تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

في فقد قرنق .. الشماليون أولى بالاعتبار ! (1ـ2) بقلم محمد خير عوض الله

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/8/2005 6:19 ص

في فقد قرنق .. الشماليون أولى بالاعتبار ! (1ـ2)

محمد خير عوض الله
[email protected]

ضمن سلسلة النقص والفقدان ، جاء فقد الدكتور جون قرنق الزعيم الجنوبي و(النائب الأول لرئيس الجمهوريّة) فقد فقدت البلاد في هذا الباب أرتالاً من الشباب والرجال من مختلف المشارب وفي مختلف الحقب الوطنيّة ، ومن يقوم بحملة قوميّة لجمع عظام ورفات الذين حصدتهم الحرب ، سيجدها موزعةً في كل بقاع الجنوب طولاً وعرضاً ، وبالتأكيد فإننا لا نعرف كم أُمٍ ابيضّت عيناها من الحزن على ولدها ، ولا نعرف كم رجلٍ مات وهو يتلوّى وجرحه ينزف ، وكم أُسرةٍ بعثرت أشلاءها القذائف ، وكم أُسرة فقدت عزيزها دون أن تعلم من خبرِهِ شيئاً ، فلا هي عدّته في الأحياء ، ولا حسبته في الشهداء عن يقين ..! ولا أحد يستطيع أن يحصي فواجع الشعب السوداني الفقير الصابر طوال نصف القرن المنصرم وساسته يتبارون في معرفة الفنادق الفخيمة وامتهان السياسات العقيمة بكل كوارثها وعواقبها الوخيمة ولا ضير ..!! نفتقد الدكتور جون قرنق وهو يصحح صورته المغلوطة في أذهاننا عن تبنّيه لشعار السودان الجديد و قضايا المهمّشين ، فقد بدا لي ـ والله أعلم ـ صادقاً في زعامتِه ، مخلصاً لشعاراتِه ، ومنذ أن أعادته معادلة التسوية بعد المفاوضات المضنية ، لم تتسرّب إلينا لحظة شك واحدة في أقوالِه ، جاء وتصرفاته تخبرنا أنّ مُكوِّن رجُل الدولة فيه أكبر من مكوِّن رجُل الغابة ، رغم نجاحه في الأخيرة، وهو رجُل أشبه بالأسطورة ، استطاع أن يحوِّل حركة احتجاج صغيرة قيمتها في قطع السلاح التي تحملها ، إلى حركة عسكريّة وسياسيّة قويّة يحسب لها (الجميع) ألف حساب .. نسج لها شبكة علاقات دوليّة واسعة ، واستطاع أن يرتّب هياكلها وتوزيعاتها في ولايات ومدن وقرى الجنوب بصورة تشبه إدارة الدولة ، بل ويفتتح لها مكاتب في عواصم إقليميّة ودوليّة مؤثرة ، وهكذا .. لم يكن قرنق يقود حفنة من الاحتجاجيين ، إنما كان زعيماً بكل دلالات ومطلوبات الزعامة ، تظلّله الكاريزما ويقوده الذكاء وتحرّكه المعطيات ويحرّكها بسهولةٍ ويُسر حتى غدا مكان التقاء الأحزاب الشماليّة بكل تناقضاتها وسخافاتِها .. صحيح أنّ كل حزب كان يتقرّب إليه ليستخدمه في هواية الصراعات والمماحكات ، لكنّه كان يفطِن لذلك ، ولم يكن مطيّة لأيٍ مِنها ، حتى المؤتمر الوطني الذي حظي بمؤاخاتِهِ مؤخراً ، لم يكن ليستطع امتطاء قرنق ليتقوّى بِه في حلبة الصراع ، وحتى الخصومة الباردة التي يبديها السيّد الصادق لم يلتفت إليها قرنق ـ فيما نتابع ـ ولو للحظة .. فلم تكن أمراض أحزابنا تأخذ منه أو تدخل إليه ، فهو لم يستخدم المماحكة بل لم يسع حتى لتصحيح التشويه الإعلامي الذي كانت مكينتنا الإعلاميّة تنسجه كل يوم .. لم يسع لذلك ، ولكن الصورة من تلقاء نفسِها كانت تستدير في أذهاننا شيئاً فشيئا ، خاصةً بعد توافد الوفود إليه في نيفاشا ، ثمّ استدارت بسرعة أكبر في العشرين يوماً التي قضاها في مؤسسة الرئاسة .. حتى إنّ خطيب مسجد الدولة الرسمي الشيخ عبد الجليل الكاروري كان يستشهِد كثيراً بأفكارِه التي بادلهُم بها في زيارتِهم له في نيفاشا من هيئة علماء السودان ، وفي الجمعة قبل الماضية كان الشيخ الكاروري يدعوا ( اللهُم كما وفّقتهُم للسلام اللهُمّ وفِّقهُم للإسلام ) ولم تكُن هذه الجاذبيّة ـ في تقديري ـ لولا ما بدا من إخلاص و حنكة وقوة في شخصيّة الدكتور جون قرنق ، وللغرابة فإنّ الشماليين في حاجة ماسة لوجودِهِ ربما أكثر من الجنوبيين ، ليس لأنّه صمّام أمان وحدة الحركة وله القدرة على السيطرة على قياداتها المتناقضة وحسب ، وليس لاستثمار علاقاته الدوليّة التمويليّة والدبلوماسيّة وحسب ، لكن ـ مع ذلك ـ لحاجتِهم السياسيّة وتأثيره عليهِم ..!! وفي تقديري فإنّ دوره كان فعّالاً جداً في تقريب المسافة بين التجمُّع المُعارض وحكومة البشير ، وذلك يُقرأ من عدة اتجاهات ، فهو عضو أصيل في التجمُّع (وهو تجمُّع أحزاب شماليّة! ) وهو قوة سياسيّة وعسكريّة مؤثرة يصعب تجاوزها ، لكنّه أيضاً (عرّاهُم) لأنّه يعتمد الموضوعيّة في نهجه السياسي فتوصّل إلى اتفاق مع خصمِه الاستراتيجي (الحركة الإسلاميّة) والأحزاب الشماليّة لا تنتهج الموضوعيّة ، إنّما أداتها الأولى والأخيرة هي (المماحكة) فتباطأت منذ الكوّة التي فتحها الشريف الهندي وأبو القاسم حاج حمد ، والتراجعات التي اتخذها النّظام فقامت أحزاب قليلة الوزن ، لكن لم يكن من شيء يمنع وجود الأحزاب كبيرة الوزن غير أن تتنازل عن عقدة كبرياءها المجروح وتسجّل عند مسجّل الأحزاب .. وتمارس نشاطها من الداخل وتعمل على تعرية النظام وتدفع ثمن ذلك من مضايقات ، لكنّها لم تفعل ، ولم تستثمر المبادرة المصريّة الليبيّة ، بل أضاعتها في وضح النهار ، وهذا هو الفرق بين منهجها ومنهج قرنق !! وبهذا تتضح الرؤية لحاجتِهِم له وهُم يدخلون الخرطوم اليوم بفضل اتفاقه مع الحكومة !! .. ولو استرسلنا في استكشاف كميّة الفقد وحجمه ، لأمكننا الدخول عليه من أبوابٍ متفرّقة ، ولكنّني حزِنت أكثر لمهاتفة صديقي القيادي السابق بجماعة أنصار السنة في السبعينيات والثمانينيات ، اتصل قال يُهنِّئني بمصرع قرنق ، وحينما جادلته قال لي : ألا تفرح بهلاك طاغية ؟ لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يهنّئ أصحابه بهلاك طاغية .. قلت له لو وافقناك على مستندك هذا ، فإنّ الله أمر رسوله بالجنوح للسلم والتوكُل على الله وعدم التلجلج لأنّه ـ في ذات الآية : (وإن يريدوا أن يخدعوك فإنّ حسبك الله هو الذي أيّدك ) كل هذا يستوجب ـ مع مروءة الرجال ـ احترام شريك السلام .. قال لي : هذا نقاشٌ يطول وأنا ذاهبٌ لاستقبال أخي في المطار .. للأسف فِكرنا ـ من كُبارنا ـ مُفخّخ ، وللأسف أكثر ، فإنّ قرنق أطلق عشرات الأسرى ولم يكن في (مخازننا) ولا أسير!! (والباقي مفهوم) !! ندّعي الإسلام وتجانب تصرفاتنا كثيراً من تعاليمه .. أقول قولي هذا رغماً عن تعبيرات الاحتقان الغاشمة التي عبّر بها أغبياء أحرقوا ونهبوا وقتّلوا من الأبرياء بغير وجه حق ، سارعت الحركة الشعبيّة ـ وهي تبدو حركة مليئة بالمستنيرين ـ وعبّرت عن تبرُّئها ممّا صنع هؤلاء ، بل وتبرّأت منهُم لأنّهُم لا يشبهونها .. وقرنق نفسه ظلّ يكرر تأسُّفه لموت من جاءوا لاستقبالِه بالساحة الخضراء ، فهل يوافق على قتل الأبرياء مِن النّاس دون أي جريرة ؟ التفسير الوحيد هو ما قاله مراسل الجزيرة بالخرطوم (محمد فال) بأنّ هؤلاء الشباب امتعضوا من الذين يفتحون متاجرهُم في لحظات فقدان قرنق .. فهل الفعل الصواب قتلهُم ؟ وهل يستطيع أحد أن يفرض الحزن على أحد!!؟ وما يسيء أكثر في هذه المناسبة المحزنة ، سماجة لغة دكتور خليل إبراهيم زعيم حركة المساواة حينما استضافته فضائيّة الجزيرة عبر الهاتف في تغطيتها يوم الاثنين الماضية ، قال نطالب بوصول بعثة دوليّة ، وعلى الحكومة الرعناء أن تكف عن أفعالِها و.... الخ ، قال له المذيع إنّ الحركة الشعبيّة صاحبة القضيّة أكّدت على مصرع قائدها بتحطُّم الطائرة ولا دخل للحكومة في الأمر ، لكنّه ظلّ يتلجلج بهذه الترُّهات!! .. يا أيُّها العقليّات الحزبيّة : رجاءاً غيّروا لنا في نهجكم وسلوككم السياسي ، توافدوا على نهج جديد وقيادات جديدة ، سئمنا والله ، ليس من شيءٍ واحدٍ يفرِّقكم لكنّكم تصرون على التشرذُم ، هذه مناسبة لمراجعة الدفاتر ، نحتاج ـ مثل المراجع العام ـ للمراجع السياسيّ ، رجاؤنا أن تغيّروا مناهجكم وتتوحّدوا حتى لا يأتي قرنق جديد يشعل الحرب لعشرين عاماً ثمّ يكتشف بعدها السلام .. وشكراً للسيدة ربيكا بشخصيّتها القويّة ورباطة جأشها حينما دعت لتكاتف الشماليين والجنوبيين لتحقيق السلام الذي أنجزه قرنق ، وقالت : فقط مات قرنق لكن بقية القادة موجودين .. وعن رحيله قالت : ربنا حدد موته يوم 30 يوليو ولا نستطيع تغييره .. هذه امرأة جديرة بالاكتشاف . اللهم ألّف بين قلوب زعاماتنا ووحّد كلمتهُم وجنّب بلادنا كل مكروه .. آمين .

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved