(محاذير بدائية) بقلم الطاهر ساتي

(محاذير بدائية) بقلم الطاهر ساتي


12-03-2018, 02:22 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1543843331&rn=0


Post: #1
Title: (محاذير بدائية) بقلم الطاهر ساتي
Author: الطاهر ساتي
Date: 12-03-2018, 02:22 PM

01:22 PM December, 03 2018

سودانيز اون لاين
الطاهر ساتي -الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




:: الحمد لله على كل حال، وقدُر الله وما شاء فعل، فالسبت كان يوماً مؤلماً وصادماً، ليس فقط لأهل أمدرمان وتُجارهم، ولكن لأهل السودان جميعاً.. فالحدث المؤلم هو حريق سوق أمدرمان.. والسلطات المحلية، كما عجزت عن تنظيم السوق قبل الحريق، عاجزة أيضاً عن تحديد حجم الخسائر، بحيث يطلق كل مسؤول رقماً (من رأسو)..ولكن عند من يعرفون قيمة الأشياء، فان سوق أمدرمان ليس محض متاجر للتجارة، بل كان من المناطق الأثرية و المزارات السياحية.. فالسوق أقدم وأعرق أسواق بلادنا، بحيث يعود تاريخ تأسيسه إلى قرنين من الزمان أو أكثر، أي بعمر المدينة التاريخية والعاصمة الوطنية (أمدرمان)..!!

:: وكما تشهد متاجر السوق وأزقتها وشوارعها تنوع أهل السودان حالياً، كانت ذات الأزقة والمتاجر تشهد سابقاً تنوع الأجناس المختلفة، ولم يكن مدهشاً أن يجاور دكان الهندي دكان اليماني، وأن يكون دكان اليهودي مجاوراً لدكان المصري، وبينهم أقباط السودان وكل أعراق وقبائل السودان .. وبهذا التنوع الفريد، قبل أن يكون مكاناُ للبيع والشراء، كان سوق أمدرمان مزاراً للأجانب، وجاذباً للسواح طوال أزمنة السودان الخضراء، أي قبل عهد الرماده ..!!

:: ولكن مثل الكثير من الأشياء التي فقدت رونقها، فقدت أسواق أمدرمان أيضاً رونقها و(قيمتها الأثرية)، وتكدست بالفوضى التي ترعاها السلطات الحكومية مقابل (الربط المقدر).. وليس مهماُ إغلاق شوارع السوق بالترابيز والصناديق لحد عجز عربات المطافئ عن السير فيها، طالما أصحابها يدفعون رسوم الفوضى للمحلية ..وليس مهماً التكدس لحد تراكم المتاجر فوق بعضها لحد فشل شرطة المطافئ عن السير فيها، طالما اصحابها يدفعون رسوم التكدس للمحلية .. فمن نسميهم بالمسؤولين بالمحلية والولاية، عندما احترق السوق خرجوا يحاضرون الناس عن الفوضى، وتناسوا أنهم رعاة الفوضى..!!

:: وليس سوق أمدرمان فحسب، بل كل الأسواق بكل مدن السودان، وكل الشوارع، وكل الأشياء في بلادنا، ما هي إلا مرتع للفوضى التي ترعاها السلطات مقابل المال .. ادفع ثم افعل ما تشاء، شعار المرحلة.. ولذلك تحيط بنا مظاهر الفوضى، ليس في الأسواق فحسب، بل في كل مناحي الحياة ..وقديما قالوا إذا أردت أن تعرف مدى تحضر أي مجتمع، فانظر إلى أنديته وما فيها من أنشطة.. وإلى شوارعه وما عليها من لافتات ومحاذير.. وإلى مجالس أهله، وما هم فيها يتحاورون.. وإلى صحفهم، وما تحملها من حوداث وقضايا..و إلى أمراضهم وأسبابها.. وإلى مستوى النظافة في مركباتهم العامة..وإلى صالات المطارات والموانئ.. !!

:: وإلى الاسواق و تاكسي المدينة و.. و.. تلك وغيرها، لوحات ناطقة بلسان حال المجتمعات وسلطاتها.. وأياً منها تكفي لكشف عقل المجتمع والحكومة ..إن كان عقلاً قابعاً في القاع على ركام الجهل، أو كان عقلاً محلقاً فوق القمة بأجنحة الوعي .. وليس الأهل بسوق أمدرمان فحسب، بل لاتزال كل مجتمعات بلادنا بحاجة إلى محاذير بدائية من شاكلة تنظيم الأسواق وفتح شوارعها والتحسب للحرائق بفتح المسارات، فالمجتمعات بحاجة إلى مثل هذه المحاذير التقليدية رغم أنها لاتعيش في القرون الوسطى.. وما لم تتعظ لجان الأسواق الأخرى وتنظم أسواقها، والتي لا تقل تكدساً وفوضى عن سوق أمدرمان، فلن يكون هذا الحريق الأخير ..!!



fb