السودان أزمة العقل و السياسة بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن

السودان أزمة العقل و السياسة بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن


07-14-2018, 00:33 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1531524813&rn=0


Post: #1
Title: السودان أزمة العقل و السياسة بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
Author: زين العابدين صالح عبد الرحمن
Date: 07-14-2018, 00:33 AM

00:33 AM July, 13 2018

سودانيز اون لاين
زين العابدين صالح عبد الرحمن-سيدنى - استراليا
مكتبتى
رابط مختصر



ظلت الأزمة السياسية في السودان متواصلة منذ الاستقلال حتى اليوم، و إن كانت في عهد الإنقاذ قد تعمقت أكثر من مثيلاتها في النظم السياسي السابقة، و يعود ذلك لطبيعة النظام الشمولي الأيديولوجي، و النظم الأيديولوجية في التاريخ السياسي هي نظم إقصائية لا تؤمن بالآخر، و بالتالي هي في حرب متواصلة مع الآخر، لأنها تعتقد هي التي تمتلك الحقيقة وحدها و يجب أتباعها، إلي جانب الضعف الذي تعاني منه القوي السياسية المعارضة، و التي ظلت علي بناءتها القديمة دون تحديث و تطوير للمؤسسة، أو تجديد في مشروعها السياسي و الفكري، بسبب عدم التجديد في القيادات و العقليات التي تتعاطى السياسة، و العقليات القديمة لم تتعود علي نقد تجربتها، أو الاستفادة من أخطائها، كما ظلت العقليات التي فشلت في مراحل تاريخية هي التي تحاول التفكير للخروج من الأزمة السياسة، بأفق سياسي محدود لا يتجاوز حدود المصالح الحزبية الضيقة و الأشخاص، و لا تريد أن تسمح لعناصر جديدة أن تقدم رؤيتها، أو تستفيد من الانتاج المعرفي إذا كان ناتجا من عقليات تشتغل بالفكر أو من مؤسسات أكاديمية، هذا الاحتكار للمؤسسات السياسية، أدي إلي أبتعاد العقل المفكر عن العمل السياسي، و أيضا المثقفين الذين ينتجون المعرفة و الثقافة، الأمر الذي خلق حالة من الجمود إن كان في السلطة أو في المعارضة، و أثر سلبا علي العمل السياسي، و جعل الأزمة تتحكم في العقل و ليس العكس.
المعادلة السياسية في الأزمة السياسية المتواصلة إن كل طرف يعتقد إنه هو مصدر الحقيقة و يجب علي الآخرين اتباعه، هذه الرؤية القاصرة تنفي وجود الأخر و المواطن في المعادلة السياسية، الأمر الذي يولد أساليب أكثر ميلا للعنف، الذي يصعد الأجندة الأمنية، و هي أجندة معطلة تماما للعقل. لأنها تحصر الأزمة في زاوية واحدة، و لا تجعل للقضايا الآخرى أي دور في الأزمة. الغريب في الأمر إن هذا التفكير في الأجندة الأمنية لحل الأزمة السياسية نفسه أنسحب علي قوي المعارضة، عندما أعتقدت أن الصراع مع الإنقاذ يجب أن لا يهمل الكفاح المسلح، هذه الرؤية كان لها أثرها السلبي في عمل المعارضة، حيث جمد مساحة كبيرة من العمل السياسي بل عطل أهم أداة سياسية " العقل الناقد" وترفض أي نقد يوجه لرؤية المعارضة و سياساتها، و تعتقد إن توجيه أي نقد للمعارضة لمعرفة الأسباب التي أدت لضعفها، تعتبر عملية سالبة تصب في مصلحة النظام، الأمر الذي جمد دور العقل الناقد في هذه الأحزاب، و حاصرة كل العضوية التي تميل للتغيير، و جعل أهل الرآي و المعرفة يبتعدون، وحل محلهم آهل التطبيل و الهتاف.
في مقال للكاتب المغرب محمد اليوسف بعنوان " نقد العقل السياسي المغربي" يقول فيه " أننا نرى الطرح الأيديولوجي و النظر الأحادي هو المسيطر علي العقل السياسي علي حساب برامج سياسية تنافسية حداثية تنطلق من تعددية فكرية و حزبية لخدمة المواطن كطرف ثالث و رئيسي في معادلة ( حكومة – معارضة – الشعب) كأهم مكونات الدولة الديمقراطية الحديثة. فغياب الحوار بين هذه الأطراف يجعل العمل السياسي عقيما لا ينتج إلا الصراع المتوالد عن رؤية كل طرف للأخر علي إنه عدو له". و هي الإشكالية التي تعاني منها الساحة السياسية السودانية، إن المعادلة السياسية لم تكتمل في الذهن السياسي السوداني من حيث بعدها الديمقراطي، فالكل يرفع شعارات ديمقراطية و يمارس الإقصاء إن كان داخل المؤسسة الحزبية حيث لا يعلو صوت فوق صوت الزعيم و القائد، و في النظام الشمولي الرافض لدور الآخر إلي جانب تعطيل الدستور و القانون، و معارضة تريد أن تفرض ذات الشعارات الاقصائية من خلال شعارات ديمقراطية في غاية التناقض الخطابي. و أيضا هي نفسها تمارس حصار العقل الناقد داخلها بصور شتى، الأمر الذي فتح الباب أمام العقل التنفيذي و الأمراض الاجتماعية "الانتهازية و الوصولية و الشللية و غيرها" التي تعيق العملية التنافسية الديمقراطية، مما جعل دور المؤسسات الحزبية يتراجع وسط الحراك الجماهيري بسبب التناقض بين الخطاب المرسل و الممارسة، و إذا كان النظام فشل لحل أزماته، إيضا المعارضة فشلت في توصيل مشروعها السياسي للجماهير، بسبب قيادات محتكرة مواقعها و فشلت في مهماتها.
تعتقد نسبة كبيرة من السياسيين السودانيين أن عملية التحديث و التطوير في المؤسسات الحزبية يمكن أن تقوم بها ذات العقليات التي كانت سببا في ضعف المؤسسات و الأزمات المتواصلة، و هذا أعتقاد خاطئ، باعتبار إن أي عملية تحديثية تحتاج لرؤية جديدة، تتجاوز المرحلة السابقة، و لكن العقليات المتجمدة التي تعتمد علي شعارات عجزت عن تنزيلها للأرض لا تستطيع أن تقود عملية التحديث و التطوير. كتب جورج لاكوف في كتابه " العقل السياسي" يقول عن ذلك " يجب أن يحدث تنوير جديد لينتج وعي جديد، ينبع هذا الوعي الجديد من الرؤية الأخلاقية للديمقراطية و التي في قلبها الشعور بالغير أي رؤية العالم من حيث ما يراه الآخرون" إن أي أزمة سياسية استعصت تحتاج إلي عملية تنويرية جديدة، و هي تقدم أسئلة جديدة تتجاوز بها عملية التفكير القديم لأنها سوف تخلق وعيا جديدا، و بالضرورة يحتاج لعناصر جديدة تؤمن بعملية التغيير، فالعقل العاجز لا يستطيع أن يحدث واقعا جديدا، و لا يستطيع أن يسهم في عمية التغيير، بل سوف يصبح عائقا له، و يخلق العديد من العقبات في طريقه، و هي الأسباب التي جعلت الأزمة السياسية في السودان بدلا من أن تقدم حلولا تزيد الأزمة عمقا.
إن الإشكالية الحالية في طريقة التفكير في الوسط السياسي السوداني، و في أي تجربة تاريخية سياسية إنسانية، عندما تريد مجتمعات أن تنهض، أول ما تفكر فيه النخبة مؤمنة أن تحدث تغييرا و تجديدا في خطابها السياسي لكي يتماشي مع رؤيتها الجديدة، و أن تحدث أيضا تعديلا في أولوياتها لكي تتناسب مع مشروعها الجديد، و تضع الإنسان المناسب في الموقع المناسب الذي يستطيع أن يقدم أقصى ما عنده من الإبداع و العطاء، و يجعل المنهج النقدي أساسا للتعامل السياسي، و يصبح التنوير قاعدة لمسيرة النهضة، هذه التحولات بالضرورة سوف تؤدي إلي تراجع كل العناصر العاجز عن العطاء و التي نضب خيالها و فقدت القدرة علي العطاء و تحل محلها عناصر جديدة،. لكن الملاحظ في المسيرة السياسية السودانية أن القيادات القديمة التي فقدت قدرتها علي العطاء تعتقد إنها هي التي يجب أن تقود مسيرة النهضة، و أيضا أن تصبح هي أدوات الاستنارة رغم إنها لا تملك المؤهلات لذلك. الأمر الذي يؤدى لإنتاج الأزمة من جديد و يعمقها، فالعقل السياسي السوداني لم يستطيع أن يتجاوز أخفاقاته. نسأل الله حسن البصيرة.