تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الحاجة كريزلدا الطيب البريطانية التى عشقت السودان/ سيف الدين عيسى مختار جدة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/12/2005 2:48 م

القراء الأعزاء: أعيد نشر هذا المقال الذي كان قد نشر في وقت سابق، وذلك تذكيرا لما تقوم به هذه المرأة الفاضلة الحاجة كريزلدا الطيب التي كان لوجودها أكبر الأثر في تخفيف ألم الرحيل المر لعلامة العرب عبد الله الطيب، هذه المرأة التي فقدت شربك حياتها والذي كان يمثل كل حياتها، لم تركن الى الحزن والنواح بل أدركت أنها يجب أن تكون الامتداد الطبيعي له، تلملم أعماله الكثيرة، تعيد طباعة ونشر كتبه القيمة، وتقيم المعارض تخليدا لذكراه الحبيبة ، وهي الان تعد لاقامة معرض ضخم في منزلها منتصف هذا الشهر يحتوى على أعمال عبد الله الطيب الجليلة في ختام فعاليات الخرطوم عاصمة للثقافة العربية، وعقب ذلك تستعد لأداء فريضة الحج لهذا العام، وسيقوم منتدى السودان الثقافي بجدة بانتهاز فرصة مجيئها واستضافتها في ندوات تخصص عن الراحل المقيم عبد الله الطيب عليه رحمة الله ، ولكل هذه الأسباب رأيت أن أعيد نشر هذا المفال راجيا أن ينال أعجابكم ( ويمكنكم الكتابة الي عبر بريدي الالكتروني [email protected] حال وجود أية استفسارات لديكم 00 سيف الدين عيسى )

الحاجة جوهرة الطيب ، كما كان يحلو للبروفسير عبد الله الطيب – عليه رحمة الله – أن ينادى رفيقة دربه كريزلدا، بريطانية عشقت السوادان حتى الثمالة وجابت ربوعه وبواديه وتعلقت أيما تعلق بهذا الوطن المترامي الأطراف ، عشقت عاداته وتقاليده ، أصالته وطيبة أهله، وخلدت كل ذلك في لوحات فنية رائعة وهى الرسامة القديرة والفنانة بطبعها0

والحاجة كريزلدا منذ أن أدت فريضة الحج عام 1980م تحب أن ينادى اسمها مسبوقا بلقب الحاجة، وهى حاصلة على شهادة الباكالوريوس في الأنثربولوجي من جامعة الخرطوم وعلى الماجستير في الفلكلور ، عملت لفترة استاذة في المدارس الثانوية السودانية ، ثم محاضرة بقسم اللغة الانجليزية بجامعة فاس بالمغرب0

اقامت الحاجة كريزلدا الطيب أثناء اقامتها بالمملكة المغربية ( الفترة من 1978-1987) عدة معارض فنية في مدينتى الرباط وفاس ، فى الصالات العامة وفي المراكز الثقافية التابعة للبعثات الدبلوماسية الأوربية تناولت لوحاتها التراث العربى ممثلا في العمارة المغربية وخاصة فاس القديمة والأزياء المختلفة للسودان، وقد عكست لوحاتها أزياء الهدندوة والبقارة والرباطاب وسائر قبائل السودان0

ولست أكرر هنا المقولة التى التصقت بالنساء أينما كن ( وراء كل رجل عظيم امرأة) ولكنى أقرر حقيقة عايشتها سنوات عديدة حين أتاحت لنا الدراسة الجامعية التعرف عن قرب على جانب من حياة هذا البيت الطيب، أن الحاجة كريزلدا كانت وراء الانجازات الضخمة التى حققها البروفسير عبد الله الطيب في الآداب والعلوم الاسلامية، ليس فقط لأنها هيأت له البيئة العلمية الملائمة، وجعلت من بيتها منتدى أدبيا وفكريا يؤمه العديد من مشاهير المبدعين في شتى مجالات الفنون والآداب، بل لأنها كانت تناقشه في العديد من القضايا التي تتناولها بحوثه العلمية في الأدب والثقافة والفلسفة0 على الرغم من أن كل منهما كان له عالمه الخاص، هو في البحث والتأليف، وهي في القراءة والرسم0 وهكذا كانت تمضى حياتهما في تناغم وانسجام تامين0 ومن هذه البيئة الصافية خرجت العديد من اللوحات الفنية الرائعة للحاجة كريزلدا الطيب، والعديد من الأعمال الأدبية الخالدة للبروفسير عبد الله الطيب (منها مجموعة من المقالات في الأدب والنقد والدراسات الاسلامية نشرها في بعض المجلات المتخصصة مثل المناهل المغربية، والدوحة القطرية التي نشر فيها سلسلة مقالات عن الشاعر الانجليزي اليوت أحدثت ضجة حين أوضح بالدليل القاطع ان قصيدة الأرض اليباب لأليوت التي افتتن بها اصحاب الشعر الحديث مأخوذة بالكامل من الشعر العربي القديم، ومن هذه الأعمال أيضا اعداده لكتابه "من حقيبة الذكريات"، واكماله للجزء الرابع من "المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها" عن الشعر الحديث، واشرافه على العديد من رسائل الدكتوراة لطلبة مغاربة أكسبته شهرة في الأوساط العلمية، اذكر منها مناقشته لرسالة الدكتور محمد الكتاني عن الشعر الحديث حيث ركز على الأخطاء في استخدام بعض الكلمات في غير محلها مثل كلمة "المعطيات " وقال انها تسللت من علم الرياضيات الى الأدب، وعبارة (بادىء ذى بدء) وتعجب كيف يكون للبدء بداية وذكر أن صحة العبارة أن تقول" بادىء بدا" وكانت مناقشاته للرسائل الجامعيةعبارة عن محاضرات قيمة يحرص طلبة العلم على حضورها وحسب علمي فان شعبة اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة فاس تحتفظ ببعض هذه الاثار القيمة خاصة وأنه كانت تربطه علاقة وطيدة مع اساتذة هذه الشعبة مثل الدكتور عبد السلام الهراس، ومحمد زمامه وغيرهما)، واستميح القاريء عذرا أن أستطرد قليلا وأذكر علاقة شهر يونيو بعبد الله الطيب: فقد ولد في شهر يونيو من عام 1921م ، وأصدر أولى مذكراته في كتاب (من نافذة القطار) في يونيو 1945م، ونال شهادة الدكتوراة في يونيو 1950م، وتوفي في 19 يونيو 2003م " وتعتبر قصيدته (عرج على جوس واذكر عندها الوطنا) سيرة ذاتية لحياته وهي أطول من أطول معلقة اذ يتجاوز عدد أبياتها 175، بينما أطول معلقة هى معلقة طرفة بن العبد (لخولة أطلال ببرقة ثهمد) عدد أبياتها 105 بيتا فتأمل!!

ولكم أتمني أن ينشط محبوه وتلامذته في تجميع تراثه، واعادة طباعة كتبه، لأن بعض هذه الكتب على الرغم من أهميتها لم تحظ بطباعة جيدة وأناشد تلميذه النجيب الدكتور حسن أبشر الطيب رجل المواقف الخالدة في التوثيق لعلمائنا الأعلام أن يتبنى هذا الموضوع الحيوى تخليدا لذكرى علم من أعلامنا الكبار، كما أناشد تلامذته البروفسور عون الشريف قاسم والبروفسير الحبر يوسف نور الدائم وغيرهما تجميع الدراسات والرسائل الجامعية التي تناولت أدب عبد الله الطيب في سفر يماثل ما فعله الدكتور حسن أبشر الطيب عن الطيب صالح وما فعلته الدكتورة سعاد الصباح عن شعر الأمير عبد الله الفيصل وهما أعظم عملين ألفا عن أديب معاصر 0

الحاجة جوهرة الطيب تحب السودان بصدق0 قد تعجب -عزيزي القارىء - لماذا أوردت هذه الجملة الخبرية التي قد تبدو مقحمة في النص، والسبب ببساطة لأنها تنطبق تماما على هذه السيدة العظيمة0 فحين مرض عبد الله الطيب بلندن، وطال بقاؤه بالمستشفي وعلمت أنه لم يتبق له من علاج فيها قالت جملتها الشهيرة التي ما يزال الدكتور حسن ابشر الطيب يرددها من أونة لأخري في اعجاب وفخر: " أحسن نمشى لى أهلنا في السودان" أي والله! البريطانية هي التي قالت (أهلنا في السودان)، بينما بعض بني جلدتنا اذا ذكروا بالعودة الى السودان اسودت وجوههم من الهم 0وقد انتقلت به بالفعل الى الخرطوم لأنها أدركت منذ وقت مبكر بأن عبد الله الطيب لا يستطيع أن يتنفس خارج السودان، وحدث ما توقعت فقد تحسن عندما نظر الى من حوله من الأهل والأحباب ورأى الوجوه المألوفة الطيبة تحيط به من كل جانب وتحمله في أعمق أعماقها، أو ليس هو القائل عن جبال جوس بنيجريا في قصيدته (عرج على جوس)
أذكرننى أركويتا وهي نائية ولانيل ليت أن النيل منك دنا
وعندما حملقت ذات الوجوه الطيبة وهي تحمله الي يوم مثواه الأخير، كنت أبحث بين الوجوه عن كريزلدا الطيب لا لكي أزرف على كتفيها الدموع، بل لأستمد من قوتها قوة ومن تجلدها صبرا على فراق من كان يشكل أحد ثوابت السودان( فان كان النيل يمثل أصل هذه الثوابت فان عبد الله الطيب كان كما النيل عنفوانا وعطاء واصالة ورسوخا)، وحين اسلم الروح لباريها وأفضى الى ما قدم، كان المعزون يبدون حزنهم الشديد على هذه المرأة وقد أصابها هذا الفقد العظيم، أين وكيف ستعيش من دونه؟ فكنت أقول لهم: ما ظنكم بامراة عشقت السودان؟ ولأن غاب عبد الله الطيب ، فانها ستراه في كل نخلة تشرأب بأعناقها الى السماء، في كل لالوبة أو دومة أو تبلدية أو هجليج أو أبنوسة، ستراه يولد كل يوم في الحبر نور الدائم ، في عون الشريف قاسم ، في دكتور دكين ، في كل تلامذته وفي ترتيل صديق أحمد حمدون، وفي أصداء النيل وبانات رامه0

لقد عاصرت الحاجة كريزلدا فترة من أهم فترات السودان، اذ اقترنت بالبروفسير عبد الله الطيب في العام 1948م، وعبره عايشت مجموعة من السودانيين الذين تلقوا تعليمهم بلندن في تلك الحقبة والذين أرسوا فيما بعد دعائم السودنة وكانوا أساس الانجازات الثقافية والفكرية لسودان الاستقلال، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدبلوماسى جمال محمد أحمد ، والدكتور سعد الدين فوزى أول عميد لكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم، والدكتور أحمد الطيب، والطيب صالح فيما بعد وغيرهم0

اضافة الي السودانيين فقد كان بلندن في تلك الحقبة عدد كبير من الأفارقة يتلقون تعليمهم الجامعى بانجلترا، اصبحوا فيما بعد قادة ورؤساء لشعوبهم بأفريقيا ، ولقد حدثتنى الحاجة كريزلدا أن هذا التواجد المكثف للأفريقيين بلندن وبقية العواصم الأوربية هو الذى أوحى لمجموعة منهم فكرة النزعة الزنجية التى أصبحت فلسفة ومذهبا أدبيا يمجد اللون الأسود، وخاصة عند الأدباء الفرانكفونيين (الناطقين باللغة الفرنسية) مثل سنغور الشاعر والرئيس السنغالي الأسبق ، وايمى سيزار السيراليونى وشيخ أنتا ضيوف وغيرهم0

هذا التواجد الأفريقي بلندن هو الذى أوحى الي أديبنا الكبير الطيب صالح فكرة الصراع ما بين الشرق والغرب ، وقد استلهم شخصية بطل الرواية مصطفى سعيد من العديد من السودانيين الذين تلقوا تعليمهم بلندن ، وقد كتبت الحاجة كريزلدا مقالا بعنوان (Who is who in Tayeb Saleh`s Season of Immigration to the North ) وترجمته " الهويات الخفية في رواية موسم الهجرة للشمال للطيب صالح" وتذهب في هذا المقال الى أن مصطفى سعيد بطل الرواية شخصية مأخوذة من سيرة كل من عبد الله الطيب ، وسعد الدين فوزى ، والدكتور أحمد الطيب ، وجمال محمد أحمد رحمهم الله جميعا، وجميع هؤلاء يمثل مصطفى سعيد في جانب من جوانبه ، عبد الله الطيب أول من حاضر بجامعة لندن من السودانيين ، وسعد الدين فوزى أول من نال شهادة الدكتوراة في الاقتصاد من السودانيين ، أما الدكتور أحمد الطيب فقد تزوج من انجليزية ثم مات غرقا في النيل وهذه هى النهاية التى الت اليها حياة بطل موسم الهجرة الي الشمال0

ان الجوانب المشرقة في حياة هذه السيدة الفاضلة لا يمكن تعدادها في هذه العجالة، ولعل الله اذ حرمها نعمة الأمومة منحها حب الجميع، وكنا ونحن طلبة بفاس حين تحزبنا الامتحانات ونتغيب عن زيارتها في منزلها العامر (كان منزلهم فيلا جميلة في حي يسمي (زنقة أبى حنيفة) ثم بدل اسم الحي ب(زنقة الغابون) فغضب عبد الله الطيب عليه رحمة الله، وقال كيف يستبدلون اسم هذا الامام العظيم بالغابون؟) اقول كانت تتفقدنا في مقر سكننا بالمدينة الجامعية وتقول (أنا زي أمكم) بل كانت أكثر من ذلك0

هذه نفحة من عطر سيرة هذه المرأة العظيمة، حاولت قدر الامكان أن اتحدث عنها منفردة، لكنها وعبد الله الطيب كانا وجهين لعشق واحد ولا اشك في أن كل من يعرفها عن قرب سيكبر فيها هذا العشق للسودان0 ولأنها عاصرت فترة من أهم فترات السودان، وخبرت عن قرب حياة أهم الشخصيات التى صنعت تاريخ السودان الحديث، سواء من البريطانيين أو السودانيين، فانها تختزن في ذاكرتها كنزا من المعلومات القيمة لو قدر لها أن ترى النور لكان ذلك أفضل توثيق لتلك الفترة المهمة من تاريخ السودان الحديث، وفى أخر زيارة لى عقب عيد الفطر المبارك لهذا العام وعدتنى بأن نبدأ سويا مشروعا كهذا، سائلين الله أن يمتعها بالصحة والعافية،

ألا رحم الله فقيدنا الغالي وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا والله أسأل أن يمتع أمنا الحاجة كريزلدا بالصحة والعافية ، وأن يحقق لها أمنيتها في أداء فريضة الحج هذا العام وأن يجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا، وأن يوفقها في المعرض الخاص بالبرروفسير عبد الله الطيب والذي سيقام في دراها العامرة ببري(منتصف شهر ديسمبر 2005م) في ختام فعاليات الخرطوم عاصمة للثقافة العربية للعام 2005م وللقراء الكرام المعذرة على هذا التقصير، انما هي اشارات فقط أردت أن أوفي الحاجة كريزلدا بعض حقها الواجب/ والله أكمل الكاملين0


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved