كتاب المورد للصف الخامس الإبتدائي : مورد أم مهلك ! بقلم بشير أبوسن

كتاب المورد للصف الخامس الإبتدائي : مورد أم مهلك ! بقلم بشير أبوسن


10-13-2018, 03:40 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1539441642&rn=0


Post: #1
Title: كتاب المورد للصف الخامس الإبتدائي : مورد أم مهلك ! بقلم بشير أبوسن
Author: بشير أبوسن
Date: 10-13-2018, 03:40 PM

03:40 PM October, 13 2018

سودانيز اون لاين
بشير أبوسن-ربَك-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




(ربَك : 9th. July 2018)



لنتفقْ باديء ذي بدء على أنه عندما يصل إلى سدة الحكم نظام له أيديولوجيا ما تحدد موقفه من العالم حواليه وفقاً لنظرتها للإنسان فإنه - و هذا مما لا شك فيه و من حيث أنه نظام يتبنى أيديلوجيا - سيسعى إلى إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع عن طريق إعادة صياغة قيمه و مفاهيمه وفقا لما تمليه توجهات الأيديلوجيا المتبناة. و إعادة الصياغة الإجتماعية هذه لا تهدف -مهما أُدعيَ غير ذلك - إلا لإطالة عمرها أطول وقت ممكن في كرسي الحكم ، و الأيديلوجيا من حيث أنها أيديلوجيا تنبني أساسا على هذه الرغبة و إن تطلب الأمر هدم المجتمع المراد إعادة صياغته و تشكيله هدما كليا و نحن نعني هنا الهدم بمعنى هذه الكلمة.

و لنتفق ثانياً على أن التعليم بكل أدواته و وسائله أحد تلك السبل و الأكثر مقدرةً على إعادة صياغة و تشكيل المجتمع التي تستخدمها الأيديلوجيا جاهدةً لإنتاج أجيال [ نقول هنا إنتاج لما بات لهذه الكلمة من دلالات صناعية مادية] خانعة لما تمليه عليها الآيديلوجيا الحاكمة و يعلم الجميع أن الأيديلوجيا -و دوما من حيث أنها آيديلوجيا- تقوم أساسا على منع و من ثمّ قتل التفكير الشخصي الخلاق و التواق دائما للخروج من كل الأقفاص المعدَّة مسبقا للتحكم فيه.

و لنتفق ثالثاً على أنّ النظام الحاكم الآن في السودان و منذ منتصف عام 1989 نظام آيديلوجي بكل دلالات الكلمة و لأنه كذلك فمتوقَّـعة منه رغبته في إحداث ذلك التغيير الجذري في المجتمع و إن تشوه ذلك المجتمع تماما و لم يعد مجتمعاً مجتمِعاً حتى، و متوقَّـع أيضا سعيه للتحكم في كل سكنات و حركات المجتمع و لذلك فإن التعليم ما كان له أن ينجو من قبضته و هو الأكثر مقدرة على حشد الناس و تعبئتهم لتلبية شعاراته و أهوائه ليبدو(أي النظام) و كأنه مرتكز على قاعدة متينة من طموحات و آمال الشعوب.

إن أحد أهم الأغراض من التعليم الحديث [ و لننسى الآيديلوجيا الآن] لا شك سيكون خلق جيل قادر [نستخدم هنا كلمة خلق بديلا لكلمة إنتاج] على المشاركة بفعالية في تحول المجتمعات التي يعيش فيها و ترقيها دائما؛ مشددا على القيم و المواقف و المسالك التي تعلمه(أي الجيل)العيش المشترك في عالم بات أكثر تنوعا و تعددا، رابطا كل ما يتلقونه من معارف بحقوق الإنسان، قاضياً على العنف الثقافي و الهيمنة الثقافية المؤسَّسة خاصة في البلدان متعددة الأديان و الأعراق و اللغات. [في عام 1960 إعتمدت اليونسكو إتفاقية بشأن مكافحة التمييز في التعليم و في عام 1997 أصدرت أيضا مجموعة من المواد التعليمية بعنوان التسامح عتبة السلام (بالإنجليزية ) ].

إن المدرسة [ و فقط بالمعنى الذي بات لها اليوم] كيان حديث يودي وظيفة بالغة الأهمية في كيان آخر هو الدولة الحديثة[و لأننا لا يمكننا أن نعد السودان دولةً بلهْ دولةً حديثة فسنطلق عليه هذه الصفة مجازاً ليس إلا] ففيها سيتم - إضافةً إلى أمور أخرى - و بصورة مكثفة تكوين الهوية الوطنية (و يلاحظ هنا ربطنا للهوية بمفهوم الوطن) التي تتكفل فيما بعد بضمان الحفاظ على كل مكتسبات الأمة و العمل جاهدةً من أجل إرساء و تأصيل القيم الحديثة خاصةً ثقافة السلام. [نقول حديثة لأنها فرضت نفسها بقوة في هذا العصر مما بات إغفالها يعني عزلة تامة عن العصر و حبسا إختياريا في مستنقعات التخلف عن ركب الحضارة ].
تجي أهمية المدرسة الإبتدائية أو الأساسية من كونها المرحلة الأولى لتلقي أصول القراءة و الكتابة في عملية تراكمية بنائية من شأنها التأثير مستقبلاً على التلاميذ ؛ ففيها تتكون شخصيتهم حيث من خلالها يتبنون -أو على الأقل يتصورون- علاقتهم مع المجتمع من حولهم: المحلي و العالمي.


ــــــ

المورد هو الكتاب المخصص لدروس اللغة العربية للصف الخامس الإبتدائي، و يقع في 241 صفحة و الذي بين يدينا الآن هي الطبعة الثانية المنقحة ( عام 2005) المُعد -كما تقول الصفحة الأولى منه - بلجنة مكلفة من المركز القومي للمناهج و البحث التربوي و مُراجع بدكاترة و أساتذة و تربويين. صحيح أنّ المؤلفين لهذا الكتاب كانوا آملين في أن يجد التلاميذ فيه "ما يعينهم على تنمية مهاراتهم اللغوية " و متخذين من النصوص " محوراً تدور حوله كل الأنشطة اللغوية التي تنمو بها مهارات التلاميذ اللغوية" ؛ لكن لا يمكن أبداً إغفال تلك الرسائل المراد توصيلها عن طريق المواضيع المختارة دروساً، فمن خلال تصفح الكتاب و الإطلاع على محتوياته و بإعفاء البحث حتى عن قراءة ما بين السطور فإنه يمكن ملاحظة ذلك الآثر الذي تريد سياسة التعليم أن تضعه على أذهان الأجيال الحالية و اللاحقة و خيالاتهم؛ خاصةً إذا علمنا أن المحتويات لم ينلها تطوير يذكر لعقود من الزمان. و يمكن إدراج جميع تلك الملاحظات تحت نقطتين أساسينين:

⑴ النزعة الحربية التعبوية:

إحدى الأسس العامة لتأليف كتب المرحلة الثانية (كما ورد بالصفحة .أ.)التي ينتمي لها هذا الكتاب هي "التكامل في المحتوى بين محور اللغة العربية و المحاور الأخرى : الدين،الرياضيات،الإنسان و الكون. . ."
لكن بدا جلياً أن محور الدين ذاك - المراد التكامل معه من خلال اختيار موضوعات ذات صلة به و خاصةً السيرة النبوية يتم على ضوئها تلقي التلاميذ لدروس اللغة العربية- قد تعرض لعملية إحضار و تغييب واضحة و بدون حذر يمكننا أن نضيف و مقصودة.
فما تمّ إحضاره من الدين[نتحدث هنا عن الدين كما قصده مؤلفو الكتاب]كان الشق التدافعي (الصراعي ) أو بكلمة أخرى التاريخي منه الذي تم إسقاط لحظته التاريخية عن قصد و تمريره على كل الأزمان مسقَطة بدورها اللحظة التاريخية الحاضرة عند تلقي التلاميذ هذا الشق منه . و ما تم تغييبه كان الدين بشقه الروحي الإنساني المايل للتعمير و السلام و <كلكم لآدم>. على أن هذا التغييب و الإحضار يجد معناه عندما نعلم أن الدين تم إتخاذه أيديلوجيا : تغتصب السلطة باسمه و يقتل الناس باسمه و يخضع الآخرون به ، و لذلك كان لابد من ضمان الأجيال القادمة كجنود له أي الدين المؤدلج الرسمي الحاكم،عندها يزول العجب من كون صفحات الكتاب كانت في حالة طواريء متواصلة.

لقد أُختزل الدين- و الدين المعني هو الاسلام و فقط الإسلام- بصورة شبه تامة إلى محض معارك و عبارات محرفة بصورة سيكون الفكاك منها صعباً كالفكاك من قبضة الأيديلوجيا ذاتها.
و لنضرب أمثلةً من الكتاب على ما نقول :
في (ص 22) كان الموضوع المختار هو < الصراع بين المسلمين و اليهود> هكذا؛ و من العنوان فقط يمكننا أن نشتمّ رائحة الآيديلوجيا فهي تريد حسم هذا الموضوع مبكراً جدا و من الصف الخامس !
يمكننا أن نقول بدايةً أن موضوعا كهذا أثقل من أن يتلقاه أطفال صغار ما زالوا في مرحلة تعليمهم المبني و المعرب من الأسماء تتراوح أعمارهم بين التاسعة و الحادية عشر، أضف لذلك أن كتب التعليم ليست مكانا مناسبا ليتعرفوا فيه على ذلك (الصراع) أو لأي موضوع مشابه . فموضوع بهذا الثقل مكانه الندوات السياسية و قاعات البحث المختصة و أروقة الوزارات الفارهة. و الدرس مليء بما لايمكن غض الطرف عنه من إيحاءات، فلئن كنا وضعنا كلمة الصراع بين مزدوجين فلأننا نعلم جميعا أن تلك العلاقة بين اليهود و المسلمين لم تكن صراعا دائما طوال التاريخ و إن وصلت الآن إلى أوج التطرف من الطرفين فإن هذا يعود إلى أسباب ليس كتاب المورد (للصف الخامس الإبتدائي و للغة العربية ) محلها المناسب .
إن العنوان فقط يشير إلى ما نقصده: فالعلاقة صراع ، و الطرفان : المسلمون و اليهود ، و الكلمات الثلاثة وردت بألف و لام التعريف مما يعني إستمرارية هذا الصراع و يعني إحتوائه لجميع المسلمين و جميع اليهود ، مما يعني و بكلمة أخرى : كل مسلم و يهودي متصارعان بضرورة إنتمائهما : الإسلام و اليهودية . رغم إن نص الدرس كان العلاقة بين الرسول(ص) في طور إنشائه مجتمعه الجديد في المدينة و بين يهود يثرب المتمثلين ببطونهم الثلاث: بني قينقاع و بني النضير و بني قريظة . فليس اليهود هم فقط من قاوموا الرسول و لم يعاملهم الرسول المعاملة تلك فقط لأنهم يهود. و هكذا و كما وجدنا أسئلة الدرس في عقب الموضوع تتحول مفردةُ "المسلمين" إلى مفردة "العرب" :
(كيف عامل اليهودُ العربَ في فلسطين؟)
(هل تذكر إعتداءات اليهود على العرب؟)
و عندما يجاوب الطلاب هذين السؤالين يكونون عندها قد تبنوا أحد شعارات الأيديلوجيا الحاكمة و بصورة لاشعورية. لنمنع أنفسنا عن الإسترسال هنا فهذا مكان غير مناسب لذاك!.

في صفحتين متقابلتين ( ص 37،38 ) ما سنراه و ما سنقرأه سيكون أحد أبرز ما دعوناه بالنزعة التعبوية الحربية بكل معنى للكلمتين و دوما بناءً على الضرب على وتر الدين. الدرس الثامن [تعبير ] و تظهر في منتصف الصفحة لوحة متخيلة لأحد < أبطال المسلمين> حاملاً سيفاً و ممتطيا حصانا، و يقول الكتاب أن غرض التعبير هو <في تاريخ الإسلام قصص كثيرة لبطولة المسلمين و شجعاتهم، أكتب قصة منها>، هذا إذاً ما سيُجهد الطلابُ خزينتَهم اللغوية - التي ما كانت ستكون زاخرة على كل حال- في التعبير عنه ، فتأمل ! .
في الصفحة المقابلة (ص 38 ) صورتان أحداهما دبابة ( و ما أثقل هذه الكلمة لو تدرون) و الأخرى لجندي مدجج بالسلاح و عتاد الحرب. ألا يمكننا أن نقول و من ورائنا علماء النفس لماذا تسمحون لأطفالنا بأن يروا مثل هذه الأشياء ؟ و أين ؟ في كتاب مدرسي .!
كان الدرس هذه المرة - و هو الدرس التاسع من دروس الكتاب- قصيدة <صرخة لاجيء> و مجددا العنوان يقول و من تلقائه الكثير ، فما الفائدة من أن يحفظ أطفال قصيدةً رديئة كهذه مليئة بمفردات من مثل ( مشردا، مقيدا، أزحف، متمردا، ثورة كبرى، نازح، متشردا، أزلزل الدنيا، . . .)؟ و مكتوبةً بموسيقى - إن عددناها موسيقى- كأهازيج الجنود في المعارك . فلكي تكون هذه القصيدة تعبر عن شخصية الطالب الصغير هذا فعليه أن يكون لاجئا و متشردا راغباً في زلزلة الدنيا و إن كان هو كذلك فلماذا يضيع وقته الثمين في حجرات الدراسة.؟ و التعليل دوما موجود و جاهز : فالأيديلوجيا بنزعتها الدائمة لغسل الدماغ و حشوه مجددا تريد ذلك و مَن هذا الذي يناقش الأيديلوجيا، بمعنى آخر مَن ذا يناقش أوامر الله !

في مطلع الدرس التاسع عشر (وقعة الحديبية )ص103 تقول العبارة الأولى منه :<لقد تابعتم - أيها التلاميذ- خطوات تأسيس الدولة الإسلامية و ما تعرضت له من أخطار و حروب من قِبل أعدائها من المشركين و اليهود . . .> و لربما بدَت هنا جليَّـةً بعضُ الأمور ، فبمنطوق العبارة فإن التلاميذ إذاً داخلون في سلسلة من الدروس التي يراد منها معرفة خطوات تأسيس الدولة الإسلامية. و على الأقل أما كان بالإمكان تأجيل هذا الموضوع إلى المرحلة الثانوية مثلاً ! و بالفعل ففي كتاب التاريخ للصف الأول الثانوي هناك يُدرس تاريخ الدولة الإسلامية ، نقول إن هذا الدرس كان أحد ملامح نزعة التعبئة و العسْكرة المؤدلجة التي يراد منها تعييش التلميذ في جو من المعارك و الإتفاقيات العسكرية و تنميط الأعداء في <مشركين> و <يهود>، و إلا فإنه كان لأي موضوع آخر أن يُتخَذ درساً لمعرفة كيف تُرسم الألف طويلةً (ا) في آخر الفعل الماضي الثلاثي إذا كان أصلُها واواً ، أو كيف تُرسم(ى) إذا كان أصلها ياء.و يمكننا أن نقول الشيء ذاته عن الدرس الحادي و العشرين و الثاني و العشرين. و كذلك الدرسُ التاسع و العشرون المعنْـوَن بـ <الفتح الأعظم> ففي هذا الدرس تقول إحدى العبارات : < خرج رسول الله في عشرة آلاف (مجاهد ) . . .> هكذا و بجرة قلم تتحول صفة الصحابة إلى مجاهدين فقط و تعرفون لماذا ، فلماذا ؟
نطالع في ص 185 موضوعا جديداً و غير جديد في الآن ذاته، معنوناً بـ <نساء خالدات>، و بغض النظر عن النماذج المختارة ، تبقى رائحة الآيديلوجيا و نزعة العسكرة تملأ الصفحات، فالنساء المختارات لم يأتي خلودهن من كونهن أمهات صالحات أو مكافحات من أجل التعليم و لأنه أُعتمد على المخيال الديني فقد رجع إلى تاريخ الإسلام و بالضبط إلى لحظات تأسيسه الأولى لا إلى عهده الذهبي :عهد حضارته. فهن خالدات و لكن لأنهن مجاهدات و أظهرن بأسا شديداً في القتال و لذلك فهن يصلحن دوما قدوةً و مثالاً لفتيات القرن الحادي و العشرين عصر العلم و التكنولوجيا !
لا نقول أنهن غير خالدات أو نسعى للتقليل من شأنهن و لكن نرى أنه يمكن أن تُعكس صورة أخرى و جديدة للخلود. على الأقل سيفهم الصغار أن الخلود لا يأتي بالسيف فقط، بل أيضا بمشاركة الجماعة في التعمير و رفعة المجتمع بل و بضرب أمثلة عصرية و قريبة من عيون التلاميذ. كان هذا الدرس ليمر كأي موضوع مؤدلج آخر في الكتاب ، و لكن الرغبة في تعبئة التلاميذ كانت مضاعفة هنا ، ففي أسئلة الدرس نجد قنابل موقوتة مثلاً:
يقول السؤال الخامس و السادس و السابع على التوالي:
-كيف أستقبلت الخنساء خبر إستشهاد أبنائها الأربعة ؟
- [كيف تستقبل السودانيات خبر إستشهاد أبنائهن؟]
- [أذكر بعض المجاهدات السودانيات.]
أترى هل تستحق منا هذه الإسئلة تعليقاً ، و إن إستحقت فماذا نقول ؟ و نحن نرى يد الأيديلوجيا تقبض بشدة على الإجوبة و لن يجد التلميذ بدا من أن ينضم لها - لا شعوريا- إن أراد الإجابة.
و نكفي بعرض الأمثلة من الكتاب.

هكذا إذاً تحولُ سياسةُ التعليم الإسلامَ إلى نازيّـةٍ أخرى أو ماركسية أخرى ، و حولت كتابَ التعليم إلى أحد كتب المغازي الكثيرة ، و من بعده حُـوّل النبيُّ ( ص) المبعوث متمما لمكارم الأخلاق إلى قائد روماني دموي يقاتل و يعقد الاتفاقيات و يفتح المدن ، و كأن سيرته خلت من المواقف الإنسانية الرفيعة التي كان يمكن إستلهامها لتعزيز ثقافة السلام و التعمير و بناء المجتمعات و نهضة الإنسان فنحن لا نماري في فعالية الدين في بث هذه المعاني، و لا يُفهمَـنّ قولنا هذا على أنه مُـعادٍ للتعليم الديني و إن كانت لنا رؤية خاصة ليس هنا محلّ إبدائها.

⑵: (إنتاج) جيل غير سودانويّ:

إضافةً إلى تعليم اللاعنف و التعايش و تقبل الآخرين و غرس ثقافة النقاش و الحوار - و قد كنا عرضنا بعضا من فشل كتاب المورد في تعليم ذلك- فعلى التعليم الحديث أن يسعى جاهداً بكل أدواته و وسائله أن يعكس صورة مشرقة عن البلاد(= بلاد التلاميذ) من أجل خلق فرد لاطائفيّ و لاعنصريّ. فالوطن و فقط الوطن كيان يستوعب - و نتمنى أن نبعد عن التطرف هنا- الدينَ و الطائفة و العرق و اللون.
فتعليم الوطنيّة لا يتم عن طريق تكثيف صور الموت من أجل الوطن بل بتكثيف قيم العيش من أجله و تعزيز الرغبة في صلاحه و تقدمه و تطويره مادياً و معرفياً ، فمن خلال تكثيف ما يظهر جماله و كل دوافع الإنتماء إليه في صفحات الكتاب : تراثه ، إنسانه، تاريخه، أدبه ، دوره الحضاري عندها سينشأ جيل واعٍ بضرورة التفاهم و الحرية و الكرامة مشحوناً بمجده و أساطيره و أهازيجه و رقصاته ليتجاوز و يهزم الخوف و الذل و التخلف.
المقصود بالسودانويّ - و السودانوية مفهوم نسحبه من حقله الأدبيّ الذي وُلد فيه إلى مقالنا هذا - هو ذلك الفرد الذي يعمل بشتى السبل من أجل بلاده (و نعني هنا السودان بالطبع ) متخذا منها غايةً يسعى لتطويرها و تعميرها و ترقيها في مدارج الحضارة من خلال إستلهام ثقافاتها المتنوعة و تراثها الرفيع الضارب بجذوره في التاريخ البعيد و بإستيعاب قيم العصر الجديد و هضم التراث الإنساني العالمي مُرسيا لقيم العدالة و المواطَنة و حقوق الإنسان و حرياته و كل ما يؤدي لذلك. إذاً فعلى السودانوية أن تُغرس غرسا في أذهان الصغار من خلال مناهج التعليم.

و لنعُد الآن إلى المورد ، هل سينجح يا تُرى في خلق هذا الجيل السودانويّ - أو على الأقل الوطنيّ -المنشود ، الواعي بخصوصية بلاده و تميزها بين الأمم.؟
بإستثاء القليل القليل فإن كل مواضيع الكتاب المتخذة دروساً نجدها تشد التلاميذ إلى إنتماء وحيد : الإنتماء فقط للآيديلوجيا الحاكمة و بتعبير آخر سبقَـنا إليه خبيرٌ تربوي موقر فإنّ كل المنهج السوداني للتعليم لا يقول إلا <إنضموا للحزب الحاكم>.
و يمكننا أن نلاحظ أولاً أن كلّ القصائد المختارة جميعها (و هي 13 قصيدة ) ليس من بينها قصيدة واحدة لشاعر سوداني.فتأمل!، و بالتالي فليس فيها ذكر للسودان من أي ناحية من نواحيه.
بل إنه حتى القصائد التي حملت معانيَ وطنية كـ (أرض أجدادي،الوطن،بلادي) فقد ورد فيها ذكر الوطن بصورة فضفاضة غير مخصص بمكان معين، فكأنها أوطان رمزية في مخيلة شعراء القصائد.
مثلاً فالشاعر اللبناني فؤاد البعلبكي كان يتحدث بالضرورة عن بلده لبنان في قصيدته أرض أجدادي و كذلك محمود عبد الحي كان يقصد بلاده لا بلادنا السودان ، و نلاحظ على قصيدة هذا الأخير نزعة التجييش و العسكرة و ليس فيها حتى إنعاكساً لقيمة الوطن في تصور الإنسان له.
بمعنى آخر فإنّ تلك القصائد مجتمعةً لن تسهم في تشكيل صورة للسودان في مخيلة متلقيها التلاميذ فهي تشدهم دوماً إلى شعارات الآيديلوجيا عابرة البلدان تلك.
و يؤسفنا أن نقول -و قد كنا تلاميذ يوما ما- أن منهج التعليم السوداني يبدي مقاطعةً معلنة مع الأدب السوداني.
هذا عن القصائد و الحال ذاته مع النصوص الأخرى، فبإستثناء ثلاثة مواضيع هن السابع عشر و السادس و العشرون و الثالث و الثلاثون فليس هناك وجود لمعنى -إن لم يكن لكلمة- السودان في كل دروس الكتاب الـ 45 درساً. و سنرى أن الدروس الثلاثة تلك -و منها ما يناقض سياسة التعليم ذاتها- ستظل هامشية جداً و بلا تأثير يذكر على مخيلة التلميذ الصغير.


ــــــــ

رجاء لا خاتمة

إننا نريد تعليماً يبني و لا يدمر، يخلق مجتمعا سليماً بقيمٍ إنسانيّة رفيعة تليق بالإنسان من حيث هو إنسان، يعزز الثقة بالنفس و بالآخرين، نريد تعليما مقدرا مكتسبات الأجداد من معارف و علوم، واضعاً نصب عينيه الوقتَ الراهنَ و ضروراته و مستجداته و طرق عيشه المتنوعة و المعقدة، راسماً صورةً مشرقة عن المستقبل في أذهان التلاميذ مستلهماً الماضي المشترك بأمجاده و مآسيه.
و لكن ما يتلقاه التلاميذ - بصورة مباشرة و أخرى غير مباشرة - لا يفعل ذلك بلَه يقوم بالعكس من ذلك، إنه ينتج جيلاً مغذَّياً بصور الحروب و النزوح، جيلاً غير منتمٍ لبلاده، منتمٍ لحيث تشده آيديلوجيا السلطة و هي التي لا تعرف إنتماءاً إلا لنفسها.
لقد أخذنا الموردَ كتاب اللغة العربية للصف الخامس -و بإستعارة لغة الهندسة هنا- شريحةً لمادة التعليم السوداني و أثبت لنا أنه لم يكن كتاب تعليم- (و إن كان يتخذ من كلمة المورد الشاعرية إسماً له )-بقدر كونه كتاب تعبئة يغسل و يحشو دماغ التلاميذ و ينمطهم تماما و يعدهم من أجل تبني الشعارات المطروحة من أعلى. إنه -و بدون أن نخشى تطرفاً من جهتنا- يسدّ الأفق تماماً أمام أيّ محاولة لرؤية العالم بصورة مغايرة مما يعني سد الأبواب جميعها أمام الخلق و الإبتكار و الإبداع(= الغاية الأولى من مناهج التعليم الحديث).
إنّ ما يواجه مسيرةَ التعليم في السودان -و إضافةً إلى أشياء أخرى- هو تطاول يد الآيديلوجيا الحاكمة عليه بمختلف أشكالها مذ رأى النور، فعلى مر تاريخنا الحديث تعرض أكثر من مرةٍ للأدلجة و التحيّـز. فبدون أن ينجو التعليم و يستقل بدوائره أولاً لن نكون قادرين على العيش - و من ثَم الحياة- في هذا العالم المتسارع الإيقاع كما ينبغي على الإنسان بألف و لام التعريف أن يكون. فالتعصب و الأُحادية و الإعتداء و كل ما شاكله من أمور تظل مجرد نزعات فردية في المجتمع و كلنها من خلال التعليم تتحول إلى ثقافة بل إلى ثقافة مجتمعية يصعب التغلب عليها فيما بعد ، و الذي يُغرس في العاشرةِ من العمر لن يمحى بالجودية و بأمي و أمك ، و سيُـدفع ثمنه -و ها نحن ندفعه-غالياً دماراً و إقتتالاً و جهلاً و تفككاً مما يعني إرتدادنا نحنُ أبناء القرن الواحد و العشرين إلى قرون وسطى جديدة كما يُقال بينما العالم من حولنا يخطو خطوته العظيمة منتقلا من عصر الأيديلوجيا الدوغمائي إلى عصر الأبستمولوجيا المنفتح أي عصر المعرفة و فقط المعرفة.

إنتهى.

Post: #2
Title: Re: كتاب المورد للصف الخامس الإبتدائي : مورد أ
Author: زول متمحن
Date: 10-13-2018, 03:53 PM
Parent: #1

ينصرك
كل المناهج مقصود بها اعاد ة صياغة الانسان على اكاذيب الاخوان المسلمين
وبسذاجة ونفاهة وقله عقل وعدم ايمان بالوطن يبذرون سخفا وحقدا وجهلا في عهقول الصغار
قمة النتهازيه والبلطجة واستغلال النفوذ


اتمني يا استاذ ان تواصل في فضح بقية الكنب المدرسية
واعتقد دا حقل خطير ومهم يجب ان يشتغل فيه تربويينا لفضح وسلخة الكيزان