السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

دور المثقفين في مشروع النهضة بقلم محمد يوسف (أبو مصعب)

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/1/2005 11:03 م



محمد يوسف (أبو مصعب)
دور المثقفين في مشروع النهضة
بعد أن طوينا نصف قرن من الحرب الأهلية وتنكبنا الفشل في حقبنا السياسية لتحقيق تنمية حقيقية ثم تداعينا إلى سلام صغناه مؤخرا في اتفاقية، يجب علينا الآن استنهاض العملاق الراقد وبناء الوطن الكبير وعدم التفريط فى مكتسباته وها نحن نقدم مهرا للسلام الدكتور جون قرنق النائب الأول لرئيس الجمهورية وقد سبقه فى هذا الطريق الفريق الزبير وثلة من الوزراء والمسؤولين. واجبنا كمثقفين أن نستنهض الهمم ونشمر السواعد و نقول يا خيل الله اركبي.. و يا وطن العز أبشر سلمت من كل معتد، وأن نجمع قلوب أهل السودان على حب الأوطان و نبذ الفرقة و التشرزم و الخذلان. فالحرب المتطاولة والاقتصاد المتدهور والأحزاب المتشاكسة أفرزت واقعا هشا وسالبا لإرادة المجتمع ومغيبا لنبضه الحي من المفكرين والمثقفين. إن ما يميز الانسان عن غيره من خلق الله هو الوعي والإرادة، فالإنسان، وهو يمارس خصائصه الطبيعية، يجب أن يكون قادرا على فحص الذات ونقدها، وقادرا على فحص ومراجعة انتماءاته الموروثة، وقادرا على التمرد على القوالب النمطية وتجاوزها عبر حوار يساعد على تشكيل انتماءات جديدة تمكنه من العيش في الواقع المتجدد ومع الناس من حوله حينما تكون هذه الانتماءات الجديدة قادرة على خلق افق أرحب للتطور الاجتماعي السلمي دون أن يدير ظهره لانتماءاته ولكنه يحتفظ ببعد نقدي يمكنه من مراجعتها ونقدها بشجاعة تمكنه من النظر في موروثات الآخرين والتحرك في الفضاء الإنساني الواسع للبحث عن الخير المشترك بين الناس والحكمة المودعة هنا وهناك. ولن يستطيع الشباب من تغيير واقع بلادنا المرير إلى واقع نضير إلا بإعادة تحديد هويته ورسم صورته، ورفض القوالب الجاهزة التي أعدها له المجتمع، والأدوار المرسومة التي يحشره فيها الزعماء السياسيون حشرا أوالقيد الذي تلقيه عليه الوظيفة فتغل يده وتسد فمه عن الإسهام فيما يفيد المجتمع خشية الإقصاء أو التهميش. وهذا ما يولد ظاهرة من المثقفين والمفكرين المتسلقين الذين يجارون الزعيم فيما يقول خوف بطشه ولا يصدقون الناس فيما يفعلون.. فهؤلاء هم أكثر وبالا على المجتمع. وبتساءل كم هي عدد القضايا الوطنية التي استطاع فيها المفكرون والمثقفون من خلق إجماع عام حولها وسط المجتمع مخالفين بذلك رأى زعمائهم؟ هى مرات شحيحة جدا مقارنة بحجم التحديات. وبسؤال أكثر وضوحا نقول ما هى أوليات المجتمع التي يجب أن نلتف حولها فى واقعنا المعاصر..أهو السلام الذى أسكت الحرب وأوقف الدمار أم هو التدافع حول حصص الاستوزار؟ أهو دستور فصل الحقوق والواجبات، وان اعترته ثغرات، أم حمى الحديث عن الثنائيات التى لم تكن بدعا فى تاريخ حكمنا الوطنى القريب والفات؟ وبجرد بسيط نجد أن بعضا من أحزابنا ظلت فى انتهازية بائنة تعمل على قلب طاولة المصالح القومية بحجة أنها لم تكن طرفا فى السلام فأصبحت تشكك فى جدواه وتثير الغبار حوله بالحديث حول وجود مدافعة بين طرفي الائتلاف الجدد وهى حالة ليست يتيمة فى سوابق الحكم! والتدافع ظل سمة حكمنا الديمقراطى بين أحزابه المؤتلفة بل وبين أقطاب الحزب الواحد منذ حكومة الراحل محمد أحمد المحجوب والتنافس بينه وبين الصادق المهدى الى الديمقراطية الثالثة والخلاف حول ترشيح أحمد السيد حمد لرئاسة رأس الدولة وغير ذلك من السياسات التي دفعت الدكتور أبو حريرة الى تقديم استقالته وجعلت الشريف زين العابدين الهندى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية حينها يزهد فى الوزارة ويعتكف لستة أشهر خارج العاصمة. وممارسات ومصالحات كثيرة تمت ثنائية خارج اطار الجماعية منذ لقاء بورتسودان الشهير فى عهد النميرى مرورا بكوكادام وجنيف وجيبوتى مما أفرز انشاقاقات وانشطارات فى الأحزاب بصورة تهدد وحدة ومصالح الوطن ولكنها كانت حتمية بسبب ضيق قميص الديمقراطية وسيادة "الاشارة" "والفوقية" وعدم وضوح المصلحة الوطنية فى ممارسات هذه الأحزاب فأصبح قميصها يتمزق ويهترى. أى منفعة جناها الوطن من تمزق وتناحر طرفى الحركة الاسلامية غير شظايا زجاج وتطاير شرر كاد أن يحرق من حوله من المجتمع ويهدد أمنه وما زالت نار هذا الصراع تمسك برداء أهل دارفور والريح تنفخ فيها تجاه كردفان؟ أى منفعة للوطن من هذا الذى يجعل أبناءه وقودا للنار؟!! أى مصلحة يجنيها أهل دارفور من العلمانية التى يتمترس بها بعض حملة السلاح من أبنائها فى مفاوضاتهم؟ أى خير عاد به متمردوا الشرق على أهلهم ووطنهم وهم يخربون أنابيب النفط ويحرقون الأسواق ويهاجمون قلعة القرآن فى هموشكريب؟! أى وطنية تلك التى تقود الزعماء وأتباعهم لتأليب الأشرار على بلادهم من متهورى السياسة الدوليين أو من أتباع الكنائس المتعصبين أو من المتشددين من اليمين أو تجار السلاح من الغربيين فيحيلوا مصنع الشفاء الى خراب وهم يصفقون لهم طربا وتشجيعا أو ليستعينوا ببعض دول الجوار ليستبيحوا جزءا من أرض الوطن الغالى فى اشباع لرغبات النفس فى مغالبة خصومهم فى الحكم ثم يتحدثون عن خطر التواجد الأجنبى بالبلاد وهم الذين حرضوا كل أركان الدنيا للتدخل واقتلاع أهل الحكم لهم!! هل تنقل زعماء أحزابنا بين أجزاء الوطن فى قطار أو (لوارى سفرية) ليقطعوا الفيافى فى رحلة أيام وليالى حتى يدركوا أن هذا الوطن أكبر مما يتصورون وأنه يمكن أن يستوعب الجميع؟ مشكلة السياسيين أنهم يمترسون بالمدن المعبدة الطرق والمكيفة الهواء والمضاءة الفضاء وما عرفوا الأطراف والبوادى الا فى مواسم الانتخابات لخداع البسطاء بوعود بالنعيم والهناء. وحتى فى هذه الزيارات القصيرة تفرش لهم الطرقات وتنحر لهم الأنعام ويستضافون فى فخم المنازل حيث السرر المرفوعة والأكواب الموضوعة والنمارق المصفوفة والزرابى المبثوثة والماء المثلج والفاكهة الكثيرة التى يؤتى بها اليهم من المدائن. فلا هم جالسوا البسطاء ولا افترشوا معهم السرى ولا أكلموا معهم الدخن واللوبيا..وفوق ذلك استغلوا بعض المثقفين الذين من واجبهم تذكير الزعماء بمعاناة أهل هذه البوادى لا قيادة الهتافات التى تمجد الزعماء وتحصد أصوات الناخبين لصالح مرشح الحزب الذى سرعان ما تبتلعه المدائن الكبيرة لتستمر المعاناة لعقود فى دارفور وفى الشرق وفى قرى الجزيرة البائسة وأماكن أخرى كثيرة من الوطن، وحينما تعزف الموسيقى العسكرية لا يجد هؤلاء باكيا عليهم الا صاحب وزارة أو منتفع من كوتات تجارة. هذه الممارسات السياسية ما كان يمكن نسيانها لو لا تغييب المفكرين والمثقفين الذين من واجبهم تذكير المجتمع بمثل هذه التصرفات الانتهازية والصراعات الشخصية التي أطاحت بالوزارة عدة مرات وجعلت الوطن فى حالة من عدم الاستقرار والثبات!!!

إن جل الفشل الذي أصاب التنظيمات السياسية يعود إلى عجز المثقفين في تحديد هوياتهم وقبولهم بالطواقى الجاهزة التي ألبسها لهم رجال السياسة، أو اختفائهم وراء الوظيفة في بيروقراطية كالحة فقطعتهم عن وصل الآخرين خارج أسوارها. إن المستنيرين من أبناء المجتمع، وهم يسعون لأن يكونوا طلائعه في التغيير الفكري والنهضوى التنموي، يجب ألا يستخدموا فقط كأدوات فنية في تحقيق خطط وبرامج لم يشاركوا في رسمها ولا يعرفون غاياتها ومآلاتها ولكنمن واجبهم أن يكونوا حضورا عند صناعتها. إن المجتمع الذي يغيب مفكروه ومثقفوه كمن غابت ذاكرته فيصبح نهبا لتجريب السياسيين. وبداية الإصلاح تكون بالخروج على النمطية المألوفة وبإتاحة مساحات أوسع لأهل الثقافة والفكر على أهل السياسة لأن أهل الفكر والثقافة هم الذين يمثلون البوتقة التي تتبلور وتنصهر فيها أفكار المجتمع ورغائبه قبل أن تصير مشروعا سياسيا تنفيذيا ويكون بذلك المجتمع حاضرا في تحديد مستقبله وأولياته دون إلزام أو إملاء من أهل السلطة والسياسة.
وللمفكر الاسلامى الدكتور التيجانى عبد القادر وصف ذكى للمثقف المصلح بقوله "ولا يكون الإنسان مثقفا مفكراً لتعاظم ألقابه العلمية، ولكن يصير كذلك حينما يتجاوز مرحلة التستر بالشهادات والتكاثر في المعلومات ويدخل مرحلة توليد الأفكار ونقدها وصياغتها وتنميتها والتعبير عنها. فالمثقف ليس هو فقط من يلاحظ ويشاهد الأزمات والتفاعلات الاجتماعية من حوله، ولكن المثقف من يحاول أن يصنع مفهوما أو نسقا من المفاهيم يحاول من خلالها تعقل الظواهر وقراءتها، أي فك هذه الظواهر عن تجسدها الاجتماعي - التاريخي ورفعها إلى أطر الإنشاءات الذهنية ليتمكن بذلك من وصلها بما تراكم لديه ولدى غيره من خبرات ومعارف، فيصير بذلك اقدر على فهم خصائصها وتوقع تفاعلاتها ومآلاتها، فيتمكن من الإشارة إلى طرائق التحكم فيها وهذا يعني إن المثقف - وليس السياسي وحده - ينطوي على أزمة عميقة تظهر في خطابه الفكري حيث يكون فاقدا للوضوح النظري وعاجزا من ثم عن القراءة الصحيحة للأحداث من حوله أو اتخاذ موقف منها. وسينعكس كل ذلك على سائر ممارساته السياسية والاجتماعية. على أن الاتصال بعالم الأفكار وحده لا يكفي.. فالمثقف لا يتصل بعالم الأفكار لينحبس فيها وإنما يجتهد في أن يصل الفكرة بالعمل - عملا في النفس من الداخل - وعملا في المجتمع من الخارج - عملا في سياسة النفس لإلزامها بالفكرة.عملا في سياسة المجتمع لدفعه نحو المثل العليا. وتلك حالة تورث قدرا من التوتر ولكنه (توتر مبدع) لا بد للمثقف أن يعيشه، شأنه في ذلك شأن الصوفي في خلوته وجلوته. فهذا الاتصال بين الفكر والروح هو الذي يوفر المشروعية الأخلاقية والمصداقية العملية التي لا بد منها لأي مشروع من مشاريع الإصلاح والتنمية."
يجب على المثقف ألا ينحبس في دهاليز نفسه، ولكن عليه أن يسعى بصورة مستمرة للتفاعل مع الواقع الاجتماعي والى التواصل مع الآخرين، باحثا عن القدر المشترك من الحق والخير ليكون مع أولئك الآخرين الصالحين طليعة إصلاح تسرى في البيئة المحيطة فتوفر ديناميكية للتغيير الاجتماعي السياسي.
إن المثقف لا ينبغي أن يستمد قوته من المؤسسة السياسية، بل على المؤسسة السياسية أن تستمد قوتها من مكانة مفكريها وقوة حجتهم ومصداقيتهم وسعيهم بين الناس بالخير. وهذه القيم والمثل يمكن أن تجد القبول والالتفاف حولها من قبل عدد من المثقفين ممن يتوفر فيهم التحرر من التبعية الذهنية والعصبية وأطراف ذات انتماءات فكرية وسياسية وتنظيمية مختلفة.
فالمثقف الذي يرمى إلى إحداث تغيير في المجتمع ويترسم الطريق نحو الإصلاح الحقيقي هو الذي يواجه التحديات والصعاب بالمصداقية ولا يهتم بما يرشح من القيادات ويتوقف عند إشارات الأوعية الفارغة التي تحدثها انعكاسات العصبيات والعرقيات عندما تحتد المواقف الفكرية وتنشط دوائر الوعي في رحاب المجتمع.
فمواجع الناس وشكواهم سببها فرط التحدث عن التغيير والإصلاح دون أدنى أسس فكرية ومعايير أخلاقية راسخة تثبت المبدأ وتعالج أمراض الماضي..فالحاجة ماسة لقيادات واعية ومدركة تحمل في جوانبها عمق التجربة الإنسانية وتلتف حول منهج سياسي يعمل على إعادة الواقع الاجتماعي والسياسي بأفق متوازن، يعيد توازن الحياة وإيقاعها بمنهج أكثر التصاقا بالقيم والمعايير الأخلاقية التي نرتضيها. من لهذا الوطن من يصلحه من عثراته وينتشله من كبواته غير مثقف مصلح متجرد وجرئ!!!


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved