الذكي من يعرف نتائج افعاله بقلم د.أمل الكردفاني

05:01 PM November, 14 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر

هناك جريمتان لو لم تكتملا فقد ياعقب الجاني وان اكتملتا فلن يعاقب وهما جريمة الانتحار والانقلاب العسكري..فبعض الدول تعاقب من يحاول الانتحار.. وبالتأكيد فالدول كلها تعاقب على الانقلاب العسكري..الانقلاب العسكري جريمة اذا اكتملت صار الانقلابي رئيسا وبالتالي تحصن بالحكم من المساءلة الجنائية أما ان فشل فمصيره الى الاعدام رميا بالرصاص او السجن المؤبد في افضل الاحوال.
عندما يقرر شخص اقتراف جريمة الانقلاب العسكري فهو لا يلتمس مشورة القضاة العسكريين ولا يلتمس مشورة احد بل يقامر العسكري ويقوم بانقلابه فإذا فشل وخضع للمحاكمة فلا يمكنه الاحتجاج بأن النظام الذي حاول الانقلاب عليه فاسد او ظالم او ان القانون كان من المفترض ان يحميه ولا يستطيع الاحتجاج بان القضاء مجرمين اذ يقضون على حياته بحكمهم او ان احكامهم معدة مسبقا .. فهو لم يستشر احد من قبل فعله لفعلته التي فعل ليلوم اي انسان سوى نفسه..ولذلك فلا يمكننا ان نطلق على انقلابي تم اعدامه بطلا او شهيدا فلعبة الكراسي لا تعتمد على العاطفة او التقديس بل هي لعبة القوة فقط ...
والمجرم عموما لا يمكن أن يستشير غيره على اقتراف الجريمة فلو لجأ لمحام فان القانون يلزم المحامي بالتبليغ عن جريمة مستقبلية ستقع ولا يحاسبه القانون على افشاء سر مهنته هذا لأن الافشاء المعاقب عليه المحامي قانونا هو افشاء من يستشيره عن جريمة وقعت بالفعل والا تشمل اجابة المحامي اي حث على اقتراف فعل جديد مخالف للقانون عدا الكذب أو الامتناع عن الادلاء ببيانات تؤثر على موقفه في المحاكمة او حتى امتناعه الكامل عن الاجابة محتفظا بحقه في الصمت.
المجرم يتحمل مسؤولية قراراته ، والمجرم يعرف تماما مآلات قراره واحتمالاتها فهو اما ان يقع في قبضة السلطات او يتمكن من الهرب . والان الذكي هو من يعرف نتائج قرارته ليتحمل بعد مسؤوليتها..والاكثر ذكاء هو الذي يضع عشرات الاحتمالات وعشرات الخطط البديلة لمواجهة اي نتيجة محتملة ..وشديد الذكاء من يستطيع اختراع مسار جديد لنتيجة محتملة او غير محتملة وقعت بالفعل .
لذلك نلاحظ ان العسكريين عندما يقوموا بانقلاب عسكري يقومون به حينما تكون الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية سيئة جدا ويكون الشعب في حالة تذمر ويكون الجيش في حالة غليان بما يمنح الانقلاب العسكري فرصة النجاح بنسبة كبيرة جدا ... فالانقلابي يعرف نقطة الصفر او قد تدعوه نقطة الصفر لتراوده عن نفسه لتدفعه الى اقتراف جريمة الانقلاب العسكري...
وعكس ذلك اي الانسان الاحمق هو من لا يعرف نتائج افعاله كالانسان الطائش والسفيه والكثير من المجرمين وأيضا النساء فأغلبية النساء لا يفكرن في نتائج تصرفاتهن الطائشة كالخيانة الزوجية او نقل الاقاويل والنميمة في اعراض الآخرين مما يتسبب لهن ولازواجهن بالكثير من المشاكل. كذلك العديد من الرجال لا يعرفون نتائج افعالهم فنجد مثلا رجل تدفعه غريزته بطيش بين وهوى جامع الى التحرش بالنساء كما حدث للدبلوماسي الطائش في امريكا.. وكرجل الاعمال الذي يدفعه مرضه النفسي لافتضاض العذراوات بدون زواج رغم قدرته المالية على الزواج ... فكل هذه افعال طائشة اي ان الشخص يتصرف بدون ان يفكر في نتائج افعاله ... مدنية كانت ام جنائية ام اجتماعية .
والسياسي الذكي والثوري الذكي هو من يحلل الواقع بعين بصيرة ليتمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة.. فمثلا يمكننا ان نرى الفارق بين سياسات المصريين والسودانيين .. ففي حرب الخليج اتخذ السياسي المصري موقفا لحساب مصالح مصر المتمثلة في حساب الموقف العربي والعالمي كله..في حين اتخذ النظام السوداني قراراته العاطفية التي عزلتنا عن محيطنا الجغرافي الاقليمي . وكذا الحال عندما بدأت ملامح انهيار الاتحاد السوفيتي حين اتخذت سوريا مواقف سياسية أكثر مرونة مع الغرب في حين جاء النظام السوداني بشعارات عدائية ضد القطبين وهو لا يعرف ان القطب السوفيتي آيل الى السقوط فرفع شعار (امريكا روسيا قد دنا عذابها) وهكذا اثر انهيار الاتحاد السوفيتي فقد النظام هامش الحركة الذي كان يتصوره باعتباره غير منحاز لأي طرف ووجد امريكا عنده فوفته حسابه وكان حسابا عسيرا عانى منه الشعب حتى اليوم نتيجة قرار واحد لم يكن متخذوه يعرفون نتائجه . وفي 73 كان موقف مصر افضل من سوريا في الحرب ضد اسرائيل فانسحبت مصر لتحافظ على مكتسباتها وتركت العرب يواجهون مصيرهم لوحدهم وانتهت شعارات الوحدة العربية الى الأبد. قرار السادات بوقف الحرب كان مدروسا وفي وقته وقراره بعقد اتفاقية كامب ديفيد ايضا كان مدروسا لأنه رجح كفة الانحياز للقطب الدولي على حساب كفة الدعاوى الثورية العروبية والمحور السوفيتي.
احسب اغلب قرارات الانظمة التي حكمت السودان ستجد اغلبها اتخذت دون اي رؤية مستقبلية تحدد النتائج المحتملة للقرار.. وقوف السودان مع الدول العربية ضد اسرائيل وضد امريكا وبريطانيا كان قرارا غير مدروس وضد مصالح الشعب ولكن العاطفة كانت غالبة على النظام الحاكم آنذاك... قرار السودان بحماية الاسطول البحري والجوي المصري في اراضيه كان قرارا خاطئا وضع السودان في عداء غير مبرر في الوقت الذي اقامت مصر بعدها علاقات طيبة مع اسرائيل تاركة السودان والدول العربية في عدائهم المتوهم. وعندما اتخذ عبود قراره باغراق حلفا القديمة كان قراره هذا عاطفيا وعشوائيا ونتائجه كارثية ولكنه كان منجرفا وراء خطابات مصر الثورية. وهكذا توالت القرارات غير المدروسة حتى وقتنا هذا حيث تتخذ القرارات بدوافع عاطفية غير عقلانية دينية او ثورية عروبية او ماركسية او غيرها بل نجد أن اشخاصا من المسؤولين يصرحون بتصريحات شديدة الضرر على الشعب كتصريحات السنوسي ضد السعودية في صراعها مع قطر رغم انه لا أحد طلب منه التصريح وكان دافعه طبعا دينيا لمصلحة تنظيم الاسلاميين دون اكتراث لمصالح الوطن ككل .. وكذلك فعل الشيوعيون في 69 عندما تولوا السلطة واخذوا يدمرون الاقتصاد لتحقيق نظريات اجنبية ولا تراعي تركيبة وخصائص الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجغرافية والسكانية .
ولو تعمقنا قليلا فسوف نجد الاف من القرارات التي يتخذها المسؤولون يوميا غير مقدرة العواقب كقراراتهم بمحاربة بائعات الشاي في رزقهم ..فالنتيجة الطبيعية ان تتحول بائعات الشاي من بيع الشاي الى بيع الهوى .. وان لم يفعلن فسيتحول ابناؤهن الى مشردين ومجرمين ونشالين او الى متمردين ، وعندما اتخذ البرلمان قراره بمنع بعض الشركات التي تعمل على توزيع الواقي الذكري لان في هذا -حسب جهالة هؤلاء البرلمانيين مدعي الاسلام- يعني ان الدولة تشجع على الزنا فترتب على هذا القرار ارتفاع نسبة وباء الايدز وانتشر وزادات حالات الاجهاض والحمل سفاحا واللقطاء في الملاجئ وخلافه ..
ان الشعب السوداني يحتاج الى اعادة تشكيل طريقة رؤيته للحياة حتى يتعلم كيف يتخذ قراراته المصيرية وهو على علم بالنتائج المحتملة والا فإنه -اذا استمر في هذا الطيش- سيخسر الدولة وسيخسر امانه الاقتصادي واستقراره السياسي بل ربما تنهار الدولة برمتها بعد قليل.

من اجمل ما قرات