مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الفصل الأول من مخطوطة كتابي بين الضفة والساحل14 فصل، لم ينشر كاملا بعد. بقلم بقادي الحاج أحمد-جدة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/20/2005 9:25 م

ذلك القادم في وهج شمس الصيف والغبار هو سودان الانتفاضة.
الفصل الأول من مخطوطة كتابي "بين الضفة والساحل" 14 فصل، لم ينشر كاملا بعد.

الفصل الأول
بالروح بالدم نفديك يا سودانا

كان ليل الخرطوم يحتفظ بكثير من نجومه، وتحتفظ هي الأخرى ببريقها. كانت الأمسيات مرصعه بالأسابيع الثقافية والحفلات الموسيقية ، تباعد بينها المسرحيات والأفلام السنمائيه المميزة، بالإضافة إلى المباريات الكروية و أبدعات المراكز الثقافية الأجنبيه.
كان وقتها للعمل متعه خاصة كما كان لكل شيء، يوم العمل لاينتهى عند الساعة الثانية ظهرا، بل يمتد إلى العصر والمساء أحيانا كثيرة ، وإذا لم يمتد العمل يكون " المقيل من أجل الاستعداد للذهاب إلى أحد المباريات أو الحفلات، اضافة الي البرنامج الثابت؛ الجامعة ومحاضراتها..
تناول وجبة الغداء يكون جماعيا في المطاعم الفاخرة عند صرف الماهية-المرتب أو الإضافي وفي الأيام العادية الأكل يكون في المطاعم الشعبية حيث البلدى، ومشتقاته "العصيدة،الكسرة، والقراصة، أو "الزقني، أما الأستثنائيه ففي مطاعم الفنادق الكبرى ذات الأنجم.

*
عند منتصف عقد الثمنيينات من القرن الماضى، الحياة العامة كانت تضطرب وتمور كاضطراب الرياح وهزيم الرعود منذره بهطول المطر الغزير.
في ذات يوم بدلا من أن يبدا يوم العمل في فرع البنك بعد إثبات الحضور للموظفين والموظفات و قبلهم العمال ومن ثم يذهب كل موظف وموظفه إلى مكتبه، بعد وضع اللمسات ألا خيره علي مظهره العام بربط ربطة العنق- للموظفين- وتناول كوب شاي أو فنجان قهوة أو تناول الإفطار مبكرا للذين يعملون بقسم الخزينة- صرافين، حيث يصعب عليهم التوقف للإفطار بعد فتح الأبواب أمام الجمهور والخوض في غمار رزم النقود وزحام المتعاملين عليهم ، يكون فك الريق مسمار القلب حقا.
في ذلك اليوم، بعد التوقيع علي دفتر الحضور، ابلغ الجميع بدعوة النقابة للخروج في موكب احتجاجا علي الحالة التي وصلت أليها البلد. سوف يتحرك الموكب من نقطة تقاطع شارع السيد عبد الرحمن مع شارع القصر من أمام فندق "المرديان" إلى مجلس الوزراء لتسليم مذكرة الاحتجاج.
علي المشاركين في الموكب الخروج من أماكن العمل فرادا تفاديا لأي احتكاك مع قوات الشرطة والجيش، التي توزعت منذ وقت مبكر أمام المصالح الحكومية، والبنوك والشركات والمحلات التجارية وفي الشوارع الرئيسة.
انتظمت الشوارع حركة غير عادية، اخذ مد الجماهير يتـنامي ويكبر وشيئا فشيئا بدأت حركة العربات الخاصة تقل، وحتى تلك التي تعمل في مجال النقل، والمواصلات العامة اختفت من مواقفها المعتادة داخل العاصمة: ميدان الأمم المتحدة، ميدان أبو جنزير والسوق العربي.
عند شارع السيد عبد الرحمن بدأت المواكب تتقاطر، من ناحية الخرطوم غرب متجه صوب الشرق، يتقدم الجمع كوكبة من القضاة والمحاميين وأساتذة الجامعات يرتدون "روبا تهم" المميزة ،أضفت علي الموكب هيبة ووقارا فوق التي كانت عليه. كانت الجموع تتدافع في شارع القصر، من ناحية السوق- سوق الخضار، وشارع الجمهورية متجه نحو الجنوب إلى نقطة التلاقي؛ تقاطع شارع السيد عبد الرحمن وشارع القصر، بالقرب من مستشفي الشعب بالخرطوم.
التقت الجموع وهي علي مرمى حجر من المقرن، حيث اللقاء السرمدي بين النيليين- الأزرق والأبيض، كأن اليوم يوم الفيضان ؛ يضرب الماء حصارا علي الخرطوم . اليوم فاض فيها أهلها فملئوا الشوارع، والساحات والميادين زحفا، هتافا، تصفيقا وهديرا .. كان هتاف:

بالروح بالدم نفديك يا سودانا... بالروح بالدم نفديك يا سودانا

يعلو علي جميع الهتافات، كان يعقب الهتاف التصفيق المنظم.أخذت الجموع في التقدم نحو النبع الصافي لتروى ظمئها وتشرب نخب الوطن.
المواكب علي مد البصر، علي امتداد شارعي السيد عبد الرحمن وشارع القصر من ناحية مستشفي الخرطوم شرقا وجنوبا بعد التقاطع أو تلاقي جمموع المنتفضين والملتحمين مع الوطن.
عربات الشرطة والجيش قطعت الطريق أما السيل المنهمر علي شارع القصر، عند ميدان أبو جنزير، وعلي شارع السيد عبد الرحمن، عند السوق العربي، علي امتدادهما شرقا وجنوبا عند مستشفي الخرطوم.. فصلت الجموع الأولي عن التي كانت تتدفق كرافد النهر، أحكمت حصارها عليها.
كان الحصار يوم شيكان محكما كما السوار حول المعصم، الأنصار كانوا يتحسسون مواضع الألم في الأعداء بأيديهم ثم يجتـثوها بأنصالهم وبنادقهم- علي الطريقة الصنية- تحسس مواقع الأقدام عند عبور النهر. كان ذلك اليوم يوم الأنصار..
وكان الأخر يومنا وان كنا محاصرين؛ كنا نخطو علي الطريق خطوة الإوز..
يتردد صدا كلمات الشاعرة "آنا الكماتوف" بيننا:
لماذا اعتقل ياتري؟
سأل الناس
لا سبب
حان الوقت ليعرف الناس يعتقلون
من دون سبب.
قرر المنتفضون الجلوس علي الأرض، تأكيدا علي التصاقهم بالتراب الغالي ، وبأنهم لن يتزحزحوا أو يتراجعوا.. كان للجلوس في قارعة الطريق في قلب المدينة في ذلك اليوم معني آخر، كان له معني كبير.. مثله مثل النضال الذي تعمق في الدواخل، من اجل ذلك الفارع، الذي شمخ فوق الكل كشمس الضحي، ترسل شعاعها من عند الأفق الشرقي لتزيد اللوحة بهاءه وإشراقا.
بدأت محاولات تخريب اللوحة وتفريق الجمع بـمكبرات الصوت واطلاق الرصاص في الهواء... وقذف الجموع بمسيل الدموع....
سادت الفوضى وبدا من ضاق به المكان يتلمس مخرجا عبر الطرق والأزقة الجانبية إلى حيث الهواء النقي.
كانت مفاجأة أخرى في الانتظار رابضة تكشر عن أنيابها؛ الأولي كانت نوع مسيل الدموع، الذي كان يذيب العيون من محاجرها ويحيلها إلى دم نازف، ليس هو النوع الأحدث؛ وإلا راعي فيه صانعوه معايير ضبط الجودة... الرفق بالإنسان!
نجح النظام في اقتنائه وادخاره لهم رغم انه كان كثير الكلام قليل الفعل حيال رفع المعاناة عن كاهلهم..
قفل مجندي الآمن كل المنافذ ، كان مفاجأة للجميع بأنه لا يوجد طريق يؤدى للخارج- خارج الدائرة اللعينة.. كل الطرق والأزقة الجانبية قطعوها يحملون العصي وكل أنواع ألا سلحه. لم يستثنوا النساء من الضرب والركل!
الوقوف أمام الجماهير في قلب الشارع الملتهب، ساعد علي الصمود وزاد الاشتعال- العدو أمامهم والبحر خلفهم- انجلى المعدن الأصيل وزاد لمعانه..
تحول الموقف إلى انتفاضة عظيمة انداحت من قلب الشارع الملتهب لتعم المدن الأخرى والأحياء السكنية مساءا رغم انقطاع التيار الكهربائي.
كنا هناك في تلك الليالي، وكان النور غير موجود.. والعسكر كانوا هناك، والحرامي أيضا كان يتربص بنا- لو كان ينزف لدلنا إلى مكانه.
كنا نرى الوطن كبدر التمام،هتافات الشباب وهم يجوبون شوارع الأحياء،كانت تعلن عن بداية العرس.. عرس الوطن الكبير..
يا وطن، مثل عسل النحل، ريحك طيب،وطعمك عذب،وحلاوتك صادقة،بين الأوطان؛اخضر طويل وقيافة.
*
اللحظة التي يقرر فيها المرء الخروج للشارع للتعبير عن رأيه الآخر بشكل علني دون الخوف من المخاطر، هي لحظة تسبقها أخريات، وتسبقها عذابات وجراح وصبر حتى يبلغ الذروة ، تماما مثل الذي يتسلق الجبل ليبلغ القمة بعد جهد ومعاناة، ذلك الحال هو حال بلوغ كل الذرى والقمم..
الذي يبلغ ذاك العلو لا يحس بالمعاناة التي مر بها منذ البداية حتى الوصول، لان إحساس جديد يتولد عنده، إحساس بالنصر يعطيه دافع قوى ليعمل علي المحافظة علي ما حقق.
ذلك الحال هو حال الانتفاضة، كنت أتمنى لو استمر نفس وصوت الانتفاضة يسعى بين الناس ليروا أعماله بينهم يستمدوا منها الحماس.كنت أتمنى لو استغل الحماس في تنمية حقيقية، بعد أن وضع المؤتمر الاقتصادي لبنات مهمة جدا.
خاصة توصية منح إجازة بدون مرتب ، انعكست بشكل مباشر علي أولئك الذين كانوا في الشارع يهتفون ويواجهون الموت، مثلها مثل توصية امتلاك المؤسسات والشركات والبنوك وسائل نقل جـماعية خاصة لموظفيها وموظفاتها لتضيف إسهاما فاعلا في حل مشكلة الموصلات.
كان صوت الانتفاضة وصداه كصوت الجوقة الموسيقية التي تعزف نشيدا وطنيا، أمام الجميع علي المسرح، فجأة والفرقة في قمة انسجامها في العزف اختفي الصوت، وبدأ كأنهم يهرجون. رغم أن عزفهم كان ارتجاليا بدون مايسترو يقود الجوقة، إلا انه كان جـميلا لانه طبيعي وتلقائي.. رويدا .. رويدا أسدلت الستارة واختفت الفرقة أيضا- جاءت السكرة وضاعت الفكرة!

بقادي الحاج أحمد
جدة
صيف 2002م


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved