تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

من قتل جون جارانج؟ بقلم محمد جمال عرفة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/8/2005 6:44 م

جون جارانج يرحل بعد صراع الحرب والسلام

رد الفعل الأول من جانب بعض الجنوبيين الذين يعيشون في الخرطوم على إعلان نبأ مصرع "جون جارانج" قائد متمردي جيش جنوب السودان السابق والنائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير حاليا، والذي تمثل في الخروج إلى الشوارع وتحطيم العديد من المحال التجارية وإشعال النار في السيارات، طرح تساؤلات عما إذا كان الجنوبيون يعتقدون أن الخرطوم وراء مقتل زعيمهم الذي عاد لتوه للعاصمة السودانية بعد حرب استمرت 20 عاما؟ وتساؤلات أخرى عن مصير السلام في السودان.

صحيح أن السودان مشهورة بكوارث الطيران التي قضى بسببها عشرات القادة العسكريين (غالبا نتيجة سوء الأحوال الجوية) نحبهم، أبرزهم نائب الرئيس السوداني آنذاك الفريق "الزبير محمد صالح" في فبراير 1998 الذي لقي مصرعه في حادث سقوط طائرة جنوب البلاد، وآخرها تحطم طائرة قرب مدينة "نيالا" غرب السودان يوم 26 يوليو الجاري قتل فيها 19 عسكريا سودانيا، بيد أن سقوط الطائرات التي تحمل مسئولين كبارا كانت غالبا ما يواكبها تساؤلات عن احتمالات تعرض من فيها للقتل عمدا بإسقاط الطائرات، خصوصا أن مناطق الطيران في جنوب السودان عموما مناطق خطرة تنتشر فيها العديد من الجماعات المسلحة المتنافرة.

ولهذا جاء مقتل "جون جارانج" ومعه ستة من كبار العسكريين الجنوبيين بعد أقل من 3 أسابيع من توليه منصبه الجديد كنائب أول للرئيس البشير عقب توقيع اتفاق سلام "نيفاشا" الذي وضع حدا لحرب استمرت 20 عاما ليثير العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات وليزداد الجدل حول مصرعه لعدة أسباب منها:

1- أن زيارة "جارانج" إلى أوغندا ولقاءه بالرئيس "موسيفيني" هناك جاءت بدون علم الحكومة السودانية، حيث قالت مصادر في الخرطوم إنه سافر إلى أوغندا دون ترتيب مسبق رغم أنه نائب الرئيس، ويبدو أن "جارانج" سافر أوغندا بصفته رئيس حكومة جنوب السودان رسميا ولا يحتاج في هذا لاستشارة الرئيس البشير أو نائبه الثاني علي عثمان طه بدليل أنه لم يركب طائرة سودانية رسمية وركب طائرة خاصة في الذهاب وطائرة الرئاسة الأوغندية في العودة، وهو ما أكده ضمنا "البشير" عندما أعلن أن "موسيفيني" أبلغه أن "جارانج" كان في زيارة خاصة إلى كمبالا، وأنه غادرها مساء السبت وفقد الاتصال به بعد ذلك وطلب منه البحث عنه.

سلفا كير النائب الأول المتوقع لرئيس الجمهورية السودانى

2- أن جارانج أصدر أمرا قبل زيارة أوغندا بإقالة حكومة الجنوب وكافة القادة العسكريين لحركة التمرد في الجنوب وأبقى على "سلفا كير" نائبه العسكري كنائب لرئيس حكومة الجنوب ينوب عنه، ما أثار تساؤلات عما إذا كان لمصرعه علاقة بخلافات الحركة الداخلية التي أصبحت معلنة بعد تردد معلومات عن أن "جارانج" اعتقل سلفا كير وسجنه منذ سنوات لأنه سعى للانقلاب عليه قبل أن يعفو عنه.

3- أن الإعلان عن وفاة "جارانج" اكتنفه الغموض حيث ظلت كل الأطراف في الجنوب تتنازع موته وحياته وتصدر بيانات متضاربة عن موته وأخرى عن وصوله بسلام، رغم أنه سافر من أوغندا ظهر السبت الماضي، إلى أن تحقق موته صباح الإثنين رسميا بعد أن أكد الجنرال الكيني "لازارو سومبيو" الذي كان وسيطا في مفاوضات السلام بين متمردي الجنوب والخرطوم لوكالة فرانس برس أن "الحركة الشعبية لتحرير السودان اتصلت بي لتؤكد أن الدكتور جارانج مات"، وأنه "مات مساء السبت".

4- أن المنطقة التي سقطت فيها الطائرة هي منطقة توتر حاد ونهب مسلح وعدم استقرار ووقعت فيها خلال الشهرين الماضيين أحداث عنف كثيرة وخصوصا في المنطقة الاستوائية، قام بها "جيش الرب" الأوغندي الذي يضم متمردين على حكومة الرئيس الأوغندي "موسيفيني" يدعون لإنشاء دولة دينية على أسس توراتية، كما أنها منطقة تشتهر بتقلب الطقس حاليا بسبب دخول موسم الخريف -لا الشتاء- الذي تسقط فيه الأمطار بغزارة في الجنوب لدرجة تعوق الطيران والحركة عموما.

من وراء مصرع جارانج؟

يمكن القول -بناء على آراء خبراء ودبلوماسيين سودانيين- إن هناك 4 سيناريوهات ينحصر فيها تفسير سقوط طائرة جارانج ومصرعه، وتتلخص فيما يلي:

(السيناريو الأول):

أن تكون طائرة جارانج قد سقطت بفعل الظروف الجوية السيئة كما سبق أن سقطت عشرات الطائرات في هذه المنطقة لأسباب مشابهة نتيجة سوء الأحوال الجوية، وهو ما أكدته قيادة حركة التمرد الجنوبية نفسها ولم تتهم أحدا، كما أكدت رئاسة الجمهورية السودانية أن الهليكوبتر التابعة للرئاسة الأوغندية التي كانت تقل "جارانج" عائدا من أوغندا اصطدمت بسلسلة جبال الأماتونج جنوب السودان نتيجة انعدام الرؤية؛ وهو ما أدى إلى مصرعه وستة من مرافقيه بالإضافة إلى سبعة من أفراد طاقم الطائرة الرئاسية الأوغندية.

ويزيد هذا السيناريو رواجا أن موسم الخريف الذي تسقط فيه الأمطار في الجنوب بدأ، كما أن طائرة "جارانج" حاولت بالفعل الهبوط -وفق مصادر سودانية رسمية- في طريق العودة قرب بلدة "نيوسايت" جنوب السودان ولم تتمكن من الهبوط فغادرت لتهبط في مكان آخر وانقطع الاتصال بها قبل أن يعرف نبأ ومكان سقوطها.

وقد أكد بيان رئاسي أوغندي أنه "بحلول الساعة 18.30 حلقت المروحية فوق منطقتي كارينجا وكابيدو قرب كيديبو، وحاولت المروحية الهبوط جنوب السودان في مكان يعرف باسم نيو كوش ولكنها ألغت الهبوط بسبب سوء الأحوال الجوية واتجهت صوب الجنوب الغربي".

(السيناريو الثاني):

أن تكون الحكومة السودانية -كما يقول معارضون جنوبيون- وراء قتل جارانج، وأنها سعت للتخلص منه سلما بعدما أصبح في متناول يدها عقب توقيع اتفاقية السلام كي تضمن عدم انفصال الجنوب بعد سنوات الحكم الانتقالي، وأن تكون أجهزة مخابرات سودانية وراء هذا سواء بشكل مباشر أم بالتعاون مع مجموعات جنوبية متمردة على جارانج ومتعاونة مع الحكومة.

ولكن هذا السيناريو يصطدم بأن الخرطوم وإن كانت لها مصلحة سابقة في قتله، فهي أحرص الأطرف على حياته حاليا لأنه أكثر الجنوبيين قدرة على توحيد الأطراف الجنوبية ويحظى بإجماع من جانب غالبية قادة حركة التمرد في الجنوب، فضلا عن أنه رجل سياسي يدرك أهمية السلام.

والأهم أن مقتل جارانج يمكن أن يهدد السلام الذي سعت له الحكومة السودانية كي تخفف به الضغوط الأمريكية والغربية عليها وتتفرغ لتنمية السودان بعدما كانت الحرب تستنزف أكثر من نصف ميزانية الحكومة وأرباح النفط، فضلا عن أن بديل جارانج المحتمل في هذه الحالة -نائبه سلفا كير- "أكثر تطرفا" وأكثر قناعة -من جارانج- بانفصال الجنوب عن الوحدة مع الشمال كما يقول "محمد آدم" الملحق الإعلامي بسفارة الخرطوم بالقاهرة. ومن غير المنطقي أن تضحي الخرطوم بشخص معتدل لإنجاز اتفاق السلام لإيصال آخر متطرف -ليس سياسيا بل عسكريا بحت- لمقعد النائب الأول لرئيس جمهورية السودان.

ومن ثم فإنه ليس في صالح الخرطوم أن تغامر بالتخلص من زعيم سياسي جنوبي قادر على جمع قادة التمرد الجنوبي وجمع الجنوبيين حوله كي تخلي الطريق لزعيم عسكري (سلفا كير) لا يحظى بإجماع قادة حركة التمرد الجنوبية وقد تتسبب قراراته في تفريقهم وشرذمتهم أكثر من قدرته على جمعهم وراء خطة السلام.

(السيناريو الثالث):

أن تكون الخلافات الشديدة داخل حركة التمرد في الجنوب -الحركة الشعبية لتحرير السودان- وراء قيام خصوم "جارانج" بقتله في سياق نزاع على السلطة والمكاسب المنتظرة بعد إبرام اتفاق سلام مع الحكومة السودانية، أو أن يكون وراء القتل فرق جنوبية أخرى متصارعة مع حركة "جارانج" ترفض الانخراط خلف زعامته، وتسعى لإثبات وجودها خاصة بعدما تجاهلتها اتفاقات السلام في الجنوب.

والمبررات لترجيح هذا السيناريو عديدة منها الصراع الشهير بين "جارانج" و"سلفا كير" نائبه، ووجود خلافات مستمرة داخل حركة التمرد انتهت بعضها نهايات مأسوية بتصفية "جارانج" لخصومه أو هروبهم من الحركة وأشهرها الانقسام الذي جرى داخل الحركة في التسعينيات (1997) بين جناحي جارانج من جهة، و"ريك مشار" و"لام آكول" من جهة أخرى.

يضاف إلى ذلك الخلافات العلنية بين مجموعة "دنكا بور" و"دنكا بحر الغزال"، بجانب اتهامات من القبائل الاستوائية الأخرى مثل الباريا واللاتوكا والزاندي وأشولي لـ"جارانج" بأنه خدعهم بهيمنته وهيمنة أبناء "الدينكا" على جميع المواقع القيادية في الحكومة الانتقالية المقبلة، علما أن هناك صراعات أزلية بين القبائل الجنوبية أبرزها بين قبيلة جارانج (الدينكا) وقبائل "الشلك" و"النوير".

السيناريو الرابع):

أن يكون "جيش الرب" الأوغندي الديني المتطرف وراء إسقاط طائرة جارانج، وهذا أحد السيناريوهات المطروحة بقوة لأن المنطقة التي سقطت بها الطائرة يسيطر عليها متمردو "جيش الرب للمقاومة" الأوغندي، وسبق لهذه الحركة أن تمكنت من قبل من إسقاط طائرات تابعة للجيش الأوغندي خلال صراعهما، فضلا عن أن زيارة جارانج لصديق عمره الرئيس الأوغندي موسيفيني هذه المرة كانت تنصب على بحث سبل حصار وطرد جيش الرب من المناطق الحدودية السودانية الجنوبية.

فقد أثار "جارانج" عداء "جيش الرب للمقاومة" حينما أعلن يوم 25 يوليو 2005 أن "من أولويات المرحلة وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية المقبلة إخراج قوات متمردي جيش الرب المسيحي الأوغندي من منطقة شرق الاستوائية جنوب السودان". وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها لأوغندا وأجرى خلالها مباحثات مع الرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" تهدف إلى البحث في القضاء على فلول وميليشيات جيش الرب التي تستولي على مناطق سودانية جنوبية وتهاجم من آن لآخر المواطنين الجنوبيين وتنطلق من هناك لمهاجمة أطراف أوغندية.

وكان قد أعلن بوضوح أن "جون جارانج" نائب الرئيس السوداني سيزور أوغندا بهدف "التنسيق بين الحركة الشعبية والحكومة الأوغندية من أجل القضاء على متمردي ما يسمى بقوات جيش الرب"، وأن الحركة الشعبية حددت خيارين لمتمردي جيش الرب، (الأول) مغادرة الأرضي السودانية دون قيد أو شروط، و(الثاني) توقيع اتفاق سلام عاجل مع الحكومة الأوغندية، وهي خطوة اعتبرت بمثابة صفقة عسكرية بين الصديقين وزميلي الدراسة السابقين الرئيس "موسيفيني" ونائب الرئيس السوداني "جون جارانج" لتحقيق هدفين أساسيين: أولهما الوصول لاتفاق سلام بين كمبالا والمتمردين في أسرع وقت ممكن، والثاني إيجاد إطار قانوني للتعاون العسكري والأمني بين "جون جارانج" رئيس حكومة الجنوب السوداني وصديقه الرئيس "موسيفيني" وذلك للقضاء على قوات المتمردين الأوغنديين بزعامة "جوزيف كوني".

وإذا ما تم الربط بين "الصفقة" بين موسيفيني وجارانج، وبين هجمات قوات جيش الرب الأوغندي العديدة على المواقع العسكرية والمدنية داخل الأراضي السودانية خصوصا بين ولايتي بحر الجبل وشرق الاستوائية، ونصب كمائن لناقلات تجارية بحثا عن الطعام والمواد التموينية التي نفدت منها، فسوف ندرك غضب حركة التمرد الأوغندية من هذه الصفقة واحتمالات الرد عليها، علما أنها بدأت مؤخرا تستهدف قادة حركة التمرد الجنوبية ومسئولين سودانيين، ومنها الهجوم على عربة المسئول السوداني عن مدينة "توريت" خلال شهر مارس الماضي بطريق توريت جوبا، كما هاجمت عربة جهاز الأمن والمخابرات الوطني التابعة لإدارة أمن ولاية شرق الاستوائية.

ويؤكد المتمردون الأوغنديون أنهم يريدون إقامة نظام ديني في كمبالا يرتكز على الوصايا العشر الواردة في التوراة، وقد بدأ التمرد زعيمتهم (أليش لوكونا) -التي نالت هذا الاسم ومعناه بلغة الأشولي (الراهبة) بعد هزيمة الجنرال "أوكيلو" وفراره من البلاد واستيلاء قوات الدفاع الأوغندية بقيادة يوري موسيفيني- حيث ادعت (أليش) أنها نبية تتلقى وحيا إلهيا يدعوها إلى تحرير أوغندا من الكفار وحكمها من قبل حكومة منقذة وفقا لتعاليم الوصايا العشر وذلك قبل أن يتولى القس "جوزيف كوني" قيادة جيش الرب.


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved