تطرق الكثير من الساسة والعاملين في الإعلام إلي أحداث الاثنين وقالوا أن الجموع الذين خرجوا لا يمثلون فئة معينة ولا حزب معين بل وصل إلى اشد العبارات إساءة ووصفوهم بالمعتوهين ولا أظنهم يلجاؤا إلى لنفس الأساليب إن سئلوا عن الشماليين الذين نظموا للانتقام في الأيام التي تلت الاثنين وان فعلوا فلا استغرب ذلك, ولكن السؤال الأهم هو بلسان من يتكلم هولاء ؟ ألم يدركوا أن الذين خرجوا في اليوم الأول في كبري مدن الجنوب و الخرطوم يمثلون الجنوب وحركته وزعيمه الذي اغتيل كما أن منتقمين الأيام التي تلتها يمثلون الشمال وان لم يرضوا بقتل الدكتور .

إن القضية السودانية لن يحلها التهرب من مواجهتا بل الوقوف عندها بصراحة وطرحها دون مجاملة إما الإقرار بها والتنازل عن المعتقدات السخيفة والعادات المدمرة و إما أن يلجاء كل منهما لإقامة دولته بعيد عن التناحر الذي لا يخدم كلا الطرفين إن مشكلة الشمال والجنوب مشكلة معقدة اشد التعقيد فهي ثقافيا وسياسية وعرقية ودينية ولا حل لها إلا بالتعايش السلمي ولا تعايش سلمي دون الانصهار والتزاوج دون شروط فهل يرضي الأشراف أهل البيت وأحفاد الرسول وعلي بن أبى طالب في الشمال والغرب أن يتزوج بناتهم بكفار وعبيد فانه لا اتفاقيات سلام تستطيع أن تأتى بالتعايش دون ادني صلة تربط الطرفين ,وهنا اسأل هل ورد نص يطرح مشكلة التزاوج والمساواة في أحكامها لكلا الإطراف في اتفاقية السلام؟ لا أظن ذلك لان لو ورد هذه القضايا في الاتفاقية لما كان هناك حاجة للاستفتاح أو حق تقرير المصير , وميري التي اجري معها اللقاء عقب أحداث الاثنين خير مثال لذلك التمازج بين الجنوبيين والتي تجلت في إلمامها بثلاثة لهجات (دينكا ,شلك ,نوير) كما نجد هذا المثال بين القبائل الإفريقية في الغرب والشرق فالتزاوج قضية سلام وتعايش بين كل قبائل السودان وحتى يكون ذلك لن يخلو السودان من الصراعات والحروب فلا التنمية ولا الحكم لا الثروة تجدي شيئا ما لم يكن هناك قانون يضمن حق التصاهر والتزاوج دون النظر إلى الخلفية الدينية والعرقية والثقافية والنجوم اقرب من أن يقر الشماليين بذلك كيف لا وهم قريش أهل مكة وان اقروا بذلك فتنفيذ ذلك لن يكون إلا مستحيلا, وإذا كان هذا هو الوحدة ألن يكون الانفصال خيارا جذابا للشماليين؟

هل هناك وطني يستطيع أن يهب ابنه لعبد كافر أغلف وهل يوجد هناك مثال لمثل هذه الزيجات في السودان؟؟

كيف لا يقتتل الشماليين والجنوبيين طالما لا يوجد روابط اجتماعية بينهم و ما هي مظاهر هذا القتال ألم تتجلى في الحركة الشعبية و حكومة الخرطوم وكل الأحزاب الشمالية التي حكمت البلاد منذ الاستقلال ألم يظهر هذا الحرب في تمرد توريت و الإحداث التي وقعت بد مقتل الدكتور , وان كان الذين خرجوا وتعاركوا مع بعضهم البعض معتوهين ولا يمثلون أي جهة فأين السودانيين الذين وقع من أجلهم الاتفاقية,أليس هم الغلابة الغبش المغلوبين علي حالهم أليس هم الذين يدفعون فواتير اقذر السياسيات التي تمارسها الحكومة في الشوارع العامة , وماذا يدفعونه غير دماءهم و أرواحهم وممتلكاتهم .

إن كان في السودان من يأكله الغيرة من اجل أهلها فليناقش القضايا الهامة والأكثر تعقيدا دون خجلا لا نه ليس علي المريض حرج وان كان المرض في عورته,وان كنا جديا في حل هذه القضايا فسنحفظ بذلك وحدة الشعب السوداني لا الأراضي السودانية فوحدة الشعب هي القضية لا الأرض كما انه لا ارض بلا شعب , وان كان الحكومة في الشمال تريد وحدة الأرض فلتقم بإبادة قبائل الجنوب من العالم كله ويجب ألا تضيع وقتها في عهود لن تجدي نفعا أو لتتركهم وشانهم فيحكمون بعضهم بما يرتضون فالله لم يقيم الشمال وصيا علي الجنوب .

كلي أمل أن أرى للسودان ابنا بارا بقامة الدكتور جون قرنق ابنا يحلق فوق الصعاب ويتحدى الجهوية والظلم بسلاح العدل وكلمة الحق واختم هذا المقال بقول المسيح: إن عرفتم الحق فبالحقيقة تكونون أحرارا .

ومعرفة الحق يعني الاعتراف والتعاطي به,وان لم أجد في السودان العزاء فما الداعي للتطوع او المجازفة بأخر كرت يضمن لي الحياة بكرامة وحرية في دولة غنية ,وان لم يتحول السودان إلى السودان الجديد فسيكون الجنوب هو السودان.

والاختيار لأهل الشمال