الخلط بين القرآن والدستور عند الاسلاميين بقلم د.أمل الكردفاني

الخلط بين القرآن والدستور عند الاسلاميين بقلم د.أمل الكردفاني


05-20-2018, 08:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1526843687&rn=0


Post: #1
Title: الخلط بين القرآن والدستور عند الاسلاميين بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 05-20-2018, 08:14 PM

08:14 PM May, 20 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





اولا يجب ملاحظة ان شعار التنظيمات الاسلامية وهو (القرآن دستورنا) قد استخدم لفظ دستور (وهو لفظ فارسي الاصل غربي الدلالة) ليشير به الى مقام القرآن في دولة الخلافة او الحاكمية ، وهذا يعني اول ما يعني ان التنظيمات الاسلامية -وهي المدمنة على اسلمة المصطلحات- لم تجد غير كلمة (دستور) لتسخدمها فانقلبت الآية فبدلا عن اسلمة الدستور تم دسترة القرآن ، وهذه في نظري هفوة كبيرة ان لم تكن خطأ لا يغتفر ؛ حينما يتم منح القرآن وهو كتاب مقدس له شأنه وجلاله صفة شديدة الوضعية فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير. واعتقد ان الاسلاميين عموما لم يجدوا ملجأ لغويا شرعيا يؤوبوا اليه كبديل عن كلمة دستور فخلطوا الحابل بالنابل واللاهوت بالناسوت والمقدس بالبشري ، مما ادى الى ضبابية هذا الشعار (القرآن دستورنا) ، سواء بالنسبة لهم -كنخبة تحتكر فهم الاسلام- او لدى عامة المسلمين. ومن وجهة نظري المتواضعة ؛ اعتقد ان هناك الكثير من الشعارات التيلميين السياسية ذات الجرس الرنان والمحتوى الفارغ كان على الاسلاميين مراجعتها حتى لا يصطدموا بطبيعتين مختلفتين ؛ الدين كعلاقة ربوبية غيبية مطلقة والواقع كعلاقات نسبية تنتج عن الخبرة البشرية. كما هو الحال بالنسبة لشعار (الاسلام هو الحل). هذا الشعار الذي تعرض مؤخرا لنقد التيارات الليبرالية العلمانية حين اخذت تميز بين متطلبات التفاعلات البشرية ومتطلبات انفعالاتنا البشرية بالعالم السماوي. فالأولى يحكمها قانون الطبيعة والثانية تحكمها مشيئة الله. والخلط بينهما يفقد كليهما معناه وقيمته ويفضي الى الفوضى. فحل مشكلة الدولة الاقتصادية او الصحية او التعليمية او الامنية او الرياضية...الخ لا يتم بقانون السماء انما بقانون الارض. وحل مشكلة القيم والورع والزهد والامانة لا يتم بقانون الارض انما بقانون السماء. فهما خطان متوازيان لكل منهما وظيفته ولكل منهما وسائله. مع ذلك لا زال العقل المسلم يخلط المصطلحات والمفردات بحمولاتها المتباينة محاولا أن يصنع من الفسيخ شربات وهذا مستحيل. ولنتناول هنا الشعار شديد السذاجة الذي يستخدمه الاسلاميون (عن علم او جهل) ، وهو شعار (القرآن دستورنا). وللفصل بين العصير والخمر لابد من بيان عناصر كل منهما - اي الدستور من جهة والقرآن من جهة اخرى ووظيفة كل منهما. فالدستور هو عبارة عن مجموعة القواعد القانونية الأعلى في الدولة والتي تحدد وتنظم التالي من الاشياء:
- شكل الدولة.
-نظام الحكم.
-شكل الحكومة.
- سلطات الدولة الثلاثة (تشريعية ، وتنفيذية ، قضائية) من حيث نشأتها وتكوينها واخصاصاتها وصلاحياتها.
- المبادئ التي تحكم العلاقة بين سلطات الدولة.
- المبادئ التي تحكم سير سلطات الدولة.
- مالية الدولة.
- علاقة الدولة بالمجتمع الدولي.
- علاقة سلطات الدولة بالافراد (مواطنين او رعايا) .
- حقوق الافراد والتزاماتهم.
- ضمانات الافراد في مواجهة سلطات الدولة.
يجب ان يشتمل الدستور على كل سبق ، وان يحترمه الكافة (حكاما ومحكومين) ، وان يتم تقييم كافة اعمال وتصرفات الدولة القانونية والمادية بحسب مدى اتفاقها معه.
اما القرآن فهو: ( كلام الله تعالى ، المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ، المعجز بلفظه ومعناه ، المتعبد بتلاوته ، المنقول الينا بالتواتر ، والذي نزل منجما). وموضوعات القرآن لا تخرج عن ثلاث مسائل تحت كل مسألة فروع وهي : الاحكام الشرعية من زواج وطلاق وجنايات وخلافه . او ذكر القصص والتاريخ للاعتبار. او استعراض الغيبيات كما قبل الخلق وما بعد الموت والحساب والعقاب والملائكة ... وخلافه.
وخلاصة الامر ان الفروق بين الدستور والقرآن كثيرة جدا ؛ فمن حيث المصدر ، نجد القرآن وحيا الهيا ، اما الدستور فمصدره الارادة الجماعية. ومن حيث القداسة والقربى الى الله فالقرآن يتعبد به ولا يتعبد بالدستور. ومن حيث الموضوع فالقرآن لا يتحدث عن شكل الدولة ولا سلطاتها ولا مبادئ السلطات فيها ، ولا نظام الحكم ولا مالية الدولة ...الخ والدستور من جهته لا يتحدث عن الغيبيات ولا القصص والتاريخ... ومن حيث النطاق ، فالقرآن رسالة هداية عالمية الى جميع الناس ، اما الدستور فهو نظام مقيد باقليم الدولة ولا يمتد الى خارج حدود هذا الاقليم.
وهناك اختلافات اخرى كثيرة لا تعزب عن صاحب الفهم المقتصد وان رغب في مطولاتها الطالب المجتهد.
اذن فللدستور غاياته واهدافه وموضوعاته وذاتيته ، وحدوده ، وللقرآن مثل ذلك ، لا تتداخل خصائصهما ولا عناصرهما ولا تختلط وهذا للعلم.
ان التمييز بين المصطلحات هو طرف الخيط الذي يحل عقد الشعارات ، فلا يخلط المرء بين الرباني والوضعاني ، ولا بين الديني والدنيوي ولا بين الناسوتي واللاهوتي ؛ وفي الحديث الصحيح : (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يلقحون. فقال: لو لم تفعلوا لصلح. فخرج شيصا . فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا. قال: انتم اعلم بأمر دنياكم).
وورد في صحيح مسلم: انما انا بشر إذا امرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، واذا امرتكم بشيء من رأي فإنما انا بشر.
فهذه الاحاديث تلزم المسلمين بالتمييز بين المصطلحات والمفردات والمسائل ، حتى لا ينعقوا بما لا يعقلوا... فيشاقوا في الدين فينقلب عملهم عليهم حسرة وندامة.