تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ملف البترول : البحث عن وظيفة في شركة ( بتروناس ) بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/28/2005 8:06 م

ملف البترول : البحث عن وظيفة في شركة ( بتروناس )

قبل أربعة أشهر من الان ذهب وفد من شئون الافراد في شركتي بتروناس وبترودار الي دولة قطر ، وبعد الاقامة المريحة في فنادق الدرجة الاولي ولقاء الاحباب والاهل في هذا البلد تم نشر اعلان في السفارة السودانية في الدوحة تطلب فيه الشركتان مهندسين متخصصين في مجال النفط للعمل في السودان ، الرواتب مغرية والدوام مريح والعلاج المجاني للموظف وأفراد العائلة ، كانت هذه الوظائف اشبه بالحلم بالنسبة للسودانيين الذين أكتووا بنيران الاغتراب ، فعزم الكثير منهم علي مفارقة بلاد الغربة وتلبية نداء الوطن ونقل خبراتهم الثرة الي السودان ، وأقدم بعضهم علي تسفير زوجاتهم وتقديم استقالاتهم من الشركات القطرية التي كانوا يعملون فيها ، طلب منهم في السفارة السودانية في الدوحة توقيع صورتين من العقد وكتابة الوقت المناسب للالتحاق بالعمل ، قرر كل المتقدمين الالتحاق بالعمل مباشرة وهاتفوا ذويهم بالخرطوم واخبروهم بموعد اللقيا المرتقبة ، كانت النهاية سعيدة وقد طافت الاحلام الوردية في مخيلة في قلب كل من أرتحل عن أرض الوطن في رحلة البحث عن لقمة العيش الكريمة وأتته فرصة العودة في طبق من ذهب ، وكان من الممكن أن تدغدغ هذه الصورة الوردية أدمغة المتقدمين لهذه الوظائف لولا المفاجأت السارة التي وجدوها في مكتب الشركتين في الخرطوم ، لم يجدوا هناك الاشخاص الذين وقعوا معهم هذه العقود وتم معاملتهم بجفاء وقسوة وطلب منهم الانتظار في الخارج تحت أشعة الشمس المحرقة حتي يأتي الموظف المسؤول عن قسم الموارد البشرية .
طال الانتظار وتسلي أغلبهم بقراءة الجرائد وشرب الشاي تحت اشجار ( اللبخ ) الظليلة ، وساورهم القلق وبدأ بعضهم يشعر بالاعياء من طول الانتظار ، تقدم أحدهم الي كشك الحراسة الامنية وسأل الحارس المتجهم الوجه : متي يأتي هذا المدير ؟؟ فأجابه الحارس بصرامة : عندما يأتي سوف نعطيكم خبر ، وبعد ثلاثة ساعات من الانتظار الممل وصل مدير الشئون البشرية وهو محمول علي أحدي سيارات الدفع الرباعي المظللة ونزل بهدوء وترك السيارة للسائق حتي يتدبر أمر الركن وادخالها في المكان المخصص لها ، سأل المدير الحارس الامني عن مغزي التجمع البشري الموجود في الخارج وقد لاحظ علي الحشود سمات الاناقة وحسن المظهر فأعلمه الحارس بالقصة فأوما برأسه وولج الي الداخل و جلس علي أريكة مكتبه وهو يمد رجليه وهو يغالب النعاس وطلب من النادل احضار قهوته المعتادة ، ولم تمضي الا لحظات حتي أمسك بسماعة الهاتف في مكالمة طويلة مع طرف مجهول لا تسمع منها الا كلمتي ( حاضر ) و ( كلوا تمام ) وأحيانا يهتز من الضحك وهو يحرك الكرسي يسرة ويمني ، سألته السكرتيرة ماذا تفعل مع هولاء الشباب الجالسين في الخارج ؟؟ فرد عليها هل عندهم ميعاد ؟؟ قالت له لا ؟؟ فرد عليها بكل تأنيب : أطلبي منهم أن يحددوا ميعاد المقابلة قبل أن يأتوا الي هنا !! وواصل المكالمة الطويلة و خرج بعدها وهو يتأبط صحيفته اليومية وطلب من السائق تسخين محرك السيارة حتي يبدأ المكيف في بث البرودة وغادر المكتب بهدوء وطلب من السكرتيرة أن ترد علي مكالماته بعبارة واحدة وهي ( عندو اجتماع مع الماليزيين ) ، خرجت السيارة من القصر المهيب وسط ذهول الحاضرين ، وبعد دقائق جاء اليهم الحارس وأخطرهم بأن عليهم التبكير في المجئ ليوم غد ، أرتحل الجميع وهم يودعون بعضهم البعض بعد رحلة تعارف قصيرة وحاولوا أن يقللوا من حجم القلق بحجة أن النظام الاداري في السودان اشتهر بالبطوء والبيروقراطية الشديدة .
اشرقت شمس صبح يوم الغد الموعود وعاد الجميع الي التحلق بالقرب من بوابة شركة ( بتروناس ) ، وبصبر فائق تحملوا عودة المدير الهمام الي مكتبه ومكالمته الطويلة مع الشخص المهم في الطرف الاخر ، وأنقذه من هذه الجلبة صوت السكرتيرة وهي تذكره بموعد المتقدمين فأمرها أن تطلب منهم تعبئة نماذج التوظيف ، أستغرب المتقدمين من هذا الاجراء الجديد وأخبروا السكرتيرة أنهم قد تجاوزوا هذه الخطوة وانهم يريدون أن يعرفوا مواقع عملهم ( work station) بحكم أن هناك هناك عقود موقعة بحوزتهم ولكن السكرتيرة قطعت عليهم هذا الاسترسال وأخبرتهم بهدوء : أن التعليمات تقول ذلك ، انصاع البعض لهذا الاجراء من أول وهلة والبعض الاخر أمتعض ولكنه عاد وبدأ في تعبئة النموذج بالبيانات المطلوبة ، والجديد في هذا النموذج هو ذكر مكان الميلاد واسم الأم ولون البشرة والشعر والقبيلة التي ينحدر منها المتقدم ، ولم تتم الاشارة الي الخبرات السابقة أو الكفاءات العلمية ، وبعد تعبئة النموذج طلبت منهم السكرتيرة مراجعة المكتب بعد اسبوعين ، وبعد مرور الاسبوعين وجدوا مذكرة معلقة في الخارج تتطلب منهم مقابلة الشريك الماليزي ، وعند المقابلة أتضح أنها امراة في مقتبل الشباب وتتكلم اللغة الانجليزية بصورة ركيكة وطلبت منهم أيضا تعبئة نموذج آخر ومراجعة مقر الشركة بعد شهر كامل ، شعر الجميع بالاحباط وبأنهم شربوا مقلب من النوع الثقيل فقام البعض منهم بالاتصال علي الاشخاص الذين زاروهم في الدوحة وإغروهم بالعودة الي السودان ولكن لا أحد منهم يرد علي الهاتف الجوال .
قرر بعض المتقدمين عدم المجازفة والاستمرار في هذه اللعبة ففضل العودة الي قطر واجراء مفاوضات قاسية مع الكفيل القديم من أجل العودة الي العمل السابق ، وهولاء يساعدهم في ذلك أنهم لم يحرقوا كل المراكب وأبقوا شعرة معاوية حية مع أصحاب العمل السابقين ، والبعض الاخر أحرق كل الاوراق وعاد الي الخرطوم بتأشيرة خروج نهائي وعلي هولاء التحلي بالصبر وضبط النفس ومجاراة ( الكذاب ) بالمسير حتي يصل الي داره ، عاد هولاء التعساء لمقرات الشركة للمرة الثالثة فتم اخطارهم بأنه لم يتم اختيارهم للوظائف المطلوبة وأن جهاز الامن السوداني قد تحفظ علي طلباتهم ، وقد وعدتهم الشركة بحق الافضلية لشغل وظائف جديدة عند توفرها وطلبت منهم ترك هواتفهم وعناوين منازلهم ، وأنتهت الكذبة بكارثة وعاد هولاء ( بخفي حنين ) اذا صح التعبير وتبخرت أحلامهم الكبيرة وفقدوا كل ما لديهم من أجل السراب .
لو كانت في السودان عدالة أو مؤسسات للمجتمع المدني لما أنتهي هولاء الي هذه النهاية السيئة ولتمكنا من مقاضاة هذه الشركة التي تعامل السودانيين بنفس الطريقة الي تعامل بها شركة ( هالبيرتون ) أهل العراق وهي تسرق نفطهم ، ولأمكننا أيضا محاسبة هولاء الذين يتسكعون بين سفارات السودان في الخارج ويمارسون النصب والاحتيال مستغلين الظروف الانسانية السيئة التي يمر بها أبناء السودان في المهجر ، فقبل ذلك تمكن بعض هولاء السعاة من جمع مبالغ ضخمة مصدرها المغتربين في العربية السعودية وحولوها لمصلحة مشروع اسمه ( سندس الزراعي ) ، وطوال خمسة عشر عاما من هذه الكذبة المهولة لم يجد هولاء المغتربين سوي التسويف وتقليب المواعيد علي جمر الصبر باستمرار ولم يجنوا شيئا من الارباح ولم يستعيدوا أصول أموالهم وهم الان في أشد الحاجة الي هذه المبالغ من أجل اعالة انفسهم وتعليم ابنائهم ، فاذا ترك هولاء السودان بما فيه من خيرات و ( ألطاف الاهية ) فمن باب أولي أن يتركوا بهدوء ويكفيهم من الشر الابتعاد عن أرض الوطن ، فهم ليسوا في حاجة الي تحمل مقالب جديدة تعكر عليهم صفو حياتهم وتزيد من الضغوط النفسية المفروضة عليهم .

سارة عيسي

[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved