مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

هل من الممكن أن تصبح مساحة دولة السودان مثل مساحة امارة موناكو بقلم ساره عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/26/2005 11:19 ص

أجمع كل المحللين العسكريين الذين كتبوا عن حرب الخليج الاخيرة بأن صدام حسين وضع أغبي خطة عسكرية في التاريخ من أجل الدفاع عن العراق ، لقد قام صدام بنقل وحدات كبيره من قواته الي جنوب العراق ، ونسبة لعدم وجود الغطاء الجوي وانقطاع وسائل الانصال بينه وبين هذه القوات المتحركة تمكنت قوات التحالف الغازية من القضاء عليها بكل بسهولة ويسر ، وعندما عبرت قوات المارنز جسر الثامن عشر من تموز وهي متجهة ناحية القصر الرئاسي كان صدام حسين قد أخلي بغداد بالفعل وتبخرت القيادة التاريخية التي حكمت العراق بالحديد والنار لمدة تزيد عن ثلاثة عقود من الزمان ، ولم يتبين أثر لصدام الا بعد أربعة عشر من سقوط بغداد حيث باغتنا بشريط مسجل سربه من مخبئه في تكريت توعد فيه الامريكيين بحرب استنزاف طويلة ، ولكن كل هولاء المهتمين بالتاريخ العراقي تجاهلوا حقيقة تاريخية هامة وهي أن بغداد لم تسقط عندما هدمت قوات المارنز تمثال صدام في ساحة الفردوس ولكنها سقطت عندما رفض شعبها أن يقاوم الاحتلال ، لا أحد ينازع العراقيين في الشجاعة والاقدام والصبر علي مكاره الحروب ولكنهم فعلوا كل ما في وسعهم من أجل صدام وطموحاته التي لا تنتهي ، بسبب هوي صدام خاض العراقيون حربين عظيمتين اولاهما كانت دفاعا عن البوابة العربية عندما حارب ايران والثانية كانت من أجل ضم ( الجزء الي الكل ) عندما أحتل دولة الكويت ، ولكن صدام لا يشبع من الحروب علي الرغم أنه أفني من أبناء العراق ما يقارب المليونين ، ويحق بعد ذلك للعرافيين أن لا يخوضوا حربا جديدة من أجل اعادة الطاغية ، و ما استفدناه من هزيمة صدام حسين أن السياط والقمع لا يمكن أن تبنيان شعبا شجاعا يزود عن الوطن اذا أحاطت به الاعداء ، وان الوطنية قيمة تزرعها الانظمة في نفوس الناس ولكنها ليست دينا لتموت الناس من أجله ، وكلمة وطن هي افتراض لحب كائن معنوي لا أثر له في حياتنا الحسية، ولا قيمة لكلمة الوطن بالنسبة لمواطن سلبت ارادته وانتهكت حريته واغتصب ماله ،
ونعود لمعركة حدثت في أرضنا السودانية وهي شبيهة بحرب العراق ، وهي معركة الخليفة عبد الله التعايشي مع الجنرال هربرت كتشنر في اواخر القرن التاسع عشر ، ولم تختلف أسباب الغزو الثنائي للسودان أنذاك عن اسبابه اليوم سوي عدم مهادنة الخليفة للقوات الغازية ومحاربتها الي اخر رمق ، بالنسبة لمصر كان سبب الغزو هو السيطرة علي منابع النيل (waterfalls) ، وبالنسبة لبريطانيا هو وقف الزحف الاستعماري الذي تقوم به كل من بلجيكا وايطاليا في القرن الافريقي ، كانت قوة الغزو مكونة من 25000 جندي منهم فقط 8600 جندي بريطاني والبقية كانت من أفراد الجيش المصري ، وقد تم الغزو علي نفقة الحكومية المصرية بينما تولي البريطانيون ادارة الحرب والتخطيط لها ، كان اللورد كتشنر يختلف عن قادة الحرب في عصرنا الحالي أمثال تومي فرانك أو نورمن شوارزتكوف بحيث أنه كان يجمع بين الخبرة العسكرية وادارة الحكم أثناء الاحتلال ، ونسبة لتميزه بهذه الخصائص أختارته الملكة فكتوريا لهذه المهمة ، ولم تكن مهمة الغزو صعبة أو بالغة التعقيد لأن الظروف السياسية والاقتصادية في السودان هيأت لها الغزو الخارجي وساعدت علي نجاحه ، وجيش المهدية الذي سحل غردون باشا انشغل بحرب الحبشة ومصر وفقد في تلك الحربين الكثير من جنوده وقواده الاوفياء ، وفي السودان كانت الحالة الاقتصادية في تدهور مستمر بسبب الجفاف ونقص المحصول ، ونتج عن ذلك مجاعة عام ( 1306 ) أو سنة ستة كما يؤرخ لها عامة الناس ، ونقص عدد سكان السودان الي النصف بسبب الحروب والمجاعة ، وزادت حالة الاحتقان بين ما يعرف اليوم بأبناء السودان النيلي أو (Nile Valley inhabitants) كما تطلق عليهم مصادر التاريخ الانجليزي وأبناء غرب السودان الذين كانوا يمثلون العمود الفقري لجيش المهدية ، وشعر أبناء النيل بأنهم ظلموا علي الرغم أن الخليفة عبد الله التعايشي ينتمي لقبيلة البقارة العربية ، ولكن هذه القبيلة بحكم تمركزها في غرب السودان أصبحت تتحمل وزر هذا الوجود الذي فرضته عليها الجغرافيا ، ورأي أبناء الشمال النيلي في الغزو البريطاني المصري الطريق الوحيد الذي يمكنهم من التخلص من الخليفة عبد الله وحكمه ، ولعب عبد الله ود سعد دور ( أحمد الجلبي ) وقام بتزويد البريطانيين بكل ما يعرفه عن قوات الخليفة عبد الله وأسلحتها واماكن تواجدها وتعدادها ، وفي هذه الاثناء قامت قوات كتشنر باحتلال مدينة دنقلا وتقدمت نحو مدينة أبو حمد ، وتأخرت عملية الغزو لأن كتشنر ربط تقدم الجيش مع سير العمل في خط السكة الحديد الذي يربط بين حلفا وأبو حمد وذلك حتي يضمن تدفق الامدادات اللوجستية للحملة ، لم يعترض أهل الشمال سير القوات الغازية كما حدث في في العراق عندما قاومت مدن الجنوب مثل النجف والبصرة وام قصر والناصرية حيث قاوم سكانها قوات الاحتلال علي الرغم من كراهيتهم لصدام حسين ، كل مصائب السودان أتت من البوابة الشمالية ابتداء من الغزو التركي ونهاية بالغزو الثنائي ،استطاعت القوات البريطانية الوصول الي مدينة عطبرة وهزيمة قائد المهدية الامير محمود ود أحمد ، انتهت أيام الخليفة عبد الله بعد هروبه الي ام دبيكرات وهو كان أخر حاكم يحكم السودان من غير أبناء الشمال ، والخليفة عبد الله كان رجلا مقاتلا وفضل الموت علي الوقوع في الاسر ، لقد أثري الخليفة عبد الله الثقافة النضالية في السودان والكثير منا يتذكر رسالته المزعومة الي الملكة فكتوريا حيث خاطبها قائلا (( ان شئت اسلمت ختناك وزوجناكي الامير يونس الدكيم ان هوي رضي )) ، وهذا الرسالة كانت كذب وافتراء علي الخليفة عبد الله والغرض منها النيل و السخرية من شخصه حتي يعرف بين الناس بالسذاجة وخفة العقل ، لان مفاهيم الثورة المهدية عند الخليفة عبد الله كانت أكبر من ختان الملكات وتزويجهن لقادة جنده ، ولقد سمعت المشير البشير عندما زار ام دبيكرات يفاخر بهذه الرسالة المدسوسة وتمني لو أنه كان كاتبها ، ولقد راجعت دائرة الوثائق البريطانية لأكثر من مرة ولم أعثر علي هذه الرسالة ، واظن أن الذي كتبها كان سلاطين رودلف باشا والذي كان يكن عداوة شديدة وحقد علي الخليفة عبد الله ، وسلاطين باشا تظاهر بالاسلام وقام أمر الخليفة عبد الله بختنه وفقا للشريعة الاسلامية وهذا هو الامر الذي أثار حفيظته ، استطاع كتشنر أن يسيطر علي وسط السودان وشماله ولكنه فشل في السيطرة علي الغرب والجنوب ، وفي الغرب تمكن السلطان علي دينار من تأسيس مملكته الاسلامية وجعلها تتبع للسلطان العثماني في الاستانة وكان يدفع له الخراج (tribute) كل عام كدلالة علي ولائه للخلافة الاسلامية ، وكان السلطان علي دينار يكسو الكعبة كل عام ويجري الاعطيات للحجيج السودانيين ووفر لهم دارا تأويهم اثناء تأيتهم مشاعر الحج ، وفي زمانه تم ابتعاث الطلاب الي الازهر من أجل نيل العلوم الشرعية ، فرواق دارفور كان مشهورا في ساحات الازهر الشريف وتطرق له الاديب طه حسين في كتابه الشهير الايام ، ولكن المبادئ هي التي قتلت السلطان علي دينار ، وهو كان يعلم أن الانجليز في الجوار ولكن ذلك لم يمنعه من تأييد الباب العالي في حربه ضد الحلفاء ، فأنهي الانجليز السلطنة الاسلامية في دارفور ، ودفع السلطان علي دينار ثمن مواقفه ,وانتهي به الامر شهيدا من أجل الدفاع عن ما كان يتعبره حماية للتراب الاسلامي من أقدام الغزاة ، وفي عام 1922 تخلصت مصر من الوصايا البريطانية (protectorate ) ونتج عن ذلك انفراد البريطانيين بحكم السودان ، وتخلص البريطانيون من شراكتهم مع المصريين بعد اغتيال السير لي ستاك ( حاكم السودان ) عام 1924 في القاهرة علي يد أحد طلاب الازهر الشريف ، وفي اطار التخلص من هذه الشراكة أيضا عملت الادارة البريطانية علي استبدال الموظفين المصريين بموظفيين سودانيين من أبناء الاقليم الشمالي ، ومن هنا نشأت النخبة السودانية (Elite ) والتي أمتد نفوذها في حكم السودان الي اليوم ، وهذا الترتيب تم علي حساب أبناء الجنوب والذين فرض عليهم الاحتلال سياسة المناطق المقفولة ( The closed District) ) كما نعرض أبناء غرب السودان للاقصاء والتهميش بسبب ولائهم السابق للدولة المهدية ،وكانت الزعامات التقليدية في الشمال Orthodox) ( ليست علي وفاق مع فكر المهدية وهذا ما فسر انتشار الثورة المهدية في الوسط والغرب وانحسارها في الشمال ، وهذا العامل وفر لأبناء الشمال فرصة الحظوة عند الانجليز ،أستفادت النخبة في الشمال من هذا الوضع الجديد وورثت عن البريطانيين حكم كل السودان ، ولكن لماذا فضلت بريطانيا أن يكون ورثتها في الحكم من أبناء الشمال وتجاهلت أهل الغرب والجنوب ؟؟
هذه الافضلية لم تأتي بالمصادفة ، فالادارة البريطانية هي التي فرضت هذا البديل علي أهل السودان ، والاحزاب الوطنية في ذلك الوقت كانت كل زعاماتها من أهل الشمال ، ولم تتأسس الاحزاب القومية في الجنوب والغرب بسبب سياسة التهميش التي مارسها عليهم الاستعمار البريطاني ، ولم يكن أمام أهل هذه المناطق المهمشة سوي الانخراط في الاحزاب الوطنية التي فرضت عليهم ، فحزب الاشقاء أو الاتحادي الديمقراطي لاحقا علي سبيل كان شغله الشاغل هو التوحد مع مصر من غير أن يلتفت الي أطراف السودان المترامية ، و مصر تنظر الي السودان كخزان للمياه فقط ولا تولي اهتماما بتطور السودان ، فمصر منذ عهد الخديوية الي تاريخ اليوم لم تغير سياستها تجاه السودان ، وحققت مصر كل ما تصبو اليه من أهداف في السودان ، ففي عهد محمد علي باشا أسترقت السودانيين وباعتهم في أسواق النخاسة الدولية ، وفي العهد الثنائي تآمرت مع الانجليز وجعلت من السودان مصدر يدر الاموال للخزينة البريطانية ، وفي عهد عبود وعبد الناصر تم ترحيل أهلنا في الهامش الشمالي الي حلفا الجديدة ، خسر أهلنا في حلفا أطيانهم ومزارعهم وأرض صباهم من أجل أن تتدفق المياه غزيرة الي قاهرة المعز ، وفي عهد الانقاذ أعطيناهم ( حلايب ) السودانية مجانا حتي لا يشغلوننا عن محاربة قرنق السوداني ، وكما ذكر الاستاذ محمد حسنين هيكل أن هناك تشابها بين الحالة العراقية والسودان ، فكل البلدين استعمرتمهم بريطانيا العظمي والتي أشرفت مخابراتها علي صنع النخب الحاكمة فيهما ، وهناك تشابه كبير بين ثورة العشرين في العراق ضد المحتلين البريطانيين والتي قادتها مرجعيات النجف الاشرف وبين الثورة المهدية بقيادة الامام محمد أحمد المهدي ، في العراق أستعارت بريطانيا ملكا هاشميا من الخارج ليحكم البلاد وقربت الطائفة السنية لتتجنب الاستعانة بالطائفة الشيعية التي أعلنت الثورة ضد الحكم البريطاني ، وفي السودان تحمل أبناء غرب السودان ووسطه ضريبة الولاء السابق للدولة المهدية ، فكان البديل هو أحزاب الشمال ، وصرنا عبر تاريخنا القديم والحديث نعتبر أن الجنوب هو السبب في تأخر الشمال ولكننا لم نسأل ما هو دور الشمال في تحطيم الجنوب ، ان الشمال نقل خيله ورجله وألة حربة الي أرض الجنوب التي تحولت الي ساحة معركة ولكننا لم نسأل انفسنا من الذي أرسل المتحركات العسكرية التي فتكت بأهل الجنوب وماشيتهم ، أن السودان هو الوطن الوحيد الذي يفتك بأبنائه ، وهو الوطن الوحيد الذي من كرمه استقبل كل أطياف المهاجرين من مصر وتونس والجزائر ولكنه يحرم ابنائه من العيش بسلام في ديارهم ، ونحن البلد الوحيد في العالم الثالث الذي طور سلاحه الجوي وجعله قادر علي حمل الاطنان من القنابل الملتهبة ويصب حممها علي مساكن من القش ياؤي اليها البسطاء من أهل دارفور ، فتنطلق أسراب الطائرات من قواعدها في الخرطوم وتلقي بثقلها المميت علي كل مظاهر الحياة في هذه البقعة النائية من السودان ، انهم يعتبرونها حرب تقربهم من الجنان وتستزيدهم من الحور العين ، ولكن حربهم هذه انشاء الله سوف تزيدهم خزي في الحياة الدنيا بعد أن بصق عليهم المجتمع الدولي وأشمأز من فظائعهم وقرر محاكمتهم ليقبعوا في سجون أوروبا بقية حياتهم، وسوف يلاقون ربهم من غير طائرات ومدافع ومسيرات غضب مليونية وسيعرض عليهم كتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة الا أحصاها ،
ولكن لماذا أقحمتكم في هذا السرد التاريخي المطول؟؟
الاجابة لا أحد يحمل ضغينة علي كل أهل الشمال ، وربما يكون الشمال مظلوما في بعض النواحي ولكنه علي الرغم من ذلك أن أرضه لم تكن ساحة للحرب كما حدث في الجنوب ودارفور وهذه نعمة يحسدون عليها ،ولكن حكومة الانقاذيين بعد قدومها كرست هذا النوع من العنصرية المكتومة ودقوا طبول الفتنة النائمة ، الانقاذيون الان يحاولون التخلص من تركة الجنوب وقمع أهل دارفور من أجل تكوين دولة دينية علي النموذج الطالباني كما حدث في افغانستان ، والان الطيب مصطفي ( خال المشير البشير ) يبكي كالخنساء من أجل فصل الجنوب والاكتفاء بالشمال فقط ، ولكن لم يسأل خال المشير البشير من الذي يبكي مع تلك العوائل التي فقدت فلذات أكبادها في حرب فرضت علي ابنائهم ، ومن يسألهم عن المال الذي لم نجده في المستشفيات من أجل علاج الملاريا ولكنهم صرفوه بسخاء من أجل قتل الانفس وتحطيم الحياة في الجنوب ، ولم يحاسبهم أحد كم تبلغ تكلفة الطلعات الجوية لطائراتهم الجبانة التي تفتك بالمدنيين في دارفور ، ولم يحاسبهم أحد في كل الذي فعلوه في السودان من تمزيق وتقطيع وحرب ولكنهم لماذا الان يتشبسون بسلم الاماني الكاذبة ويريدون أن يجعلوا السودان مثل أمارة موناكو ليطبقوا فيه مشروعهم الحضاري ، ان الانقاذيين حكموا السودان بما فيه الكفاية وجربوا فيه كل حيلهم واساليب سحرهم وعليهم الان أن يرحلوا ان كان فيهم بقية من الحياء حتي لا يستزيدوا من سيرتهم التي أزكمت النفوس .

ولنا عودة
ساره عيسي
Sara_ [email protected]
[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved