*الرحالة بوركهارت كتب (رحلاتي إلى بلاد النوبة).. *فقد توغل في شمالنا النوبي حتى دنقلا...في الربع الأول من القرن التاسع عشر.. *ثم رجع إلى مصر...وعاد للسودان مرة أخرى.. *وكانت رحلته الثانية هذه إلى أواسط وشرق البلاد...ومنها إلى الحجاز.. *وما يهمنا هنا جولته الأولى في المنطقة النوبية.. *الجولة التي بدأها وهو يرتدي (زعبوطه)؛ ومعه أشياء ثمينة بمقاييس ذلكم الزمان.. *وأنهاها وهو ليس معه سوى هذا الزعبوط الوحيد.. *والسبب في ذلك أن كل منطقة يغشاها كان أميرها يأخذ منه جباية (غصبا).. *أو هي رسوم عبور بلغة زماننا هذا...زمان حكومة الجبايات.. *فقد كانت (دابته الحيوانية) تُوقف بالقوة...ويُنزل ما عليها بالقوة.. *ثم يدفع بعضها إلى الأمير- أو من ينوبون عنه - بالقوة.. *ومن عبري- بسكوت المحس- شكا لي تاجر محاصيل مرةً مما شكى منه بوركهارت.. *قال إن رحلته من هناك إلى الخرطوم هي معه بالخسارة.. *فما تكاد (دابته الحديدية) تتحرك حتى تُوقف مرة أخرى...بالقوة.. *ثم تُؤخذ من صاحبها ضريبة...وزكاة...ورسوم عبور...و(حاجات تانية).. بالقوة.. *ويصل الخرطوم- أخيراً- مثل دجاجة نُتف نصف ريشها.. *ويرجع إلى عبري بالزعبوط........فقط.. *أو بمثل الذي رجع به بوركهارت حين زار منطقته...في زمان أجداده.. *والبارحة اشتكى سائقو (الدواب التجارية) من تعدد الرسوم.. *وقالوا- وفقاً للزميلة (الجريدة)- أن أغلب رسوم الطرق هذه غير شرعية.. *بمعنى أنها تُؤخذ منهم بدون إيصالات...وبالقوة.. *وصاروا- من ثم- متهمين في نظر ملاك (الدواب) بخيانة الأمانة.. *فجملة ما يُؤخذ منهم- غصبا- يبلغ (2500) من الجنيهات.. *وقالوا إن (دوابهم) ما أن تتحرك حتى توقف مرة أخرى...لدفع رسوم أخرى.. *فكثرة أمراء الحكومة.....تؤدي إلى كثرة رسوم الأمراء.. *تماماً كما كان يشتكي بوركهارت من كثرة أمراء النوبة...وكثرة رسومهم.. *والآن يطالب (أمير الخرطوم) بضرورة زيادة الإيرادات.. *والإيرادات في عرف الولاة تعني الرسوم والجبايات والإتاوات و(حاجات تانية).. *تعني أن يُؤخذ من المواطن أي شيء...تحت مسمى أي شيء.. *فكلما (تتزنق) ولاية - جراء كثرة وزرائها ونوابها- يلجأ أميرها إلى المواطن.. *وليستعد سائقو الدواب إلى المزيد من الرسوم.. *فما من دابة تدخل الولاية - أو تخرج منها- إلا وهي موعودة بجبايات إضافية.. *ودواب طريق أم درمان نيالا لديها رسوم اسمها (رسوم الطوف).. *ورسوم ثانية تابعة لها اسمها (دعم الطوف).. *وربما يكون اسم الرسوم الثالثة القادمة (دعم...دعم الطوف).. *ونصيحتي لابن منطقة عبري ألا (يطوف) بدابته في محيط ولاية الخرطوم.. *فحتى (الزعبوط) لن يعود به كما في السابق !!!