تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ما بين شرق السودان والانقاذ!! بقلم الاستاذ/ أبو فاطمة أحمد أونور محمود

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/12/2005 8:36 ص

أبو فاطمة اونور

ما بين شرق السودان والانقاذ!!

ينظر أغلب أهل الأطراف إلي نصف القرن المنصرم من عمر السودان بإحمرار عيونهم
لذلك يرون منه القتامة والدمامة المتجلية في ليله الطويل الذي أرخي عليهم سدوله
الفاحمة بأنواع الهموم ليبتلي إلا أنه كاد أن ينجلي!! وكان نصيب شرق السودان
الأسوأ حالاً رغم أنه ظل خافضاً لجناح الذل من الطاعة لأغلب الحكومات السابقة
قياساً بالجنوب والغرب!! إلا أنه لم يحصد ما يكافئ صبره وحلمه فحسب وإنما طالته
كوارث تحمل بصمات جنائية قاسية وخاصة خلال الثلث الأخير من الليل البهيم
للسودان القديم!! وبدلاً من ان نأخذ القارئ الكريم بتراجيديا الانشاء البكائية
نضع بين يديه بعض من المواجع المسكوت عنها في الماضي إسكاتاً!! لقد إنكمشت
العملية التعليمية في الشرق لدرجة التلاشي نسبة لتجفيف المدارس من الداخليات
وتشريد المعلمين بعد إخضاع مرتباتهم (علي قلتها) لمحليات فقيرة ومعدمة الموارد
إلا من ميزانيات وحوافز التعبئة الهتافية للمتحركات الرسمية والغير رسيمة!!
وتعطلت تجارة الحدود الرائجة والعريقة والتي كانت تسند نسبة مقدرة من المجتمع
المحلي مما أدي لتشريد كثير من الأسر المستورة الحال!! بدعوى الحرب الاقتصادية
المقدسة ضد قوافل أهل الشر وحصاراً لدول الضد!! وكذلك صودرت قوارب الصيد الخاصة
علي طول البحر الأحمر بدعوى درء التهريب!! وكانت تشكل مصدر الـرزق الأساسي
لكثير من سكان السـاحل منذ الأزل مما دفع بأسراب العطالى إلي رصيف الفقر واليأس
القاتل!! وأيضاً بعد أن بذلت حكومة الاقليم الشرقي (سابقاً) الغالي والنفيس في
مناجم إرياب للذهب من مسوحات ودراسات وتنقيب حتي كادت علي وشك أن يؤتى أكلها
لمواجهة الظروف القاسية لسكان الجبال من جوع وعطش وفقر وجهل!! فتمت الانقاذ
مصادرته لصالح مجاهدات المشروع الحضاري!! ذلك المشروع الاسلامي الذي أوفت
الحكومة بشقه الشفهي والهتافي!! وتحمل فقراء السودان بكل الجانب التطبيقي منه!!
ونحسب أنه إذا كان سيدنا الخضر حياً لعطل أو دمر منجم ذهب ارياب قبل ستة عشر
عاما!! كما فعل بسفينة الفقراء التي كان يتعقبها الملك الجائر!! وبالنسبة
لميناء بورتسودان تم تشريد عمال المواني (الكلات) الذين كانوا يعولون آلاف
الأسر في الريف والحضر بدعوى تحديث انسياب سرعة الوارد بواسطة الحاويات
الجاهزة، ورغم أن التحديث فضيلة عصرية لكن الحكومة تغافلت عن آثارها الكارثية
علي المواطنين وبل تمادت في غيـها بتحويل الريع الجمركي للحـاويات إلي سوبا
الأراضى وكـان يمكن تحويلـه إلي مشاريع تنموية للشرائح المتضررة وكذلك تم تحويل
الموارد الجمركية لتغطية شلاتين التجارية إلي العبيدية في ولاية نهر النيل!!
مما ضاعف المرارة بتجفيف فرص العمل مع مصادرة الموارد المتاحة!! وعلي المستوى
الزراعي فشلت مشروعات عريقة مثل القاش وطوكر وحلفا الجديدة بسبب سوء الإدارة
والتخطيط المدمر وغزو المسكيت وإرتفاع تكاليف الانتاج بسبب اتاوات الرسوم الغير
مدروسة مما أجبر المزارع لهجر الحقول في البوادي إلي أزقة التسكع في هوامش مهن
أسواق المدن الكبري والمترهلة الخدمات!! وأيضاً انحسرت الثروة الحيوانية بصورة
مروعة لعدم وجودها في دائرة مخططي الحكومات الولائية المنتدبة من المركز للمهام
الحربية و التعبوية بدعوى ان الشرق منطقة طوارئ وعمليات وعنصريات من المهد إلي
اللحد!! وكذلك إختفاء أعداد مقدرة من القرى المأهولة من الخارطة السكانية علي
امتداد ربوع الشرق نسبة للافقار وتدهور المراعي والمزارع وإنقطاع مياه الشرب
وتعطل المرافق الخدمية وتوالي ضربات موجات الجفاف والتصحر مع إنعدام التخطيط
البيئي المضاد والوقائي!! وأيضاً إنحسر التعليم الديني الأهلي (نظام الخلاوي)
بسبب إنقطاع مدد المعلمين من خريجي خلاوي الشيخ علي بيتاي نسبة لانطفاء نار
تقابة همشكوريب في ظل المشروع الحضاري!! ومصادرة أساطيل من عربات قبيلة
الرشايدة الرعوية مما دفعها للتمرد (الأسود الحرة) بعد تعطل وسائلها اللوجستية
وعجزها عن متابعة بهائمها وسوامها عبر الادغال الوعرة والمترامية الأطراف.
أيضاً تحويل مستشفي مدينة روما إلي ثكنات عسكرية دون المؤسسات الحكومية
الأخري!! الأقل أهمية منه مما إنهارت معه الخدمة الاسعافية والعلاجية للمنطقة
العريضة والطويلة بين ولايتي كسلا والبحر الأحمر!! وكذلك إقتلاع الانابيب
المعدنية لخط مياه الشرب الواصل من نهر عطبرة إلي المناطق الشمالية الغربية
لسهول القاش وحتي المناطق الجنوبية لولاية البحر الأحمر عند مدينة هيا حيث تم
استخدام هذه المواسير في تشييد معسكرات الدفاع الشعبي في مختلف بقاع السودان!!
وكان أثر هذه العملية التصحر البشري والحيواني والبيئي لقري وفرقان واسعة كانت
قائمة علي طول هذا المنهل العذب وخاصة في الصحراء البلقع الممتدة بين نهري
القاش وعطبرة!! وأيضاً من أغرب الاستراتيجيات للانقاذ في شرق السودان حيث كانت
توجد صوامع للغلال غرب مدينة كسلا شيدت بواسطة الحكومة الديمقراطية لجبر
الترويع الذي خلفته مجاعة 84/1985م بسعة تخزينيـة تكفي لامتصاص فائض مواسم
الانتاج وسد فجوة فاقد مـواسم الجدب كخطة لتأمين المخـزون الاستراتيجي لمنطقة
صارت ضحية للمجاعات المتكررة، وكانت هذه الصوامع علي شكل اسطوانات من الفايبر
قلاس (الورق المضغوط) فلقد تم تفكيكها وتوزيعها إلي رسائر مناطق السودان لتصبح
مكاتب مغاوير الشرطة الشعبية الوليدة حينها والمشهورة (بكبسولات بسط الأمن
الشامل) وبعدها ضربت المنطقـة ثلاث من موجات المجاعات العاتية وآخرها الآن حيث
بلغ سعر الجوال ال (150) الف جنيه فلم يجد الفقراء وهم الأغلبية بداً من
الهجرات العشوائية والنزوح إلي أبواب المدن وفي ظلال قصور المسؤولين التي تحت
التشييد!! وخواتيم مقطورة الفواجع كانت مجزرة بورتسودان عندما طالب بعض من
الشباب برد ولو جزء من المظالم التي سبق ذكرها فلم تتردد الحكومة من ايقاع
مائتين منهم في لحظات بين قتيل وجريح وسجين وطريد!! ويجب ملاحظة أن كل السونامي
الانقاذي السابق أتي علي أصول كانت قائمة وموجودة سلفاً قبل 1989م!! وترتبت
عليه آثار كارثة يستحيل تعويضها وخاصة النفسية والاخلاقية والاجتماعية حيث حدثت
تغيرات رادكالية في كثير من العقائد الوطنية مثل الوحدة والنضج القومي ونبذ
الانتماء الجهوي التي كدنا ان نحسبها من الثوابت لولا ان نسخها البعث الحضاري
إلي غير رجعة!! وعموماً بخصوص التنمية (المادية) المنتظرة في الشرق (ان صدقت!!)
سوف تصنف مجرد محاولة للترميم والتعويض والديات وتطبيب للخواطر!! لأنه ببساطة
اذا اعتمد الشرق فقط علي ما كان موجوداً من المرافق يوم (انقاذه!!) لكان اليوم
من أفضل ولايات السودان!! لذلك مهما عظمت المشروعات التنموية المقترحة فلن تطرب
أحداً مالم يترجل عن قيادتها مهندسو عهد الاستنزاف الشامل!!

الاستاذ/ أبو فاطمة أحمد أونور محمود
[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved