تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

كيف يمكن للوحدة أن تكون جاذباً؟ بقلم ذيو بول شبيت

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
2/12/2005 11:57 م


بقلم/ ذيو بول شبيت.

عندما يتحدث أحدنا عن الوحدة الوطنية في السودان، فأول ما يتبادر إلي الأذهان هو توحيد الجنوب و الشمال! وكلما تحدث أحدهم عن إتفاقية سلامٍ (منقوضة) أو غيرها من الإتفاقات السودانية، تقفذ إلى السطح الإتفاقات التي تم التوصل إليها بين الجنوب و الشمال! و حتى إذا كان الحديث عن الأمية و التحضر، أو العروبة و الإفريقية، أو الغني والفقر – فأول ما يأتي إلى الذاكرة السودانية هي المقارنة بين الجنوب و الشمال السوداني على أساس أن بعض هذه المرادفات مقرونة – أو بالأصح - إقترنت إما بالجنوب أو الشمال في الأدب السياسي السوداني.
لن يخفي على القارئ الكريم أن هذه الصورة المحفورة في العقل السياسي السوداني لم تكن مصادفةً، بل ساهمت على ترسيخها فيه عوامل كثيرة سياسية و إقتصادية و إجتماعية. و لعل أهم هذه العوامل هو، نمط "الجغرافيا السياسية" التي إعتمدتها و إنتهجتها حكام شمال السودان الذين حكموا البلاد خلال الخمسين سنةً الماضية منذ الإستقلال من الإستعمار البريطاني. هذا النمط (الجغرافي السياسي)، قسمت السودان إلى شمال و جنوب. و حتى إذا قبلنا (بحكايات) كتب التأريخ التي صدرت من معهد بخت الرضا – و التي زعمت بأن الإنجليز هم الذين قسموا السودان و من ثم (همشوا) الجنوب بواسطة سياسة المناطق المقفولة، فستبرز إلى السطح سؤالاً آخر فحواه أن لماذا همش الإنجليز و من بعدهم إستمرت حكومات الشمال في تهميش الجنوب؟ بالنسبة للإنجليز، فالأجابة هي أن تهميش الجنوب كان الهدف منه معاقبة الجنوبيين على رفضهم للإستعمار البريطاني و مقاومتهم لها – فمُنِعوا من التعليم و التجنيد في الجيش و الخدمات الحكومية من صحة و طرق ...إلخ. و طوّر الإنجليز الشماليين لأنهم تعاونوا معهم و قبلوا سياساتهم وكان جزاءهم التعليم و الخدمات الأخرى – و فوق ذلك، سلموهم السودان ليحكموها مكافأةً لقبولهم تنفيذ سياسة تهميش الجنوب و إستعمارها نيابةً عنهم.
و طالما أن كل الحكومات التي حكمت السودان أتت (وكانت لأ بد أن تأتي – على حسب سياسة الإنجليز و الشماليين) من الشمال، إقتصرت الحكومة في توفير الخدمات على الشمال و الشماليين. و إنطبقت نمط (الجغرافيا السياسية) على الشعب (الشمالي و الجنوبي)، فأصبح للشمالي الأولوية في إيجاد فرص التعليم و العلاج و العمل. و أتى الإنسان الجنوبي هذه المرة في المرتبة الرابعة بعد الشمالي، ثم العربي المسلم (من الجزيرة العربية)، و من ثم الإفريقي المسلم (من نيجريا و الكنغو و تشاد) و أخيراً أبناء و بنات جنوب السودان! فعلى سبيل المثال، تم تأسيس جامعة جوبا في منتصف السبعينيات و لم تكتكمل بناء كلياتها حتى الآن، في الوقت الذي يتمتع فيه طلاب جامعة إفريقيا العالمية (بعد أن حذفوا منها الإسلامية لأسباب تكتيكية) بأحدث المعامل و مكتبات بمواصفات عالمية ليس لأي سبب، بل لأن جامعة جوبا تمثل جنوب السودان، و الجامعة الإفريقية الإسلامية يدرس فيها من يعتنق الدين الإسلامي! نعم، يوجد عدد كبير من الطلاب الشماليين (المجاهدين) في جامعة جوبا – لكن جامعة جوبا تعتبر رمزاً للإعتزاز في الجنوب، و إذا إكتمل بناءوها، فسيزيد ذلك من إعتزاز الجنوبيين الذين لن يفكروا في الدخول إلى جامعة أمدرمان الإسلامية أو غيرها من الجامعات المستعربة في الشمال والتي تهدف في المقام الأول إلى أسلمة و إستعراب الجنوبيين!
وفي إتفاقية نيفاشا للسلام إتفق الحركة الشعبية لتحرير السودان (نيابةً عن الجنوبيين) و حكومة الخرطوم (نيابةً عن الشماليين) على أن تعمل الجانبان على جعل خيار الوحدة جاذباً للسودانيين بصفة عامة، و الجنوبيين بصفة خاصة. و على الرغم من أن الجزء الأكبر من مسؤولية جعل الوحدة خياراً جاذباً تقع على عاتق ما عرفت لاحقاً بحكومة الوحدة الوطنية، بصفتها المسؤولة عن تنفيذ إتفاقية السلام، إلا أن هذه الحكومة – و هي في الواقع نفس حكومة الشمال – إعتمدت في عملها لجعل الوحدة جاذبة على نفس الأساليب التقليدية القديمة في تمويه و غش الجنوبيين و ربما التحايل في نتائج الإستفتاء مستقبلاً و يمكن تلخيص ذلك في الآتي:
أ- العمل بجدية على تفريق شمل الجنوبيين و تشجيع الخلافات بينهم لدرجة الإحتراب خلال الفترة الإنتقالية.
ب- العمل على شراء بعض القيادات السياسية للعمل لصالح الوحدة المفروضة بعد الفترة الإنتقالية.
ج- تكثيف الدعاية الإعلامية و تسليطها على بعض المشاريع الهامشية لمحاولة إقناع الجنوبيين على أن هنالك تنمية تجري في الجنوب.
د- إعطاء بعض الجنوبيين مناصب صورية لإيهامهم بالمشاركة في السلطة المركزية.
هـ- التخطيط على إغتيال الشخصيات الثورية في الحركة الشعبية كلما سنحت الفرصة بذلك.
و على الرغم من أن برنامجاً كهذا كان متوقعاً من حكومة الخرطوم (من قبل معظم الجنوبيين على الأقل)، إلا أن حزب المؤتمر الوطني و بعض الرموز السياسية في الشمال بدت و كأنها قد إقتنعت مبكراً على عدم عملية هذا البرنامج، فتقاعست الحزب الحاكم في التنازل عن بعض المناصب و الوزارات حتى و لو كانت صورية، و هاجمت بعض القيادات السياسية الشمالية الإتفاقية أو رفضت الإعتراف بها...إلخ.
و في نظر غالبية السودانيين (في الجنوب و الشمال)، فأن جعل الوحدة جازبة خلال الفترة الإنتقالية كلامٌ لأ يعدو كونه شعار خالي من المعنى! فكيف يمكن لنا العمل على تغيير النمط السياسي العنصري الذي بناه المستعمر الإنجليزي و رعاه الشماليين لأكثر من مئة عام؟ و أكثر من ذلك، كيف للوحدة أن تتم بين الجنوب و الشمال و حكومة الخرطوم (الشمالية) ما زالت متمسكة بنفس سياسات الإقصاء و التهميش تجاه الجنوبيين؟ في الواقع أن تمسك حكومة الشمال بسياساتها هذه ستزيد الهوة و الفروقات الموجودة أصلاً بين الجنوب و الشمال و التي يمكن تلخيصها في الآتي:
أ- الجنوبيين ينتمون للقارة الإفريقية في الوقت الذي يعتقد الشماليين إنهم عرب.
ب- يعتقد الشماليين أنه لأ يحق للجنوبيين حكم السودان لإنهم ليسوا مسلمين، و بالمقابل فلن يقبل الجنوبيين الإنتماء لدولة ليس لهم حق الحكم فيها.
ج- الشماليين يدينون بالإسلام، و تدين الجنوبيين بالمسيحية و الديانات الإفريقية.
د- لأ يقبل الشماليين فصل الدين من الدولة، في حين أن الجنوبيين يرون أن الدين لله و الوطن للجميع.
هـ- يعتقد الشماليين أن الجنوبيين غرباء و لأ يمكن التزاوج معهم.
و- ينظر الشماليين للجنوبيين على أنهم كفاراً و أقل منهم وبالتالي لأ يحق لهم مخالطتهم في الأكل و الشراب.
كل هذه الإختلافات موجودة و راسخة في عقل كل شمالي و جنوبي، و مع ذلك تحتج الشماليين و حكومتهم على تصريحات ممثل وزارة الخارجية الأمريكي و الذي قال أن 96% من الجنوبيين سيصوتون للإنفصال (الإستقلال) من الشمال! و كعادة الحكومات الشمالية، يتوقعون أن يصوت الجنوبيين على الوحدة بعد أن قتلوا أكثر من مليونين من سكانها، و نهبوا ثرواتها لبناء الشمال! لأ أظن أن الجنوبيين سيكرروا الخطأ الذي وقع فيها سلاطينهم في سنة 1947م عندما أجبرهم الشماليين على التوقيع على الوحدة المزعومة! و على الشماليين و حكومة الجبهة الإسلامية التي تمثلهم أن يدركوا أن الخطأ لن يتكرر، و سوف لن ينسى الجنوبيين ظلمهم و إحتلالهم لبلدهم. و لننتظر إنقضاء الستة السنوات التي إنقضى سنةً واحداً عنها أصلاً.
عاش الجنوب حراً مستقلاً عن عنصرية الحكومة الشمالية! و عاش الجيش الشعبي لتحرير السودان محرراً وحامياً لتراب البلد من إحتلال الشماليين.... سودان جديد وييي!!!



للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved