حلاوة رغيف بقلم د . الصادق محمد سلمان

حلاوة رغيف بقلم د . الصادق محمد سلمان


01-10-2018, 04:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1515598948&rn=0


Post: #1
Title: حلاوة رغيف بقلم د . الصادق محمد سلمان
Author: د.الصادق محمد سلمان
Date: 01-10-2018, 04:42 PM

03:42 PM January, 10 2018

سودانيز اون لاين
د.الصادق محمد سلمان-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

بسم الله الرحمن الرحيم


في سابق الأيام كان أهل المدن يسخرون منا نحن القرويين ويقولون لنا ( حلاوة رغيف ) في إشارة أن الرغيف بالنسبة لنا مثل الحلاوة نتذوقه في المناسبات ، ذلك أن لأن الرغيف كان صنفا غير أساسي في المائدة السودانية حتى في المدن ، أما أهل الريف فلم يكونوا يتناولون الخبز في وجباتهم اليومية ، ففي مناطق الغرب طعامهم الرئيس هو العصيدة من الدخن ، وفي الشمال يصنعون القراصة من القمح الذي يزرعونه أوالخبز المصنوع من دقيق الذرة الشامية في أفران منزلية ، وفي مناطق الوسط الطعام الأساسي هو الكسرة والعصيدة . وفي كثير من قرى السودان لم تكن هناك أفران للرغيف ، كان الذي يذهب المدينة يحضر معه بعض الأرغفة توزع للأطفال مثل الحلوى لذلك عايروناأهل المدن بهذا البؤس في نظرهم ، رغم أن الكسرة كانت طعام معظم الناس في المدن والرغيف عند بعضهم كماليات ، كان هذا هو الحال حتى التسعينيات من القرن الماضى .
وإعتدنا أن نقرأ في كثير من الدرسات في الفترات الماضية أن 85 % من سكان السودان يقيمون في الريف يمارسون الزراعة والرعي إعتمادا على ما جاء في الأحصاءات السكانية ،لكن هذه الإحصائيات تغيرت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة وحدث إختلال في توزيع السكان وكان لهذه التغيرات إفرازات في مختلف النواحي ، ومن بينها التحولات العميقة في أنماط الحياة التي كانت سائدة في المدن والريف . فمع بداية الألفية الثالثة بدأت حركة هجرة نحو المدن وخاصة العاصمة نتيجة لعدد من العوامل مثل الجفاف الذي أصاب بعض المناطق وتسبب في تفشي البطالة بين أعداد كبيرة ، كذلك كان الإهمال الذي حدث للريف وإنعدام مشروعات التنمية التي توفر العمل وتزيد من دخل السكان وتوفير الخدمات الضرورية وغيرها له دور كبير في الهجرة ، كذلك ساهمت وسائل الإتصال الحديثة التي إنتشرت في تغيير قناعات كثير من الناس خاصة من فئة الشباب فأتجهوا للمدن يلتمسون تغيير أحوالهم بالحصول على عمل ، أو البحث عن طرق للهجرة إلي الخارج ، ومن الأسباب الرئيسة لبداية الهجرة إلي المدن إنفجار النزاعات والحروب في الجنوب والنيل الأزرق ، ثم الغرب في دارفور وجنوب كرفان ، والشرق ، وحظيت العاصمة ومدنها وأريافها بالنصيب الأكبر من هؤلاء المهاجرين حيث الفرص أكبر للعمل والهجرة للخارج ، هؤلاء المهاجرون تركوا عاداتهم ونمط حياتهم التي كان يعيشونها في الريف ومنها عادات الطعام فاصبح يتناولون الرغيف في وجباتهم مثلهم مثل سكان المدن الذين تغيرت أحوالهم الإقتصادية ، فلم يعودوا قادرين على تحضيرالكسرة التي كانت أساس المائدة عندهم إذ أصبحت التكلفة عالية ، وبالإضافة إلي ذلك ، التغييرات في أوضاع ربات المنازل في العقود الأخيرة حيث أصبحت نسبة كبيرة منهن يخرجن للعمل ولا وقت لديهن لعمل الكسرة التي تأخذ من وقتهن إضافة إلي أن البيوت نفسها أصبحت غير مهيأة لإعدادها ، مضافا إليه إرتفاع أسعار الذرة التي تصنع منها ، وهكذا كان البديل هو الرغيف الذي يباع جاهزا من المخابز ، وكنتيجة لذلك أصبح القمح الذي يصنع منه الخبز هو الغذاء الرئيس لمعظم السكان في السودان بسبب إنتقال معظم سكان السودان إلي العيش في أطراف المدن ، فإذا كانت العاصمة بمدنها يقطنها أكثر من عشرة ملايين نسمة كما تقول أحاديث كثير من المسئولين ، ومعهم خمسة ملايين من الأجانب ، فإذا قلنا أن بقية مدن السودان الحضرية كلها يقطنها عشرين مليون معنى ذلك أن سكان المدن الذين يستهلكون الرغيف يقدر عددهم بثلاثين مليون ، وأن الريف أصبح يقطنه عشرة ملايين فقط من سكان السودان البالغ عددهم أربعون مليون حسب بعض الأحصاءات الأخيرة ، وبما أن القمح والدقيق يستورد معظمه من الخارج وهذا يدر أرباحا كبيرة للتجار وللشركات المستوردة ، نتيجة للزيادة الكبيرة في كميات الإستهلاك ظهرت مافيا تتاجر في هذا القوت الذي أصبح في كل بيت ، و كان تبني الدولة لسياسات السوق الحر التي لا يزال يدافع عنها الطاقم الذي يدير الإقتصاد في الحكومة منذ مجيء الإنقاذ وسيلة من وسائل التمكين الإقتصادي للموالين فتمكن هؤلاء التجار والشركات من وضع يدهم على هذه السلعة الإستراتيجية التي أصبحت الغذاء الرئيس للسكان خلال السنوات الأخيرة ،وفي ظل سياسة السوق الحر فإن الحكومة أعفت نفسها من إتخاذ اية تدابير من شأنها المحافظة أسعار الرغيف الذي أصبح الغذاء الرئيس للشعب . فالسيد علي محمود وزير المالية الأسبق عندما أطلق دعوته للناس للرجوع للكسرة لم ي ما قاله أية تدابير يساعد الناس لتبني ما دعا إليه ، كأن يخفض أسعار الذرة والدخن التي تنتج محليا كبديل ، والتوسع في إنتاجها بتوفير التمويل لمزارعيها وتشجيعهم ، أو يفتح المجال لإستيراد مصانع لعمل الكسرة ، فمن قبل كانت هناك مصانع للكسرة وكانت تجربة لا بأس بها في إتجاه توفير بدائل للرغيف وكانت دعوته مجرد كلام قصد به السخرية من الناس . ولما كانت هذه الأرباح التي تزيد كلما زاد عدد المستهلكين للرغيف كبيرة وأصبح هناك كارتيل لسلعة الدقيق وراءه نافذين لهم نصيبهم من تلك الأرباح الضخمة ، فمن مصلحة هؤلاء أن يزيد الإستهلاك لستمر تلك الأرباح في التدفق لتلك الشركات والتجار، فالإنقاذ التي قالت في سنواتها الأولى أنها مزقت أو ستمزق فاتورة القمح ، بماذا ستمزقها ؟ الإجابة كانت شعار " نأكل مما نزرع " الذي لم يتحقق منه شيء ، فأين ذهب هذا الشعار ؟ وبدلا من التوسع في زراعة القمح وتمويل الزراعة التقليدية للذرة والدخن لزيادة كمية الإنتاج منهما للمحافظة على السعر باعتبارهما غذاء غالبية السكان ، أنتهى بها الأمر بأن أن أصبحت شريكاً في هذه الأرباح من خلال الضرائب على الشركات والتجار المستوردين ورسوم الجمارك ، وكان هذا الإجراء سيخفف على خزينتها الصرف من أرصدتها من النقد الأجنبي ، لشراء القمح من الخارج . والمحاولات التي تمت في هذا الإتجاه مثل إستخدام الدقيق المخلوط كانت محدودة ولم تحدث أثراً يذكر وأنتهت مثل كثيرمن المشروعات التي قد تحل مشكلة للمواطن ، وهكذا تأبى الحكومة إلا أن تستمر في سياستها الطاردة وهي تقول لنا مع كل ميزانية هذا ما عندي ، دبروا روحكم ، ومافي مظاهرات أو إحتجاجات والبرفع راسو بنقطعوا ليه ، والرغيفة بجنيه ، والما عاجبو الباب يفوت جمل .