تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

مدينة الخرطوم .. المكان القادم للحرب الاهلية علي الطريقة اللبنانية بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/30/2005 4:18 م

مدينة الخرطوم .. المكان القادم للحرب الاهلية علي الطريقة اللبنانية

بعد الاحداث المؤسفة التي وقعت يوم الاثنين الذي أعقب رحيل الدكتور جون قرنق طغي علي السطح الاجتماعي السوداني صوتا جديدا من النشاز حيث تحدث بعض رموز النظام بصوت عالي عن خطر تواجد ابناء الجنوب في العاصمة الخرطوم ، ورأي البعض أن يتم طردهم من العصمة وارجاعهم الي من حيث أتوا والا أعادت الفوضي كرتها من جديد ، وكأن الخرطوم أصبحت جنة للمستوطنين من أمثال ( العتباني ) و ( الطيب مصطفي ) ومصير غيرهم الطرد والتشريد ، ولا أدري من الذي أعطاهم حق هذه الملكية المطلقة للعاصمة القومية.. وهل تحكمهم في رقاب الناس عن طريق فوهة المدافع يعطيهم حق الترسيم الديموغرافي ، ولم يتبقي لهم الا أن يطلبوا من الصينيين أن يبنوا لهم ( جدارا عازلا ) يحرسهم من غيلة أهل الجنوب ، وتساْءل بعضنا ببراءة ذئب يوسف وقال : (( كيف يحدث ذلك ونحن الذين أستقبلنا في عاصمتنا أبناء الجنوب وسمحنا لهم ليعيشوا بيننا بسلام .. ولكنهم تحولوا الي ذئاب ماكرة ومعتدية وقايضوا الحسنة بالسيئة .. الحل أن يرحلوا ويتركوننا نعيش بسلام ..)) ، ووسط هذه المخاوف والتوجس لم يسأل أحد نفسه أين كان أهل الجنوب قبل عشرون عاما ؟؟ وما هي الظروف التي جعلتهم ينزحون الي العاصمة الخرطوم ؟؟ وماذا قدمنا لهم سوي علب الصفيح وجولات الخيش القديمة ليبنوا لهم في الارض الفضاء شيئا اسمه ( المنزل ) ؟؟ هل تم ادخال هولاء النازحين في المدارس والجامعات ؟؟ هل تم ادخالهم المعاهد الحرفية ليتعلموا سبل كسب العيش الشريفة حتي لا يتحولوا الي لصوص وقتلة ومغتصبين ؟؟ هل تم استيعابهم في المجتمع علي أساس أنهم مواطنين سودانيين أم تركوا في العراء كأنهم كيس قمامة ينتظر من يرمي به في محرقة الاوساخ ؟؟ ان الاهمال الاجتماعي هو الذي أدي الي كارثة يوم الاثنين المشهود ، وقد سبق ذلك رحيل قرنق بسنوات عديدة ، وهناك من يدعو الان الي تسليح أهل الشمال من أجل مجابهة أهل الجنوب اذا أعاد التاريخ نفسه ، وتجاوب العديدون مع هذه الدعوات حيث أنتشرت في هذه الايام ظاهرة الاقبال علي شراء السلاح ، وفي بورصة سوق ليبيا أرتفع سعر بندقية ( الكلاشينكوف ) من 750 ألف الي اثنين مليون جنيه ، وأرتفع سعر صندوق الذخيرة التي تسع ثلاثون طلقة من 50 ألف جنيه للعلبة الي مائة ألف جنيه ، الكل الان يستعد للحرب القادمة ومصدر هذا السلاح مخازن حزب المؤتمر الوطني السرية والتي أعدت منذ زمن بعيد تحسبا للطوارئ اذا حدث انقلاب علي سلطتهم ، سوف تكون المواجهات القادمة اشد دموية وبطشا من سابقتها عندما يهرع الجميع الي مخازن السلاح لتوفير السلام المفقود ، والتساؤل المطروح هل هذه هي الطريقة الوحيدة لحفظ الامن في العاصمة الخرطوم ؟؟ وفي الحرب يسهل اطلاق الرصاصة الاولي ولكن من الصعب التحكم في وتيرة الحرب اذا بدأت .
وللاجابة علي السؤال السابق نحتاج أن نغوص في محيط تجارب الدول الاخري لنري هل تحقق السلم الاجتماعي في لبنان بعد اندلاع الحرب الاهلية وتوفر قطع السلاح المختلفة في يد الجميع ؟؟ طبعا لم يتحقق ويئس الجميع من الحرب فلم يفلح الشيعة في استيئصال السنة ولم ينجح المسيحيون في القضاء علي المسلمين واستغلت اسرائيل الفوضي وغزت الجنوب اللبناني بكل هدوء ومدت اذرعتها علي البساط اللبناني تحت حجة حماية حدودها الشمالية ، والسوريون أيضا أعملوا سيوفهم في جسد الثور الجريح وتركوا أرض الجولان المحتلة ونشروا جيشهم في سهل البقاع ، بعد عشرين عاما من الحرب المدمرة أكتشف اللبنانيون حجم الخطأ الذي أرتكبوه وعقد مؤتمر الطائف في عام 91 وألتزمت كل الاطراف بصيغة التعايش السلمي وعدم العودة الي كرة الحرب من جديد ، أنتهت الحرب من غير هازم ومهزوم وخسر لبنان كل بنيته الاقتصادية والخدمية ومات العديد من الابرياء من جراء هذه الحرب المشئومة ، الحرب لم تحقق الامن لكافة الاطراف المتحاربة وقسمت بيروت الي قسم شرقي وغربي تحتاج الي تصريح مسبق من أجل الدخول اليه ، لعب الجميع علي وتر الطوائف العرقية والدينية ، الدروز مع كمال جنبلاط والموارنة مع نصر الله صفير وغالبية المسيحيين مع سمير جعجع وبشير الجميل وميشيل عون ، كانت الحرب تدور رحاها بين الطوائف المختلفة سنة ضد الشيعة وعرب ضد الموارنة والدروز ومسلمين ضد المسيحيين ولكن هذه الزيجات المتحاربة لم تستطع فرض رؤيتها علي أرض الواقع ولم تحقق النصر السريع الذي كانت تتوق اليه وتأمل جاهدة علي تحقيقه ، تضرر الجميع من الحرب وتشتت الشعب اللبناني في بلاد المهجر ودمرت مكاتب الدولة وأحرقت المصانع ودور العبادة وأغلقت الجامعات أبوابها في وجه الطلاب وسيطرت المليشيات علي المستشفيات وحولتها الي حصون حربية ، هذه هي حصيلة حرب الطوائف المتشحة بثوب العرق والدين ، وهذه هي النهاية المتوقعة لأهل الخرطوم اذا أنتصر تيار الرفض والاستئصال ومثيري الحروب والفتن ، تحولت الحرب في لبنان الي كابوس هز مضاجع كافة اللبنايين علي مختلف طوائفهم ، ولو علمت الاطراف التي غذت نار الحرب بالحطب بهذه النهاية الكارثية لرجعت مليون خطوة الي الوراء قبل أن تقدم علي اطلاق الرصاصة الاولي ، ولبنان الان تعتبر نموذجا للتعايش السلمي للطوائف في العالم ، و لا يهم أن يكون رئيس الجمهورية مسلما أو مسيحيا طالما أن هناك دستورا يراعي حقوق الجميع وأن هناك دولة وقانون ونظام انتخابي عادل ومقبول من كافة اللبنانيين.
وعندما تم اغتيال الحريري راهن البعض علي عودة حصان الحرب الاهلية من جديد ولكن الثقافة الديمقراطية علي مدي خمسة عشر عاما منحت الشعب اللبناني مصلا واقيا ضد هذا الداء ، يملك أتباع الحريري المال والنفوذ والسند الدولي ولكن مرارات الحروب القديمة جعلتهم يفكرون ألف مرة قبل اللجوء الي خيار الحرب ، رضي أنصار الحريري بالخيار الديمقراطي وأنسحب من السلطة كل من وجهت له أصابع الاتهام بقتل الحريري ، ان الديمقراطية هي التي جعلت لبنان لا يعود الي مستنقع الحرب علي الرغم من توفر أسبابها ، فالحريري كان رجلا مهما في الساحة المحلية والدولية ورحيله عن طريق الاغتيال كان من الممكن أن يولد روح العداوة بين طوائف لبنان المختلفة ، طالب وليد جنبلاط ممثل الدروز بضرورة محاكمة قتلة الحريري وندد الشيخ حسن نصر الله بالحادث وأعتبره جريمة قصد بها الايقاع بين اللبنانيين ، فأعداء الحريري في البرلمان كانوا أول من وقف معه في الممات ولم يتحدث أحد عن دور غير معلن كان يلعبه الحريري في الخفاء علي الرغم من تأييد الراحل للقرار الاممي رقم 1559 المنادي بانسحاب القوات السورية من لبنان .
حصاد الحرب الاهلية اللبنانية :
نسبة المتعلمين في لبنان تصل الي 87% من مجموع عدد السكان والذين يصل تعدادهم الي سبعة مليون ، ومنذ عام 1932 لم يتم عمل احصاء رسمي في لبنان خشية من أن تتحول هذه القراءات الاحصائية الي مؤشرات ترجح سيطرة طائفة واحدة علي الطوائف الاخري ولكن المتفق عليه ان المسيحية والاسلام تتقاسمان لبنان بالمناصفة ، وقد بدأت الحرب الاهلية باسم الطوائف في عام 1975 وأستمرت ستة عشر عاما وحظ اللبنانيين من الثقافة لم يمنع البلاد من الانزلاق في جرف الفوضي ، وتقول احصائيات الحرب أن 7 % من مجموع السكان قد قتل وفقد عشرون ألفا وهاجر مليون لبناني الي الخارج ، وذلك غير الجرحي والدمار الذي لحق بالمساكن والدور الحكومية ، ولكن اللبنانيون سئموا من الحرب والشتات وحياة المخيمات وحققوا بالسلام الاجتماعي الكثير من الانجازات ما فشلوا في تحقيقه عن طريق حرب الطوائف ، والان رئيس الجمهورية ماروني مسيحي ورئيس الوزراء مسلم سني ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي وبقية المناصب في الدولة مقسمة علي هذا الاساس ، أختفت المليشيات وقادتها وزعماء التهييج المذهبي ، وبعد هذا الدرس اللبناني هل يكف أهل الحكم في السودان عن ممارسة سياسة الاستئصال ويقرون نظاما في الحكم يعترف بحقوق الجميع ، أن تسليح أهل الشمال في الخرطوم سوف يقابله تسليح مماثل لأهل الجنوب وأن سياسة العنف سوف تولد العنف ، واذا أندلعت حرب المدن فلن تقتصر الخسارة علي فئة دون الاخري ، فلا أحد يستفيد من عودة شبح العاصمة بيروت أيام الحرب الاهلية الي مدينة الخرطوم ، فالجميع خاسرون في هذه الحرب ، ونحن جربنا الحرب في الجنوب وعرفنا مآلاتها السيئة ونحن بعيدون عن أرض المعركة فكيف ندعو لها من جديد ونوقد لها النار في وسط الخرطوم ؟؟ وعلي هولاء الذين يسلحون الاهالي البسطاء ويقنعونهم بهذا الدور الجديد أن يكفوا عن ذلك ، فالبديل سوف يكون الدماء والقتل والفوضي وغياب القانون ودمار المنشأت المدنية وخراب البنية الخدمية وعندها لن نجد هولاء الذين جرونا الي هذا المستنقع لنسألهم لماذا فعلوا ذلك لانهم يملكون الاموال الي تمكنهم من الهرب الي ماليزيا والسويد وكندا .. ولن يكتوي بنار هذه الحرب سوي البسطاء من الناس ، مثل هذه الحروب لن تنتهي بمنتصر ومهزوم لأنها حروب عرقية موجهة ضد الاثنيات ، وحتي هذه الفضائيات التي تنقل هياج الناس وانفعالاتهم ساعة الحدث سوف تفر من السودان عندما تحس بالخطر ، ولنا في الدرس الصومالي عظة وعبر .فلا يهم الان ان مات في مقديشو شخص أو مائة لأن الاعلام قد أستنفذ كل مادته .
سارة عيسي
[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved