أبوبكر الأمين إنسان تقدمي من ماء الزهد والتصوف بقلم ياسر عرمان

أبوبكر الأمين إنسان تقدمي من ماء الزهد والتصوف بقلم ياسر عرمان


04-11-2018, 06:09 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1523466587&rn=0


Post: #1
Title: أبوبكر الأمين إنسان تقدمي من ماء الزهد والتصوف بقلم ياسر عرمان
Author: ياسر عرمان
Date: 04-11-2018, 06:09 PM

06:09 PM April, 11 2018

سودانيز اون لاين
ياسر عرمان-
مكتبتى
رابط مختصر


 


 
في بلاد الحكمة والمعارف القديمةـ الهند – فاضت روح ابوبكر الأمين في رحلتها الأبدية، وسرعان ما خلف نبأ رحيله أسى وحزن عند الكثير من أهله وأصدقائه ومعارفه على طول رحلته القصيرة في الحياة، وهو الذي اتقن إيداع أثره عند الذين تعرفوا عليه، وسرت عدوى حزنه حتى أعاد الكثيرين اكتشافه عند الرحيل. شكل غيابه حضوراً وتامل الناس في جمال شخصيته وملكاته بعد ان مضى عن عالمنا.
 
جوهر الزهد والتصوف مثلت حقائق صلدة في شخصيته وشكلت أحد نقاط قوته وتفوقه، ومعلم ثابت في حياته، ولعل أبوبكر الأمين حينما ما إنضم في وقت مبكر الي صفوف اليسار السوداني، كانت العدالة الاجتماعية التي إنطوت عليها روحه المتصوفة والمتوثبة هي التي قادته الي هذا الطريق، وفي نهاية رحلته سار على نفس طريق البدايات.

المفرح والمحزن في رحلة ابوبكر الأمين انه امتلك قدرات عالية كانت توهله ان يضع اقدامه على أي درج من سلم الحياة والوظائف صعودا أينما أراد، فملكاته وتأهيله الاكاديمي والثقافي كان يمكن ان يصعد به الي مواقع كثيرة، ذات جرس واضواء، صعد اليها بعض أبناء جيله، ولكنه أختار أن يدير ظهره عن عمد لكل الفرص التي كانت امامه وكأنه لا يراها، وعاش على هامش أمجاد الحياة، وظل يوزع ضحكاته على كل من التقاه في رحلته القصيرة وأختار نموذجا لا يحظى بالفوز عند الأغلبية التي تصارع من أجل الطعام والمال والاسرة والرفاهية.

في ظل دكتاتورية نميري وفي مفارقة صريحة للمناخ العام آنذاك، نعى تجار من سوق الخرطوم المناضل الكبير الجنيد على عمر، بعد أن غاب سنوات طويلة عن الحياة العامة، متاثرين بذلك المثقف عالي الكعب وراجح الملكات، وحينما قرات ذلك النعي في الثمنينيات من القرن الماضي، سقطت دمعة في ذكرى رحيل الجنيد علي عمر وظلم الحياة، لاحقاً في سجن كوبر حدثني القائد الكبير التجاني الطيب بابكر حينما أمضيت في معيته عاما من السجن، حدثني عن الجنيد علي عمر وذكاءه وذهنه الوقاد، وحكى قصة ذات دلالات وصلة بابوبكر الأمين وبآخرين من الغائبين ممن لم تأسرهم مغانم الحياة، وذكر تجاني أنهم وعبدالخالق والوسيلة وعزالدين علي عامر غفلوا عائدين من مصر في وقت مبكر، ولكن الجنيد أستمر في حركة التحرر الوطني المصرية (حدتو)، حتى أصبح من ضمن قيادتها، كما أرخ لذلك الدكتور رفعت السعيد في كتاباته عن تاريخ اليسار المصري، وعاد الي السودان في وقت متأخر وفي الأربعينيات كان الجنيد يتابع التطورات الخارجية والاحداث العالمية مع ندرة المعلومات آنذاك، وتابع الحرب الفيتنامية الفرنسية، وبالطبع كان منحازاً للثوار الفيتناميين، وكانت لديه خارطة جغرافية لفيتنام معلقة في غرفة سكنهم وضع عليها أعداد من (الدبابيس) التي يحركها مع مجريات الحرب، وكان معهم احد زملائهم الذي أصبح لاحقاً واحداً من رموز حكم جعفر نميري، كان ذلك الشخص عكس الجنيد علي عمر في كل شي كما ذكر تجاني، فهو لا يتهم بالدراسة، وينام طوال اليوم، ويعزف آلة العود ويغني في الأمسيات، فاطلق عليه الجنيد  جنرال ( كُل – نام – سنغ ) أي الجنرال الذي ياكل وينوم ويغني، واختصر إسمه على طريقة أسماء جنرالات الحرب الفيتنامية، وحينما مرت السنوات وانزوي الأستاذ الجنيد علي عمر عن الحياة العامة، وصدر نعيه في هامش صحف نظام مايو، كان ( كُل – نام – سنغ) يتربع على صفحاتها الرئيسية، وبعض مفارقات الحياة مدهشة، كان الأستاذ الجنيد علي عمر يمشي على الرصيف بينما سار الاخر في عرض الطريق يتقدمه موكب التشريف.

وذات مرة سأل أحدهم الجنيد علي عمر المثقف الألمعي وذو المواهب العديدة في مقهي (باندونق) في منطقة الخرطوم-٢، على أيام الصراع داخل الحزب الشيوعي بين الشهيد عبدالخالق وحزبه ومعاوية سورج ومجموعته ، سأله أين أنت أستاذ الجنيد ؟ مع عبدالخالق او معاوية؟ فأجابه ساخراً أنا في (باندونق) ! وهو الذي انحاز الي عبدالخالق وحزبهم حتى نهاية الطريق، وذكر آخرين أنه ظل يقوم بزيارة منزل عبدالخالق حتى بعد إعدامه من وقت لاخر، وكأنه على قيد الحياة، وكتب ذات مرة في باب المنزل ( الزميل عبدالخالق، حضرت للمرة الالف ولم أجدكم)، وهي عبارة مكتوبة بمداد الوفاء، فقد كان عبدالخالق بالنسبة له لا يزال على قيد الحياة! والإعدام لا ينقله الي دفاتر الأموات، وأمتلك الجنيد بضاعة غالية الثمن ولكنه تابع بوصلته الشخصية ولم يتابع بوصلة الصعود على درجات سلم الحياة، وللناس في هذا العالم خيارات لا يفسرها الا منطق اختياراتهم، ولا صلة لها بالمنطق التقليدي الرسمي، ومن هؤلاء أبوبكر الأمين.

حينما رحل أبوبكر الأمين سيطر على الحياة العامة في بلادنا من يصرف (بالبركاوي) وانتجت النخبة الحاكمة في اعلى سلم العسكرية فريق لم يسجل إسمه في الكلية الحربية، وفي فن الغناء سيدة ربما لم تسمع بمعهد الموسيقى والمسرح او بإسماعيل عبدالمعين، ورؤساء تحرير صحف وكتاب أعمدة يندى لهم الجبين حينما يتذكر الناس بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان ورحمي سليمان وعمر مصطفى المكي وغيرهم.


تعج بلادنا بسقط المتاع في أزمنة الانحطاط، التي تباع فيها الأرض والقيم على قارعة الطريق، ومؤخراً ذكرت البي بي سي، إن (٣٠) تاجراً صينياً اخذوا يتوسعون في السيطرة حتى على سوق ليبيا، وطردت (جدادة الخلاء جدادة البيت)، وإن كان صحيحا ماذكره بعض الشباب في وسائل التواصل الاجتماعية فإن ثالثة الاثافي ستكون هي وضع تسعيرة لمقابر الدفن مؤخراً في بعض مقابر الخرطوم، وهو آخر شي مجاني يمكن أن يحصل عليه أي سوداني، غض النظر عن الطبقة الاجتماعية والاثنية التي ينتمي اليها، في بلاد كانت مليون ميل مربع، والان تم وضع سعر بحجة صيانة المقابر إن صح ماذكر، وقد إنحط التعليم والطب ومعايير وقيم الحياة العامة، والاخلاقيات وكان بالناس يرددون مع محمود درويش (أيها الأحياء تحت الأرض عودوا - فان الناس فوق الأرض قد ماتوا).

صديقنا وزميلنا في الدارسة حسان الشاذلي كان يسكن بجوار الزعيم عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة، وكنت أحب حكيه عن عبدالرحمن الوسيلة في الثمنينيات من القرن الماضي، بعد أن أختفى الوسيلة عن العمل العام وهو في عنفوان عطاءه، وبعد أن اختط تاريخاً مجيداً في منازلة الاستعمار، والحكومات التي تلته، وذكر الوسيلة لحسان ذات مرة انه كان يستمع الي راديو أمدرمان فسمع بوفاة الطيب بابكر، والد التجاني الطيب، فاخذ تاكسي وذهب الي منزل اسرته الذي يعرفه عن ظهر قلب، وحينما وصل الي مكان العزاء أراد ان يدفع ثمن اجرة التاكسي، ولكن صاحبه رد قائلا (عيب يا أستاذ عبدالرحمن الوسيلة، فأنا لا يمكن أن أخد منك تمن المشوار وأنت من أنت) وقال الوسيلة (يا حسان لسه في البلد دي ناس بتتذكر عبدالرحمن الوسيلة) ويا لها من عبارة موجعة، فالزعيم عبدالرحمن الوسيلة الذي ملء الدنيا وشغل الناس لا أحد يذكره اليوم، ولا يوجد كتاب على ما أظن عن رحلته المجيدة، فقد كتب تاريخه بمداد من نور وهو بعض تاريخ هذه البلد، ولكن حضر التاريخ وغاب المؤرخ، فأين نجد المؤرخ الذي يؤرخ لما كتبه الوسيلة بالبسالة والشجاعة في أزمنة كان هو من طلائعها وبناة مجدها، ولا زلت أذكر إن أستاذتنا فاطمة أحمد إبراهيم وقد التقيتها ذات مرة على أيام نميري فقالت لي غداً سوف أتحدث في ندوة عن استقلال السودان مع التجاني عامر، وأظنها في دار الماليين، وطلبت مني بان آتي مع بعض الزملاء لحضور تلك الندوة، فذهبت مع بعض أصدقائي، وفي الندوة تحدث الأستاذ التجاني عامر عن استقلال  السودان، ولم يتطرق الي معسكر اليسار ودوره، ثم عقبت فاطمة وقالت للتيجاني عامر لا يمكن أن تكون مؤرخ وتغفل جزء رئيسي من التاريخ! وذكرت في تعبير مشابه لبلاغة الدكتور الجليل منصور خالد الذي ظل يردد إن آفة التاريخ هم رواته، ثم عرضت سفر كامل من دور الجبهة المعادية للإستعمار، وهيئة شؤون العمال والطلاب ومنظمات المزارعين، وحينما آتي دور الأستاذ التجاني عامر، قال إنه أخطأ في تجاهل دور الجبهة المعادية للاستعمار، وانه لم يشاهد مظاهرة خرجت في شوارع الخرطوم ضد الإنجليز والا كان يتقدمها عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة، وإن حسن الطاهر زروق والشفيع وقاسم أمين وزملائهم قد لعبوا دوراً بارزاً في الحركة الوطنية الحديثة. وبرحيل أبوبكر الأمين من المهم لزملائه ومعاصريه رسم صورة لمساهماته ولوحة لشخصيته، فكثيرين ممن رحلوا من الصعب رسم صورة ولوحات لهم بعد أن تغيب ذاكرة الذين عاصروهم، وحسناً فعل بعض أصدقاء أبوبكر الأمين بالحديث عنه، وتلك المساهمات ربما كان من الافيد أن تصدر في كتيب لتخليد ذكراه، إضافة لمساهماته المتفرقة في قضايا عديدة وحيوية.



كانت إشراقة تشرح الصدر حينما تداعى أصدقاء أبوبكر الأمين والعارفين بفضله لعلاجه، ولقد كان من حسن حظي متابعة مجهوداتهم العظيمة عبر المجموعة التي اقاموها، وقد اسهم الأصدقاء عبدالجبار عبدالله وآدم عبد المولى وحسن بركية وبشرى الصائم وعثمان الأمين في ربطي بالمجموعة وبالراحل أبوبكر الأمين في أخريات أيامه، وأشعر بالامتنان لهم. من المحزن إن شخص مثل أبوبكر بكل قدراته لا يتوفر له حق العلاج، وهذا يكشف الكثير عن أوضاعنا العامة، وعن زهد أبوبكر، فكثير من العاطلين عن المواهب لا يحتاجون لحملة تتداعى لعلاجهم، فهم في حرز امين عبر صلاتهم بجهاز الدولة، فبعض كتاب الاعمدة ورؤساء التحرير اللامعين اذا جمعت مواهبهم جميعا في حزمة واحدة فلا يساوون ادنى قدرات ابوبكر الأمين.

الغنى في القناعة هي إحدى مغانم أبوبكر من الدينا الزائلة فهو فقير وغني حتى النخاع، لم تحركه بهارج الحياة ولا قشورها ولم تهز شعرة من راسه، وظل يتلقى لطمات الحياة وهو يرسم إبتسامة عريضة، واجهته خيبات عديدة، هي خيباتنا المشتركة، وقد بذل جهداً مقدراً في خياراته ووقتا ليس بالقليل، ولم يصل بخياراته الي وجهتها التي أراد، وذهب احياناً كثيرة عكس التيار، وفي إتجاه مضاد للرياح، ومع ذلك حظي باحترام أصدقاءه ومعارفه الذين لم يخطئوا ابداً حول قيمته ومواهبه وثباته في وجه الحياة المتجهم، وكتب عنه الكثيرون وشدني احتطاب حاطب الليل الدكتور عبداللطيف البوني الذي احتطب من الضفة الأخرى عوداً من الصندل في رثائه المؤثر والبديع لأبوبكر الأمين، والدنيا لازالت بخير.

أشاح أبوبكر بوجهه عن كل ما هو لامع ولم يهتم بكل العملات بما في ذلك (جورج واشنطن) ولذا فقد كان نفسه عملة نادرة، ويقع في منطقة ما من مثقف غرامشي العضوي، أستوقف رحيله طيف عريض من الوطنيين والتقدميين ووجد إحتفاءاً كاسحاً خارج كثير من المؤسسات الرسمية التي لم تهتم به، أبوبكر نفسه كان إنساناً منصفاً، ففي إفاداته عن بيوت الأشباح أنصف قادة حزب الأمة، وتحدث عن شجاعتهم ورباطة جأشهم، وعلى راسهم العم والراحل الكبير عمر نورالدائم والأمير الشجاع نقد الله، رد الله غربته.
 

تعرفت والصديق خالد محي الدين على أبوبكر الأمين عن قرب في سجن كوبر، وسجن كوبر الذي كان يضج بالأنجم اللأمعات في سماء الحزب – المحترفين الثوريين- الطبقة – النقابات – المثقفين والمبدعين – الكادحين – الطلاب – الأكاديميين وزعماء وقادة المعارضة، وفي وسط كل هؤلاء جميعا كان إنساناً متميزاً ومميزاً، وظل كذلك حتى بعد أن هجر المؤسسات الحزبية، بعد الإنتفاضة طلب مني الأستاذ تجاني الطيب مراسلة جريدة الميدان وأعطاني بطاقة رسمية لتغطية نشاطات الحركة الجماهيرية وإجراء لقاءات والكتابة للميدان، في المدة القصيرة التي أمضيتها بعد الانتفاضة وقبل الإلتحاق بالحركة الشعبية، طلب مني مقابلة أبوبكر وتسليمه المواد التي أود نشرها، وبالفعل سلمته عدد من المواد التي قام بنشرها وطلبت منه أن لا يكتب إسمي على تلك المواد، ومن ضمنها لقاء مطول مع شيخ الخير ود بريمة – رئيس اتحاد مزارعي النيل الأزرق، منذ عام ١٩٥٧- ١٩٧١م، وهو أحد مؤسسي حركة المزارعين في السودان، وقد ذهبت اليه في قريته (كريمة البحر) على الضفة الأخرى من خزان سنار برفقة صديقنا خالد موسى والمناضل الكبير عيسى أحمد ادم – حكيم- أحد قادة الحركة السياسية في مدينة سنار، وحينما قررت الإنضمام الي الحركة الشعبية جاءني ابوبكر وصديقنا الأستاذ الحاج وراق، وأمضينا أمسية طويلة مع عزيزنا علي أبكر – علي الوجيه- وأدرنا نقاشا مطولاً حول جدوى الانضمام للحركة الشعبية، ثم عاودنا لقاءاتنا بعد اتفاقية السلام حتى تركت الخرطوم في ٢٠١١م واخرها كان في منزل عزيزنا مجدي محمد احمد.

وتتبعت أخباره عبر حسابه على الفيسبوك، وتبادلنا الرسائل من وقت لاخر، وفي أيامه الأخيرة حينما التف حوله أصدقاءه ومعارفه ناسجين ثوبا من الإهتمام حوله وتفوقت إنسانيتهم على مشاغل الحياة، أتيح لي الحديث معه وهو يبث الاطمئنان ويزرع الامل والتفاؤل، وعلى الرغم من التخريب الذي طال بلادنا والانحطاط في الحياة العامة، فإن أصدقاء ابوبكر الأمين لا زالوا يواصلون مناقشاتهم حول ما يمكن أن يقوموا به لتخليد ذكراه، وقد تقدم عدد كبير منهم بأفكار رائعة وأجد نفسي أميل الي دعم فكرة إنشاء صندوق أو منظمة خيرية تهتم بالكتاب والمبدعين والمثقفين والوطنيين الذي هم في حاجة لمساعدات بغرض العلاج أو مواجهة مصاعب الحياة باسم ابوبكر الأمين، وهذا لا يعني تجاهل العمل بالمقترحات الممتازة الأخرى.

 

قديما صنف بعض فلاسفة الإغريق المجتمعات البشرية الي ثلاثة أنواع، هم الأغبياء والقطيع والمواطنون، وسار على دربهم بعض علماء الانثروبولوجيا، فالأغبياء هم من يهتمون بمصالحهم الخاصة والذاتية بمعزل عن المجتمع، وأما القطيع فهم يهتمون بمصالح مجموعتهم وعصبتهم حتى وان تعارضت مع المصالح العامة للمجتمع، والمواطن هو الإنسان المتمدن الذي يسعى للمصلحة الكلية للمجتمع بطرق متمدنة حتى وان تعارضت مع مصالحه الذاتية، وغض النظر عن صحة تصنيفات الاغريق ومن تبعهم فإن أبوبكر كان مواطنا سعى لخير الجميع، ولا شك في ذلك.

العزاء الحار لأسرة أبوبكر الأمين ولأهله أجمعين وأخص عثمان وعلي الأمين ولأصدقائه ومعارفه فستظل بصمات أبوبكر باقية، والإنسان عادة يعيش فسحة قصيرة في الحياة في ضيافة الأرض وما يبقى منه هو ما ينفع الناس،  ولقد كان أبوبكر الأمين إنسانا صالحاً أضاف الي الحياة واجتهد بأن يتركها أفضل مما هي عليه، ولذلك استأثر باهتمام الآخرين، ولخص الدكتور بشرى الفاضل حزن أصدقاءه عليه بأجود مما يكون كعادة إسهاماته.
 

في واحدة من التفاتاته الأخيرة الرائعة، التفت أبوبكر الأمين الي شعب البجة تاريخه ولغته وثقافته، وهي التفاتة هامة، لان هذا الشعب هو من أكثر شعوب السودان المهمشة، وتاريخه لصيق بتاريخ السودان وحضارات وادي النيل القديمة، والاهتمام بتاريخ السودان وماضيه هو إهتمام بحاضره ومستقبله، والانتقاص من تاريخ السودانيين وثقافاتهم انتقص وسينتقص من جغرافيا السودان، فالصلة عميقة بين التاريخ والجغرافيا، ولا يمكن التعرف على الشخصية السودانية الا إذا تعرفنا على عوامل مكوناتها ماضياً وحاضراً، ولذا فإن مساهمة ابوبكر في هذا الإطار هي واحدة من اجل مساهماته. إن إنصاف شعب البجة وجميع الشعوب السودانية هو في المقام الأول إنصاف للسودان نفسه.
 

وأخيرا ابوبكر الأمين جزء من حركة اليسار والتقدم السودانية، وتقف هذه الحركة في مفترق طرق، وأمامها طريق واحد هو أن تجدد نفسها وتسعى لإزالة ما علق برؤيتها من غبار الزمن وطول المعارك، وتراجع تجاربها بنظرة نقدية قادرة على الهدم من أجل البناء وبناء كتلة تاريخية لمواصلة مهمتها النبيلة في تغيير وجه الحياة لمصلحة كآفة الشعوب السودانية، وبناء سودان يقوم على المواطنة بلا تمييز والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وسيادة حكم القانون، والرجوع الي منصة التكوين لتحقيق (اتحاد سوداني) بين دولتي السودان شمالا وجنوبا، لا ينتقص من استقلال أي منهما، بل يحقق المصالح الاستراتيجية للدولتين.
 

وداعاً ابوبكر الأمين

11 أبريل 2018م 

Post: #2
Title: Re: أبوبكر الأمين إنسان تقدمي من ماء الزهد وا�
Author: عبد الله علي إبراهيم
Date: 04-11-2018, 11:24 PM
Parent: #1

رحم الله ابا بكر الأمين. احسنت نعيه وسائر قبيله من مغازلي مشارق الشمس. وددت لو بدأ تكريمه بفيلم على سيناريو زابط لكلمته التوثيقة النادرة لأيامه في بيت الاشباح كما تفضلت ونوهت بها. قرأت كثيراً من الاحتجاج على تلك البيوت الشوهاء ولكن احتاجت لقلم مشبوب ليضع أذاها على وجوه بذاتها ذات أنفة وكبرياء. فيفحم. من جهة أخرى اذكر له أعمدة في جريدة "الحرية" عنوانها "سكناب" رغبت في إعادة نشرها حتى على الأسافير ليري شباب اليوم هذا الباسل الذي تنادينا لبكائه بالدموع الحرى. شوقتني لتحقيقك عن شيخ الخير ود بريمة. سأجده إن شاء الله لو حصرت يوم نشره أو شهره أو حتى عامه في الميدان. تقبل تحياتي وتحيات محاسن.

Post: #3
Title: Re: أبوبكر الأمين إنسان تقدمي من ماء الزهد وا�
Author: Asim Fageary
Date: 04-20-2018, 07:47 AM
Parent: #2


أحسنت وأفصحت بل وثقت الكثير في هذه السطور عن أبوبكر الأمين .. كتابة صادقة تكاد تخلو من الصنعة ويحسها القارئ وكأنه عايش الراحل المقيم أبو بكر الأمين .. له الرحمة

كما أنك تحينت الفرصة ولمحت لضروريات منها المراجعة وإزالة الغبار والهدم والبناء الجديد لمستقبل جديد لسودان خالي من العلات

تحياتي أستاذ ياسر عرمان والتحايا موصولة للأستاذ عبد الله علي ابراهيم



Post: #4
Title: Re: أبوبكر الأمين إنسان تقدمي من ماء الزهد وا�
Author: saif basheer
Date: 04-20-2018, 10:31 AM
Parent: #3

Very well-written article

هكذا كان أبوبكر،، أحبه كل من عرفه. معيّته لا تُمل.

شكراً أ ياسر على هذا المقال المجيد في حقه.