وفي مقاله المشهود زعم العتباني أن قرنق خالف قوانين الرئاسة السودانية عندما أستقل طائرة الموت دون علم الحكومة ، وأعتبر أيضا أن الرئيس موسفيني قام بابلاغ الحكومة السودانية متأخرا وأضاع 26 ساعة كانت مهمة من أجل العثور علي قرنق حيا ، وتحدث العتباني عن اطماع يوغندا في ضم اقليم جنوب السودان الغني بالنفط الي مساحة يوغندا الفقيرة من الموارد و الكثيفة السكان ، والعتباني في كتاباته عن اختفاء طائرة قرنق وموته لا يتحدث عن البعد المأساوي لهذه الحادثة ومدي فجعة الناس لهذا الزعيم القادم من دنيا الهامش ، فالعتباني يمارس عادة جلد خصومه في الدنيا والممات ولا تحده في ذلك حدود ولا يلهيه حزن الناس علي هذا الفقيد والذي كان الامل الكبير بالنسبة لأبناء الجنوب .
فجون قرنق كان يتمتع بغريزة أمنية عالية وحذر شديد ، ولكن القضاء والقدر فوق كل حسابات ، واذا كان موسيفيني يرغب في ضم جنوب السودان الي يوغندا فأفضل شخص قادر علي فرض هذه الرؤية هو جون قرنق وذلك بحكم صلات الصداقة التي تربطه به ، فالرئيس موسفيني وقف مع الحركة عندما تخلي عنها الجميع ، وساعد في تاسيسها للمرة الثانية عندما فقدت مانغستو هايلي مريام ، واذا انفصل الجنوب عن الشمال وكون دولة مستقلة فمن حق قادته أن يختاروا الكيان الذي يراعي مصلحتهم حتي ولو كان ذلك الخيار هو الذوبان في الدولة اليوغندية ، ومطالب انفصال الجنوب بدأها الشماليين علي لسان غازي صلاح الدين عندما خاطب وفد الحركة في احدي المفاوضات بمقولة شهيرة وهي : (( ان الخيار الثقافي والحضاري في الشمال قد حسم لصالح الشريعة الاسلامية وعلي أهل الجنوب دراسة خياراتهم )) ، وأنا اعتبر خوف أهل الشمال مع وحدة الجنوب مع يوغندا هو نوع من البكاء علي الاطلال ونظرة فيها شئ من الوصايا التي اعتلت جبين ساسة أهل الشمال عندما يدرسون وضع الجنوب .
ونعود لقصة فقدان الطائرة ، فقد أستقل قرنق الطائرة الرئاسية متوجها الي نيو سايت في تمام الساعة 5.30 من مساء السبت ، ومن المفترض أن تهبط هذه الطائرة في تمام الساعة 7.30 مساء بتاريخ نفس اليوم ، وفي مساء يوم الاحد أطلعنا التلفزيون السوداني أن طائرة قرنق مفقودة منذ تاريخ مغادرتها الاراضي اليوغندية وتحدتث عن اتصال هاتفي تم بين المشير البشير والرئيس اليوغندي يوري مسوفيني حول ملابسات الاختفاء ، ولكن التلفزيون السودان وفي تمام الساعة 11.00 مساء بتاريخ الأحد أكد هبوط طائرة قرنق بسلام في مطار نيوسايت ، وبذلك يكون الرئيس اليوغندي قد تحرر من مسؤولية ابلاغ السلطات السودانية بأي جديد يخص اختفاء طائرة قرنق ، ولماذا يطلعهم اذا هم أكدوا هبوط طائرة الزعيم سالمة في مدرجات المطار ، وهذه هي المعلومة التي قتلت جون قرنق وتسببت في خلق الفوضي داخل الخرطوم وأدت ايضا الي تأخير فرق الانقاذ لعملها من من أجل العثور علي الطائرة ، وفي تمام الساعة 1.00 من صباح الاثنين أكد عبد الباسط سبدرات ان طائرة الفريق جون قرنق ما زالت مفقودة وان ما نشر في السابق عن نجاته ليس بصحيح ، وبذلك يكون الوقت المطلوب من أجل العثور علي قرنق حيا هو 4 ساعات فقط وليس 26 ساعة كما ذكر العتباني في مقاله ، وهذه الاربعة ساعات هي مملوكة بالكامل للحكومة السودانية ، ولم يستطع أسطولها الجوي التحرك من قواعده في دارفور ليحوم حول أحراش الجنوب وينقذ طائرة قرنق في أربعة ساعات فقط ، والذي عثر علي حطام الطائرة هم الاهالي ، وأول طائرة انقاذ وصلت الي مكان الحادث كانت تخص الامم المتحدة وليس الحكومة السودانية ، وبذلك يكون المتسبب في موت قرنق هو الجهة التي اعطت البيانات المضللة للناس ،و هي ايضا تتحمل وزر الذين سقطوا موتي في أحداث يوم الاثنين الاسود .
ولكن هل تسلل قرنق من الباب الخلفي الي يوغندا من غير علم الحكومة السودانية ؟؟ بالتأكيد لا وذلك لسبب بسيط أنه بالاضافة الي منصب نائب الرئيس في الحكومة في الشمال فهو أيضا بحكم منصبه يعتبر رئيسا لحكومة الجنوب ، وبذلك يصبح من حقه التنقل وفقا لجدول مصالح أهل الجنوب ، ولا يربط المسؤولين في الشمال في نفس الوقت تحركاتهم الخارجية باشارة من جون قرنق ، فهم يتحركون وفق المصالح التي يمليها عليهم حزبهم من غير التقيد بتعليمات نائب الرئيس ويزورون الدول العربية ويطلبون منها المدد والمساعدة ، وهذا وضع طبيعي لأن اتفاقية نيفاشيا تحدتث عن دولتين تحت التجربة لمدة ستة سنوات ومع حق كل طرف في التحرك وفقا لهذا الهامش .
وسوف نواصل
سارة عيسي