مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الفيدرالية بين استيعاب التنوع واضعاف الوحدة( الجزء الثانى) بقلم محمد يوسف حسن-Brussels

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/17/2005 8:59 م

فى الجزء الأول من هذا المقال، الذى تم نشره الاسبوع الماضى، أوضحنا أن نظام الحكم الفيدرالى يهدف الى تحويل التنوع الى تناسق والمشاركة فى أفضل ممارسات الحكم. وسنستعرض فى هذا الجزء التجارب لبعض الدول التى طبقت هذا النظام حسبما جاء فى كلمات ومداخلات روساء الدول والحكومات وممثلى المجموعات الفيدرالية فى المؤتمر الدولى الثالث للفيدرالية الذى انعقد فى بروكسل فى 3- 5 مارس الماضى.
تحدث وزير التعاون التنموي البلجيكي والذي أشار إلى نجاحات الأنظمة الفيدرالية في العالم خاصة بعض الدول النامية وأشار إلى أن اتفاقية السلام في السودان ما كان لها أن تتم لولا الاشتراط بمزيد من الحكم الذاتي وإقرار حق تقرير المصير بعد ست سنوات. وتوقع أن تتم معالجة مسألة دارفور بمنح مزيد من صلاحيات الحكم الذاتي للإقليم .
وتحدث وزير إقليم كويبك الكندي الذي أكد أهمية الحكم الفيدرالي لأنه يمكن الجميع من العمل سويا ويحقق الازدهار ويسمح للمجموعات المختلفة من الاحتفاظ بهوياتهم دون هيمنة البعض عليها، وهو ما أتاح للجماعات الناطقة بالفرنسية والإنجليزية والسكان الأصليين من العيش سويا . كما أشار إلى أن أهم خصوصيات النظام الفيدرالي هي المرونة في ظل حكم القانون . وأكد على ضرورة حماية التنوع الثقافي واللغوي الذي تتمتع به كندا . وتساءل لماذا لا تستطيع هذه الوحدات الفيدرالية من لعب دور على المسرح الدولي في حين تلعب المنظمات هذا الدور!
كما تحدث المستشار النمساوي عن تجربة بلاده التي طبقت النظام الفيدرالي منذ 60 عاما وأكد على ما ورد من إيجابيات ولكنه حذر من المخاطر التي تصيب النظام عندما تسيطر الاهتمامات المحلية للوحدة الفيدرالية على الاهتمامات الوطنية كالسيطرة على الموارد . كما يرى أن النظام الفيدرالي قد يهدف من ورائه إبعاد الوجه السلبي للهويات كما أشار إلى أن المواطنين يودون أن يشعروا بالأمن والاطمئنان فى حالة العيش خارج مناطقهم .
وفى استعراض التجربة الاثيوبية قال رئيس البرلمان الاثيوبى أن الدولة الأثيوبية بنيت علي ضم أقاليمها المختلفة بالقوة في عهد الإمبراطور منليك الثاني 1889- 1913 وتجاهلت ثقافة ولغة وتاريخ وتقاليد ومعتقدات سكان تلك المناطق وكذلك فعل الإمبراطور هيلاسلاسي الذى اهتم فقط بملاك الأراضي واعقب ذلك نظام منقستو هايلا مريام الذي أقام نظاما ماركسيا وضع بموجبه كل السلطات في يده الأمر الذي ووجه بمقاومة من حركات التحرير المتعددة حتى عام 1991م حيث أمكن تكوين حكومة انتقالية مدنية. وأفاد مولاتو أن أثيوبيا تحتضن اكثر من 60 اثنيه مختلفة. وأشار إلي مؤتمر السلام والوفاق الذي انعقد في يوليو 1991م وشاركت فيه الا ثنيات كافه. وتم خلاله إجازة ميثاق انتقالي اعتبر بمثابة دستور انتقالي. كما أمن فيه على حق تقرير المصير للشعوب والجنسيات المختلفة في أثيوبيا.أضاف إلى إقرار تنظيم انتخابات إقليمية ومحلية على أساس عرقي. أن أثيوبيا أصبحت دولة فيدرالية منذ21أغسطس 1995 حيث منح النظام الفيدرالي في أثيوبيا السلطات للجنسيات والشعوب التي كانت مضطهدة خلال فترة الحكم المركزي. كما أن الوحدة في أثيوبيا قائمة على أساس طوعي اختياري وينص الدستور علي اقامة نظام ديمقراطي يحترم الحقوق الأساسية للفرد ويعمل علي تطوير ثقافته وعقيدته دون تمييز. وأشار إلى إشراك الحكومات الإقليمية في عملية اتخاذ القرارات القومية. وأن الحكومة الاتحادية تشرف علي شئون الدفاع والخارجية ووضع السياسات المالية والاستثمار الخارجي . فيما تشرف الولايات التي يبلغ تعدادها 9 على الخدمة المدنية وصوغ القوانين الخاصة بالعمل والنظام العام وادارة الشرطة المحلية ووضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والمالية الخاصة بها .
ودعا الجنرال اوباسانجو رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية الي عدم التقليل من أهمية الخاصيات والتجارب التاريخية والديناميكيات المحلية وتأثير النظام الدولي علي الهيكل والمشاكل التخديمية والتناقضات ونجاحات الترتيبات الفيدرالية. واشار اوباسانجو الي ان الفيدرالية في الغالب يقصد بها تطور الفهم والتناغم والسلم والحكم الرشيد والمساواة في توزيع أو تخصيص الموارد ولتأكيد مسالة المراجعات والموازنات checks & balances وقال أنه اذا لم يتم مراعاة الترتيبات الفيدرالية بصورة جيدة فان ذلك يؤدي الي تنمية مختلة والي عدم العدالة والي القمع والشكوك والعنف وعدم الاستقرار بل قد يفضى الي الحروب. ويرى كذلك ان الفيدرالية الضعيفة يمكن ان تغذي الحركات الانفصالية وتقود الي الانقلابات المضادة والى حالة لانهائية من الغليان السياسي والي أنهاك او تفكيك الروابط السياسية. وأشار الى أهمية الشخصية القيادية فى معالجة المسائل التي تقود الي الانقسام والشك وعدم الاستقرار علي كل المستويات بعدل وبأمانة وغير انحياز. وقال ان الديمقراطية ينظر أليها كجزء من عملية بناء الأمة وهذه نفسها قد ألقت بعدد كبير من المتناقضات والتحديات.وتحدث عن تجربة نيجيريا حيث أوضح ان المقاومة كشفت عن تناقضات غير مسبوقة وتحالفات سالبة وسحب للتأييد من الحكومة وعن صراعات وحرب أهلية انفجرت في عام 1967 واستمرت ثلاثون شهرا سقط خلالها مليون شخص ولهذا فان الفيدرالية النيجيرية قد ولدت من رحم الصراع والاحتراب والمقاومة والتفاوض وفي هذا المشوار قويت واصبحت جزءا من السياسات الوطنية . ان النظام الفيدرالي في نيجيريا يعطي عناية للتنوع الديني والاثني والثقافي ويعترف ، علي الرغم من وجود اكثر من 350 لغة ولهجة بان يستوعب في النظام السياسات التي تاكد ان القوميات المختلفة والجماعات الدينية المتعددة تشعرانه قد تم تمثيلها في المركز وتم الاعتراف بها كجزء من المساواة السياسية. يجب ان يكون هناك توازن يقتضي تمثيل كل ولاية وانه ليس هناك تهميش لاي طرف من اطراف الوطن .
وبهذه الطريقة فان عددا من الصعاب في التمثيل والمشاركة والمساواة تم تذليلها . ان أي وحدة فيدرالية يمكنها ان تتخذ الاجراءات القانونية اذا شعرت بالتهميش اوالابعاد. ان الترتيبات الفيدرالية ليست ثابته فعناصر الدفع فيها دائما متغيرة فالمواطنون يبنون تحالفات جديدة وهويات وعلاقات . والمطالب والتوقعات تتغير دائما والصراعات والتناقضات تبرز لفترة، فاما ان يتم معالجتها اوتختفي بنفسها وهذا يعني لكي يقوم النظام الفيدرالي بالعمل بصورة سليمة ان يكون مرنا يشجع الحوار والتسوية ويبني الإجماع . وايلاء اهتمام للمجموعات غير الممثلة والاقليات والمناطق التي تشهد ضعفا في التنمية لتحقيق مستوي متقارب . وعلي الحكومة الفيدرالية ان تكون قادرة علي استخدام مفوضيات خاصة اومشاريع لمعالجة عدم التوازن الموجود .

في مستهل كلمته أمام مؤتمر الفيدرالية أشار رئيس برلمان جمهورية الكنغو الديمقراطية إلي أن الكنغو بصدد وضع دستور ديمقراطي بعد سنوات من الحرب الاهلية والتمزق مفيدا بان 3 مليون من الكنغوليين أصبحوا نازحين فيما بلغ عدد اللاجئين في الدول المجاورة حوالي مليون لاجئ . وهناك مئات الآلاف من الأطفال تم تجنيدهم في المليشيات المختلفة. وتحدث السيد وقال أن الكنغو في فترة الاستعمار كانت مقسمة إلى 6 وحدات إدارية تختلف من حيث التكوين والأهمية وأن الدولة الكنغولية تبنت بعد نيلها الاستقلال مباشرة نظاما فيدراليا ديمقراطيا برلمانيا. غير أن هذه التجربة أجهضت مبكرا بسبب مناداة أهالي اقليمي " كاتنقا " و " جنوب كاساي " عام 1960م بحق تقرير المصير. وهو وضع أدى إلى مواجهة بين رئيس الوزراء المنتخب آنذاك باتريس لوممبا ورئيس الجمهورية جوزيف كاسا والذي انحاز للانفصاليين. وذكرأن نظاما رئاسيا أقيم في الكنغو عام 1964م وزاد عدد المحافظات في هذه الفترة من 6 إلى 21 محافظة . وأضاف أن انقلابا عسكريا وقع عام 1965م ألغى آليات اللامركزية وأقام نظاما مركزيا قلص بموجبه المحافظات من 21 إلى 8 محافظات وأدى إلى خلق هوة بين سكان المدن والريف والعاصمة والمحافظات. وأشار الى الاصلاحات التى أجريت عام 1998م لاتخاذ اللامركزية كمنهج للحكم غير أن هذه الإصلاحات لم يتم تطبيقها على أرض الواقع.

وتحدث النائب الأول السيد على عثمان محمد طه عن ان الحكومة ظلت تبحث منذ فترة عن ما هي افضل الخيارات لحكم بلد في مثل حجم السودان متعدد الثقافات والاثنيات، نظام يعمل على إزالة الفوارق في التنمية ويحقق العدل والمساواة ويلبي طموحات مواطنيه كافة. واستعرض تجربة الحكم الإقليمي في الجنوب في الفترة 1972- 1983م . كما تناول الوضع الدستوري الخاص بإنشاء 9 ولايات كخطوة في طريق اقامة نظام حكم فيدرالي. والاستمرار على هذا النهج بإنشاء 26 ولاية عام 1993م واعتماد نظام فيدرالي يعطي صلاحيات أكبر للولايات . وتم في هذه الفترة أيضا إنشاء 137 محلية. واستمر هذا الوضع حتى يناير 2005م تاريخ التوقيع على اتفاقية السلام الشاملة. وقدم النائب الأول في كلمته شرحا مفصلا عن اتفاقية السلام الشاملة وما ورد فيها من تقسيم عادل للثروة والسلطة وتوفير نظام قانوني ودستوري وإجرائي يحقق تفاعل الوحدات المحلية. وأضاف أن هذا النظام استهدف في المقام الأول إزالة الفوارق والمساهمة في خلق تنمية اجتماعيه واقتصادية مستدامة تستأصل الفقر وتتيح الفرصة للوحدات المحلية للمشاركة في القرارات والخطط الخاصة بها. ووصفه بأنه نظام يستهدف تحديث إدارة الموارد المالية واللامركزية ، ويعمل على تطوير مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في عملية التنمية. كما أنه يعمل علي تمكين الشفافية وروح المسئولية من خلال جعل القيادات المحلية مسئولة أمام الوحدات التي تتبع لها، نظام يخلق مناخ ملائم للاستثمار ويرفع من مستوى الإدارة العامة للمؤسسات المختلفة. وأشار السيد النائب الأول إلى أن اتفاقية السلام الشاملة وفرت قاعدة صلبة لحل مشاكل أخرى في دارفور وشرق السودان.

ثم تحدث العقيد جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان موضحا أن لموضوع الفيدرالية علاقة بالاتفاقية الشاملة للسلام غير انه أفاد بأنهم وخلال المفاوضات لم يستخدموا أية كلمة تدل علي طبيعة النظام الذى توصلوا إليه كصيغة مشتركة لحكم البلاد في المرحلة القادمة. وقال انه فى مفاوضات السلام التى جرت فى ابوجا قبل عشرة سنوات طرحت الحكومة الفيدرالية خيارا للحكم ولم تقبل به الحركة الشعبية وطرحت الحركة الكونفودرالية فرفضته الحكومة ثم اقترحت الحكومة النيجيرية المضيفة فيدرالية حقيقية تم رفضها من الحكومة والحركة. واتهم قرنق الأنظمة الموروثة عن الاستعمار في أفريقيا بأنها تجاهلت الدخول في عقد اجتماعي مع شعوبها وبحثت عن مصالحها الخاصة وهو الامر الذي نتج عنه كثير من الحروب الأهلية والفوضى. وقال أن هذا النهج يمكن ان يؤدي الى اعادة النظر في الحدود التي رسمها الاستعمار من اجل مواجهة تحديات التنمية في القرن الواحد والعشرين. وقال قرنق ان الحكومات التى تعاقبت منذ الاستقلال لم تمثل مصالح المجموعات العرقية والاقاليم المختلفة. وأوضح قرنق كيف استطاع المفاوضون في نيفاشا التوصل إلى اتفاق بشان خمسة موضوعــات معقـدة هى حق تقرير المصير وقوانين الشريعة الإسلامية والمشاركة في الحكم وتقسيم الثروة والترتيبات الأمنية. ثم اشار الى برتوكول مشاكوس الذي وقع في يـوليو 2002م وقال إنـه تم خـلاله اعتماد أنموذج " دولة واحدة بنظامين " نظام علماني في الجنوب واسلامى ثيوقراطي في الشمال . وأضاف قرنق أن بروتوكول مشاكوس عالج موضوعي قوانين الشريعة الإسلامية وحق تقرير المصير. وأكد على أن نجاح التجربة في استيعاب التنوع هو المقياس الحقيقي لبقاء السودان موحدا. وقال جون قرنق أن حكومات الولايات في الشمال والجنوب ستتمتعان بقدر كبير من الاستقلالية. وأضاف أن السلطة والسيادة سيتم تقاسمهما بشكل واضح بين الشمال والجنوب وبين الولايات نفسها وأن هذا النظام يحفظ بالفعل حقوق المواطنين كافة باختلاف مجموعاتهم العرقية والدينية المنتشرة فى بقاع السودان المختلفة. وأفاد قرنق أن الموضوع الرابع الذي عالجته اتفاقية السلام الشاملة هو موضوع تقسيم الثروة . وأكد أن الاتفاقية زودت حكومة الجنوب بثلاثة مصادر للدخل هى 50% من عائدات البترول المنتج في الجنوب و50% من العائدات غير البترولية في الجنوب إضافة إلى عائد الضرائب التي تتحصلها الحكومة في الجنوب . واضاف أن الاتفاقية أعطت حكومة الجنوب الحق في توقيع اتفاقيات دولية وإقليمية مع الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية في مجالات الثقافة والرياضة والتجارة والاستثمار والقروض والمنح والعون الفني. وأضاف قرنق أنه وفي ذات الإطار تم الاتفاق على إنشاء قيادة عسكرية مشتركة لتدريب الوحدات المشتركة وكذلك القوات المسلحة لكلا الطرفين. وقال أن الوحدات المشتركة ستكون النواة لجيش المستقبل الموحد إذا ما كانت نتيجة الاستفتاء هي تأكيد الوحدة .

ولكن بعد استعراض كل هذه التجارب يبقى السؤال المهم: هل يستطيع أبناء السودان من الاعتبار بتجارب غيرهم وسلك طريق الحوار بدلا عن صراع الثيران فى مستودع الخزف بين أطراف النزاع؟ ولماذا يريد كل طرف لي ذراع الطرف الآخر لسماع كلمة "الروب"؟ وهل يجلب هذا الصراع الذى لا تعرف له أجندة ثابتة ولا سقف محدد منفعة عامة للمواطنين، وهم يموتون بالآلاف كلما تطاولت هذه الحرب ربما لتؤمن للمتحاربين فرصة كسب وزارة هنا أو منصب هناك لا يعيد لمن فقد روحه فى الحرب الحياة من جديد؟! وهل نستطيع بناء منظمات سياسية قادرة على استيعاب متطلبات النظام الفيدرالى أم نستمر فى الأغنية الحزينة القديمة بأنظمة شاخت ليس لها من هم الا التبضع فى بلاد الآخرين والاستنصار بالانس والشياطين؟!


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved