السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

د. قرنق والمثل النوبي: (بقرة المنحوس تمشي على طرف القيف) بقلم عبد المجيد كنينه – كاتب نوبي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/7/2005 5:23 ص

د. قرنق والمثل النوبي: (بقرة المنحوس تمشي على طرف القيف)
بقلم : عبد المجيد كنينه – كاتب نوبي

أكاد أتصور الموقف الذي قيل فيه هذا المثل النوبي ( كوكن تيل أوبولن قوتيلوق تنجن)
(kokin teeli Opolin Gottaillog Tanchin). فذلك الفلاح المعوز المنحوس ذو الحظ العاثر الذي يملك بقرة تراها من فرط الهزال وكأنها تكبره سنا ومن كثرة ما استخدمت في الحرث وتدوير الساقية إضافة الي الولادات المتتالية وما صاحبها من ضعف بعد الولادة لضرورات توفير الحليب، ليس لمولودها فحسب بل للفلاح وأسرته وكذلك لجيرانه، إن جادت. ذلك الفلاح يضع فيها كل آماله ولا يملك ما يقدمه لبقرته من علف أخضر كان أو يابس فيتركها ترعى من حشاش الأرض متوكلا على الله التي لا تنام جفونه. في ظروف كهذه لا تجد تلك البقرة الا أن ترعى وتعين نفسها بنفسها ولا تملك إلا أن تسرع الخطى الي حيث يتوفر العشب حتى ولو على حافة (القيف). ولمن لا يعيشون على ضفاف نهر، كنهر النيل، أعرف القيف بأنه الجرف الهاو المرتفع ارتفاعات شاهقة تصل الي عشرات الأمتار على شواطيء النهر. وخلال بحثها عن قوتها طوال النهار تشاهد تلك البقرة تفرد رجليها لتتمكن من الثبات على حافة الهاوية وتمد رقبتها لأطول مسافة ممكنة لتطال العشب النابت والمتسلق على جدار ذلك (القيف) المخيف الذي اذا أطلت النظر من أعلاه الي قاعه تكاد تصاب بالدوار، فما بالك لو حاولت صيد ما علق بجداره من عشب وثمر.

في موقف كهذا لا تجرؤ أن تهش على البقرة لتبعدها عن الهاوية فربما تفاجئها الخلعة فتسقط في الهاوية كما لا تستطيع تركها في حالها لأنها لو تركتها واقعة لا محالة. ولكن لابد لك من أسلوب تبعد به الخطر عن تلك المسكينة التي ينتظرها آخرون كثيرون قبل عيالها. فقد يظهر في النهر تمساح يروح ضاربا بذيله المياه محدثا صوتا يلفت نظر البقرة المهددة بالسقوط فتتدارك نفسها وتبعد قليلا عن القيف حتى يتوارى التمساح لتعود ثانية لتمارس عادتها، أو يظهر ذئب أو ضبع جائع عطشى يعجز عن الوصول الي مورد في النهر يشرب منه فيموء ويلفت إنتباه بقرتنا المسكينة فتهرب بجلدها من الخطر. أما الحاوي الذي يلعب بالبيضة والحجر كما يقولون فقد يفلح في إنقاذ تلك البقرة ويبعدها وهي جائعة من خطر السقوط في الهاوية ويظل يراقصها وهي فرحة جذلة حتى ولو كان بطنها خاليا من أي قوت.
أتخيل أن هذه هي بالضبط الظروف التي ظهر فيها شهيدنا الدكتور جون قرنق. فقد كان السودان يعيش في ظروف افضل منها حال تلك البقرة وبرغم ذلك كان يتشبث في البقاء فيه من قدر لهم أن فتحوا عيونهم على أرضه باديء ذي بدء ويتطلع للوصول اليه من دول الجوار الكثيرون ممن آثروا الاستجارة من الرمضاء بالنار، أو من الذئاب والكلاب و الثعالب أو الجالة من فكروا وقدروا وفضلوه على غيره ، فدخلوه وطاب فيه مقامهم، وليس ذلك فحسب بل وسعتهم أرضه وسقاهم نيله وأنهاره وأسكرتهم حتى الثمالة في غفلة من أهله. وعندما نامت عنهم نواطيره فبشمت وأفنت العناقيد بدأت العواء والمواء والتكالب على ارزاق الآخرين ومثلت أنها الواهب الرازق.
جاء الدكتور قرنق بعد انتظار طويل صاح فيه البعض متى نصر الله ونفد خلاله صبر غيرهم فهاجروا وهاموا في أرض الله. جاء الدكتور قرنق وقد بددت أقواله وأفعاله كثيرا من المخاوف والأوصاف التي نشرتها عنه ووصمته بها الاعلام المغرض، فاستقبلته جموع الكادحين استقبال الأبطال الفاتحين. وكان ضمن الجموع من خاف منه حينا ثم كرهه أحيانا، فإذا ما تبين له معدن الرجل ومصداقيته مع الأيام أحبه وعلق عليه آماله. عادت الجموع المتعطشة الي العدل والحرية والعيش الكريم وساهرت ليلتها تلك يدغدغها الأمل بغد مشرق مستقر. وتوالت الليالي وكل يأمل وينام ويحلم ولا يريد أن يوقظه أحد من ذلك الحلم الجميل منتظرا ذلك الصبح الأجمل..
وذات صباح قريب غريب كئيب ينعق البوم نذير الشؤم بكلمات لا تكاد تفهم وعندما تفحصها الناس فإذا بها تنعى اليهم أملها وتؤكد أن الحاوي نفسه الذي أتى الي الأخذ بأيديهم سقط في (القيف) ممسكا البقرة من ذيلها وقضى تاركا الفلاح المنحوس يلعن حظه ويرفع يديه على رأسه يراجع شريط الأيام الأخيرة ويدعو ربه مع غيره بأن يكون كل ما كان حلما وكابوسا لا احد يريده أن يعود. وترك الباقين يرددون المثل النوبي الحكيم (كوكن تيل أوبولن قوتيلوق تنجن) (Kokin teeli Opolin Gottaillog Tanchin)

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved