مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

خلع جسده و .. مضى! بقلم هاشم كرار

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/7/2005 3:21 م

خلع جسده و .. مضى!

انزلوه خفيفا جدا في القبر.

أتخيله، انه كان يحمد الله كثيرا، في كل يوم كان يُخسره فيه المرض النادر، رطلا أو أوقية من جسده البدين، شيئا ما. لكأنما كان العمر كله، يتمنى ان يفارق هذا الجسد، قبل أن يفارق.

أتخيله، انه كان يحمد الله كثيرا، والمرض النادر، يخلع من جسده في كل يوم قطعة من شحم ولحم ، انه حتى في مماته، لن يكون متعبا، حتى لحامليه، على الآلة الحدباء .. وهو محمول!

كان مُتعبا بحب الحياة .. وحب الناس، ولم يكن متعبا «بكسر العين» لأي من الاثنين، كانت الحياة تعطيه اجمل ما فيها الضحكة .. وكان هو ــ من فرط كرمه ــ يوزع هذه الضحكة على الناس!

كان يحب الحياة، مثله مثل كل حي، غير ان هذا الحب لم يورثه، في يوم من الأيام ــ الشُح .. ولم يورثه الأنانية .. ولم يورثه إلا التأدب بأدب الحديث «الدين المعاملة».

زاملته طويلا، في مهنة البحث عن المتاعب في «الأيام» السودانية، وفي صحف أخرى. فرقتنا «الأيام» وجمعتنا مرة أخرى، هنا في الدوحة . ويشهد الله، انني لم التقيه إذ التقيه «مهموما»، أو «عابسا»، أو «كئيبا» .. ويشهد الله غيري، ان غيري لم يلتقوه إلا باسط القلب قبل اليدين، بالسلام والنكتة والطرفة والضحكة والإيناس والمؤانسة، والإحسان في «المطايبة» والحب الوفير!

كل الذين، عرفوا عثمان عيسى، عرفوا فيه ذلك، وكل الذين لم يعرفوه عرفوا فيه ذلك أيضا، وللناس ألسنة .. وللناس آذان.

أشهد الله ــ مرة أخرى ــ انني منذ ان عرفته، لم اعرف فيه انه يضع لسانه في أذن الآخر، بنميمة .. ولم يضع أذنه في لسان الآخر، ليسمع حديث إفك.

كان في «حاله».

وكان شعاره، الذي استحال عنده الى سلوك «خلي الناس في حالها» .. لذلك لم يؤذ أحدا ــ فيما أعلم ــ وان كان قد احتمل ــ بالشعار الذي استحال الى سلوك ــ أذى كثير من الناس، ومن الناس من يؤذي حتى ظله!

أذى الناس «كفارة».

وكذا الداء، والاصطبار عليه، و .. عثمان عيسى قبل ان يفارق نال «الكفارتين» .. وكانت الكبرى منهما، هو اصطباره طويلا جدا ــ وبلا حراك ــ على المرض النادر جدا الذي أكل منه الشحم واللحم، ولم يأكل شيئا من عقله، ولا شيئا من ايمانه الغريب، الإيمان الذي تنزل عليه أخيرا، أقوى بكثير مما لو كان قد تنزل عليه اولا .. والله بشؤون عباده هو الخبير!

قبل ان يفارق، أحسن الله اليه بكثير الدعاء من عباده ــ الذين يعرفونه والذين غير ــ إذ هم يقفون أمام سريره في مستشفى الرميلة، ثم «حمد» .. وهو بلا حول ولا قوة .. لأكثر من عام .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قبل ان يفارق، احسن الله اليه، بكثير الآي من القرآن الكريم، التي كان يقرأها عليه، من عرفوه، ومن لمْ، وهي القراءات التي كانت ــ بإذن الله ــ تشرح صدره، وتشرح فؤاده .. وتشرح عقله .. وتلهمه نعمة الحمد، على خلع الجسد .. رطلا رطلا .. واوقية أوقية من شحم ولحم!

أنزلوه خفيفا، الى القبر، وهم يجهشون بالبكاء، لم يكن ــ فقط ــ شقيقا لبابكر عيسى، كان صديقا، وقسيم حب وضحكة .. ولم يكن فقط صديقا لأصدقائه .. كان هو من لم تلده امهاتهم ولا آباؤهم .. ولم يكن لكل الذين عرفوه، غير البشاشة والضحكة والكلمة الطيبة .. وتلك صدقة منه كانت جارية، على كل الناس!

رحم الله عثمان عيسى.

هاشم كرار



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved