام.
ولا أدرى والله ما يُراد من الشماليين أن يفعلوا لكي يجعلوا الوحدة جاذبة للجنوبيين ولكى يقنعوهم بالكف عن التذمر والشكوى وعن رمينا بقبيح الصفات وإتهامنا بالمتاجرة بالجنوبيين فى سوق النخاسة ... وإنى لأعتقد إعتقاداً جازماً أن الحقد الذى يملأ نفوس هؤلاء لن يخرج حتى لو أخلينا لهم بيوتنا وأحنينا لهم رقابنا وجعلناهم يفعلون بنا ما فعلوا بأهلينا الفارين من جحيمهم فى جوبا وغيرها من مدن الجنوب ثم لماذا يشكو من يشكو منهم من وضعية مواطنى الدرجة الثانية التى يزعمون انهم يتجرعون مراراتها فى الشمال وماذا يجبرهم على ذلك وطريق العودة إلى الجنوب حيث الحرية والكرامة ووضعية الدرجة الأولى سالك ومفتوح على مصراعيه وكذلك خيار الإنفصال متاح لهم لينعموا بجنوبهم ويريحون ويستريحون؟! هل يريدون من الشماليين أن يطردوهم ويفعلوا بهم ما فعلوا بأهلنا الشماليين فى الجنوب حتى يرجعوا ويتوقفوا عن هذا التذمر الذى لم نعد نطيقه خاصة بعد أحداث الاثنين الأسود التى قضت على آخر فرصة لبقاء الشعبين فى وطن واحد؟
لعل من أغرب ماقرأت مما زادني يقيناً على يقين بإستحالة الوحدة الخبر الذى أوردته صحيفة (الأيام) بفرح غامر وبمانشيت أحمر وصحيفة (الوطن) بتاريخ 28/11/2005 وكذلك أوردته صحيفة الرأى العام حول إنضمام (175) من الدعاة الجنوبيين إلى الحركة الشعبية بعد أن انسلخوا من الأحزاب الشمالية فقد قدم هؤلاء الدعاة (المزعومون) العنصر والعرق على الدين وقالوا إن تحولهم من أحزابهم الشمالية نابع عن ((التجاهل المُتعمد للجنوب والدعاة الإسلاميين)) وأرجوأن يجد هؤلاء المُعاملة التى يطلبون وأن يؤمَّنوا من الإعتقال إن هم بقوا على إسلامهم أو دعوا إليه بين أبناء الجنوب! وقد حزنت ان السكرتير السياسي للحركة فى الشمال اقوق ماكو قال – ساخراً من الجنة – وفى حضور أولئك الدعاة المزعومين ((إن هؤلاء لم يأتوا ليخوضوا المعارك ويدخلوا عبرها الجنة وإنما جاءوا من أجل تغيير المفاهيم القديمة المُتمثلة فى الإستعلاء العرقي والثقافي والديني)) فهنيئاً لمنظمة الدعوة الإسلامية!!
أما أحداث الثلاثاء التى لطم بعض الشيوعيين داخل الحركة الشعبية وخارجها الخدود وشقوا الجيوب وأوسعوها هجاء ورموها بكل قبيح وساووا بينها وبين أحداث الاثنين الأسود بذات المنطق الذى ساقوه للمطالبة بفتح المطاعم فى نهار رمضان " وما أرادوا المطاعم وإنما أرادوا البارات والخمور وبقية الموبقات فى إستفزاز كبير لمشاعر المسلمين" وذلك بغرض جعل الوحدة جاذبة للجنوبيين بالرغم من أن البقالات الممتلئة بكل ما لذ وطاب لم تُغلق فى يوم من الأيام... أما أحداث الثلاثاء فقد كانت يوماً عظيماً فى تاريخ السودان ذلك أنه لولا تلك الهبة من أبناء الشمال إنتصاراً لأعراض أُنتهكت ودماء سُفكت وأموال نُهبت لأستمر الاثنين الأسود إلى يوم الناس هذا وإلى يوم القيامة ولتحقق حلم قرنق وأولاده وأمريكا وحلفائها والشيوعيين ومن شايعهم ولكن أودأن أتساءل ، تُرى فى أى شريعة أو قانون يساوى بين المجرم والضحية والمعتدِي والمعتدَى عليه؟ أما القول بحدوث مئات من أيام الاثنين الأسود فى الجنوب فهذا هراء يعلم كاتبه مدي خطله ذلك أن أبناء الجنوب نزحوا منه إلى الشمال وأهله هرباً من جحيم الحرب ولم يتعرض لأى منهم أحد باذى بالرغم من أن عشرات الآلاف من أبناء الشمال قد إستشهدوا فى الجنوب... أما الحرب فى الجنوب فلا أدرى إن كان الكاتب يريد من الجيش أن يهرب من المعركة ويخلي الجنوب بالرغم من أنه كان ولا يزال ، للأسف الشديد ، جزءاً من السودان وهل حدث هذا فى اى مكان فى العالم فى مواجهة تمرد على سلطة الدولة؟
أعود لنظرية السودان الجديد ودور أولاد جون وحلفائهم من الشيوعيين فى إحيائها بدعم كبير ورئيسي من أمريكا التى سأتحدث عنها بشيء من التفصيل لاحقاً فقد صرح عبد العزيز الحلو مسؤول الحركة الشعبية فى الشمال والرجل الذى قاد تمرد دارفور مع داؤود بولاد بتخطيط ودعم من قرنق فى بداية التسعينات ونجا بأعجوبة والذى لا يزال يمسك بملف دارفور صرح الحلو خلال حفل إندماج التحالف السودانى فى الحركة الشعبية بتاريخ 9/11/2005 ( بأن الشراكة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية نقلت الصراع من إطاره العسكري إلى إطار جديد يقوم على آليات العمل السياسي الديمقراطي) وقال (إن الصراع مستمر بيننا بآليات جديدة ) وأضاف (اننا اتفقنا على تنفيذ الاتفاقية دون التخلي عن برامجنا لإقامة السودان الجديد) وهاجم الحلو المؤتمر الوطنى بقوله (إنه يدعو إلى احادية تقوم على العروبة والإسلام)... وهذا هو مربط الفرس فى نظرية السودان الجديد التى تنبنى على العداء السافر للعروبة والإسلام وهذا ما اكده بعبارة أخرى وليد حامد وهو أحد الشيوعيين الكُثر المزروعين فى الحركة الشعبية متخذين منها حصان طراودة لفرض مشروعهم المُعادي للإسلام كنظام ومنهاج حياة ووليد هذا هو الناطق بإسم الحركة وقد تحدث فى الحوار الذى أجرته معه لبنى خيرى فى اخبار اليوم بتاريخ 22/11 عن الوحدة الجاذبة مهاجماً (فرض رؤية أو دين أو قانون لايعبر عن ثقافات كل الناس) وأضاف وليد فى جرأة على الله تعالى لايقدم عليها إلا شيوعي (لذلك دعونا نفصل الدين عن الدولة) ووالله إنى لمندهش أن الرجل يهاجم فرض رؤية أو دين لايعبر عن كل الناس وهو يعلم أن ما حصل عليه الجنوبيون وغيرهم فى الشمال لم يحصل المسلمون على معشاره فى الجنوب ، أما فصل الدين عن الدولة فهو طلب غريب بحق ذلك ان الرجل يتحدث عن أمر حسم فى الإتفاقية وقد إعتاد هؤلاء القوم للأسف على مهاجمة الآخرين فى غياب من يهاجمهم فهم يتحدثون عن تنصل شريكهم - المؤتمر الوطنى- عن تنفيذ الإتفاقية لكنهم يرفضون نصاً قاطعاً فى الإتفاقية ويطالبون بإلغائه ولذلك تثور ثائرتهم حول وضعية العاصمة وتفرد صحيفة "الأيام" بتاريخ 22/11 مانشيتها الأحمر التحريضي حول إصرار الحركة الشعبية على التمثيل بنسبة 45% من حكم العاصمة القومية وبالرغم من أن هذين الرجلين "عبد العزيز الحلو ووليد حامد" يحملان أسماء إسلامية فإنهما لايعلمان أنهما يخرجانا تماماً من الدين إن نحن وافقناهما على مايطلبان فإنكار الشريعة هو إنكار لنصوص قرآنية محكمة والمسلم يُضحى ،فى سبيل دينه، بموطنه كما فعل الرسول (ص) وأصحابه عند الهجرة من مكة المكرمة وبنفسه جهاداً فى سبيل الله دعك من الوحدة الوطنية وذلك هو التوحيد الحقيقي ويوم يقوم الناس لرب العالمين أو عندما يُقبر الإنسان لا يُسأل عن وطنه وانما عن دينه فإما إلى الجنة وإما إلى النار ولذلك فانه من السذاجة أن تقايض الحركة الشعبية والشيوعيون الدين بالوحدة التى لانحرص عليها حتى ولو كفوا عن المطالبة بإلغاء الشريعة، بقدر حرصنا على إنفصال يريحنا وأجيالنا القادمة من عذاب ظللنا نعيش مراراته نصف قرن من الزمان وسنعيشه قروناً أخرى بعدها ما لم نُصحح هذا الخطأ التاريخى الذى فرضه علينا ،وبدون إذن منّا، مستعمر شرير لايريد لنا غير العذاب والتخلف.
أقول مجدداُ بان الصراع الذى إحتدم بين الشريكين المتشاكسين والذى تحدث عنه عبد العزيز الحلو بصراحة يحمد عليها مستمر فى مجالات كثيرة ولا يكاد يمر يوم دون أن نشهد فصولاً من مسرحيته العبثية التى يلعب فيها اولاد جون من الشيوعيين داخل وخارج الحركة ادوار البطولة والمحرك الأساسي الذى يصب الزيت على النار ولعل من المُضحكات المُبكيات أن يخوض وزير الدولة للعمل محمد يوسف أحمد المصطفي ،وهو شيوعى بالوراثة، معركة النقابات وإتحاد المزارعين وإعادة المفصولين ضد الحكومة للدرجة التى جعلت إتحاد العمال يصدر بياناً يهاجم فيه الوزير ويخوض دينق الور وزير مجلس الوزراء معركة أخرى كذلك ضد حكومته ولم أعرف والله أأضحك أم أبكى على حكومة يتهمها وزير مجلس وزرائها بانها تؤلب المسيرية طمعاً فى بترول أبيي ويطلب تغيير إجتماعات مجلس الوزراء من يوم الأحد إلى يوم آخر بالرغم من أنه يعلم حال الإسلام والمسلمين اليوم فى الجنوب فى ظل حكومة الحركة الشعبية بل إن الرجل يطالب بنسبة 45% من السلطة بالعاصمة القومية للحركة الشعبية وتورد صحيفة الحزب الشيوعي الخبر بفرح غامر فى مانشيت بتاريخ 22/11 بعنوان (الحركة تتمسك ب 45% من السلطة بالعاصمة القومية) وصدقوني بأنى لم أستغرب هذه المواقف والتصريحات من دينق الور وغيره من معارضي الحكومة من داخل مجلس الوزراء...لماذا لايصرحون ويشاكسون ويتعنتون إذا كان مساعد رئيس الجمهورية – نائب رئيس المؤتمر الوطنى – د.نافع على نافع يصرح وعلى رؤوس الأشهاد بأن (ما بيننا والحركة الشعبية تطابق كامل) فذلك ما أوردته صحيفة (ألوان) على لسان د.نافع على نافع بتاريخ 27/11 !
ولا أستبعد تدخل مفوضية مراقبة تنفيذ الإتفاقية لنصرة الحركة الشعبية التى اعتادت أن تنام ملء جفونها عن شوارد نصوص نيفاشا وتسير فريزر وزوليك والمحافظون الجدد وحاكم عام السودان ( يان برونك)! ومجلس الأمن والدنيا بأجمعها لنصرتها ومعلوم أن لجنة المراقبة المذكورة يرأسها ،وبإذن من الحكومة، نرويجى وهو لا يختلف عن الأمريكي بيترسون الذى رأس لجنة خبراء مفوضية ترسيم حدود أبيي بإذن من الحكومة بالرغم من علمها بعدائه القديم للسودان ومناصرته للحركة الشعبية الأمر الذى تسبب فى المشكلة الحالية التى دخلت دهاليز الكونجرس الأمريكى وباتت جزءاً من مطلوبات رفع العقوبات عن السودان!!
وكذلك هناك الشيوعى ياسر عرمان إبن جون قرنق المُدلل والذى مافتئ يُذكر الناس من داخل البرلمان وخارجه بالتحول الديمقراطي الذى تنشده إتفاقية السلام لكنه فى ذات الوقت يحتقر رأى الأغلبية حينما يصر على فرض طرح السودان الجديد الداعى إلى وحدة السودان بالرغم من أنه صرح بان أكثر من 90% من الجنوبيين مع الإنفصال كذلك فان دور الصحافيين الشيوعيين فى التحريض على سلفاكير وتحريض كير كذلك ليكون أكثر جرأة ومشاكسة للحكومة فى أمر (حقوق أبناء الجنوب) وهم الذين أشعلوا معركة فتح المطاعم فى رمضان ومعركة وقف إزعاج الآذان من المايكروفونات ووصف أحدهم مهمة كولن باول "وزير الخارجية الأمريكى السابق" عندما زار دارفور (بالمهمة النبيلة) وكتب ذات الصحافي يطالب الحركة بأن تصحو من مرض النوم وتساءل (متى تترك الحركة حالة الغيبوبة وتتفرغ للمهام الجسيمة)؟ وهم الذين أشادوا بموقف أمريكا المؤيد لوحدة السودان وذكروا زوليك فى كلمة "الأيام" فى 10/11 إبان زيارته الأخيرة للسودان بما لم ينسه هو أو رئيسه بوش قط وخوفوه من أن الشمال بعد الإنفصال (يشكل خطراً على إستراتيجية الدول الكبرى إذ ستنشأ دولة إسلامية عربية كاملة الدسم فى هذه المنطقة المهمة للمصالح الدولية) وكتبت نفس الصحيفة فى إفتتاحيتها بتاريخ 24/11 تدافع عن دور الأمم المتحدة فى السودان بالرغم من كل مافعلته من أنتهاكات لسيادة السودان على أرضه وفرضته من عقوبات ووجود أجنبي من خلال مجلس أمنها الأمريكي!!أقول ذلك بالرغم من إحترامي للأستاذ محجوب محمد صالح على المستوى الشخصي وطمعي فى أن يخرج من فتنة العزة بالإثم التى تجعل الكثيرين يظلون أسرى لنظرية رجعية وبائدة طواها الزمان وهجرها أهلها الأصليون وأسأل الله تعالى أن يُذهب عنه الأذى ويُعافيه منها فالعمر يمر والموت قريب.
ولا أقول إن الصراع والتشاكس يقتصر على أولاد جون من دعادة السودان الجديد وسأوضح ذلك لاحقاً إن شاء الله وانما يتمدد إلى كل الحركة الشعبية حتى أولئك الذين لايؤمنون بنظرية السودان الجديد ومن المعلوم للقاصي والداني أن هناك خلافاً عميقاً كان محتدماً بين قرنق وسلفاكير تجلى فى مؤتمر رومبيك قبيل توقيع إتفاق نيفاشا وأختصره فى أن سلفاكير ومعظم القادة الميدانيين وبعض كبار الساسة الجنوبيين مثل بونا ملوال يعتبرون مشروع السودان الجديد قفزة فى الظلام وسير فى طريق الأشواك وطموح أهوج من شأنه أن يطيل من أمد الحرب ويُعقد قضية الجنوب التى ما قاتل الجنوبيون إلا من أجلها هى بينما يطمع قرنق ،ومعه ثلة من أتباعه الحالمين، فى إعادة هيكلة السودن كله وفق نظرية السودان الجديد التى تتبناها أمريكا وحلفاؤها، وأنه لما يؤلمنى أن قبيلة النعام من مثقفينا وسياسيينا جميعاً يصرون على دفن رؤوسهم فى رمال الاوهام ويرفضون تصديق أن أمريكا ملتزمة بوحدة السودان وفق نظرية السودان الجديد وبالرغم من أن هذا الموقف معبر عنه فى كل المحافل ومن قبل كل السياسيين بدءاً من دانفورث ومروراً بالسيدة فريزر مساعدة وزير الخارجية لشؤون أفريقيا وإنتهاءً بمساعد وزير خارجية أمريكا روبرت زوليك الذى صال وجال فى الخرطوم خلال الأيام الماضية وقدم له السياسيون ومن جميع الأحزاب والتنظيمات والمنظمات فروض الولاء والطاعة مع العلم بأن زيارته الأخيرة تمت بعد أربعة أيام فقط من تجديد العقوبات على السودان فيا لهوان السودان وقواه السياسية – وسأستفيض فى هذا الأمر فى الجزء الثاني من المقال فى الأسبوع القادم إن شاء الله وللأسف فان قبيلة النعام تنسى أو تتناسى ان أمريكا وبريطانيا متحالفتان منذ عقود من الزمان (حلف الانجلوساكسون) فبريطانيا هى صاحبة وعد بلفور عام 1917 الذى مهد لقيام إسرائيل فى قلب العالم العربي وهى التى قررت عام 1946 بدون إستشارة شعب السودان توحيد الجنوب مع الشمال لتزرع بذلك شوكة سرطانية ظلت تُدمي الجسد السودانى المُنهك لنصف قرن من الزمان.
أقول فى الختام إننى ما أردت بهذا المقال وغيره إلا إخراج وإبراز الحقيقة التى تعمل قبيلة النعام على تغييبها والتغافل عنها...حقيقة أنه لا حل لمشكلة الجنوب إلا بإنفصال عاجل غير آجل ونحن ندرك أن ما يُعبَّر عنه فى صحيفة (الخرطوم مونيتر) وغيرها لا يعكس غير المشاعر الحقيقية للجنوبيين والتى ينبغى أن يُعبَّر عنها فى شكل سياسات تتبناها القوى السياسية ولذلك أعلن ترحيب منبر السلام العادل بالتنسيق مع القوى السياسية الجنوبية التى تدعو إلى الإنفصال وذلك بغرض الإتفاق على برامج مشتركة لتحقيق هذه الغاية بأقصر وأسهل الطرق والوسائل بما يحقق مصالح الشعبين الشمالي والجنوبي ويؤدى إلى سلام دائم بين البلدين الجارين.

الطيب مصطفي


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved