المسؤول أو الوزير عندنا إذا دخل مركز صحي وتمت معاملته بغير ما يرضاه يمكن أن يذهب من فوره الى وزارته ويصدر قرارا بوقف تراخيص المراكز الصحية ، واذا لم يعجبه الحلاق الذي يحلق عنده يصدر قرارا بشروط بيئية يجب توفرها عند الحلاقين ليؤذي ذلك الحلاق ، وإذا رأى بنت تسير بالبنطلون فعاكسها فلم تستجب له أصدر قرارا بمنع البنات من لبس البنطلون .. وهكذا تتخذ القرارات عندنا .. وذلك لعدم وجود المحاسبة وتوفر مناخ التسلط ولأن المسؤول يتم منحه الوظيفة بناء على محسوبيات ومعايير سياسية وايس عبر الكفاءة والخبرة ، ولضعف رقابة القضاء الاداري على ملاءمة القرار الإداري أو مدى مشروعيته باستناده الى قانون وعدم مخالفته للقانون ..وبذات الفوضى تستطيع أي جهة حكومية أن تغير لوائحها بين عشية وضحاها تحقيقا لأغراض شخصية أو سياسية ، وبذات السهولة والفوضى يمكن تعديل الدستور أو حتى الغائه والإتيان بدستور جديد يحقق اغراض أصحاب السلطة ، ففكرة استقرار المراكز القانونية غير موجودة في عقولهم ولا مبدأ الحقوق المكتسبة ، ولا معايير وضع الدساتير وطرق تعديلها ، ولا ما قد يترتب عليه القرار من ضرر على الجماهير ، ولا مدى تحقيق القرار لمصلحة عامة ، ولا مدى توفر العدالة في القرار ، وهكذا يمكنك اليوم أن تذهب الى مرفق عام وتعرف شروط اجراء معين ثم تأتي غدا فتجد الشروط قد تغيرت وبالطبع لا يمكنك الاحتجاج بلائحة أو قرار الأمس وليس عليك سوى الإذعان والتسليم بما فرض عليك واذا احتججت فيمكن للمسؤول بكل بساطة أن يتخذ ضدك أي قرار انتقامي تعسفي دون أن تستطيع محاسبته .. هذه هي الخدمة المدنية عندنا تتخبط كمن يتخبطه الشيطان من المس .. الجهلاء يتسيدونها واللصوص يستخدمونها والانتقاميون يديرونها والمرتشون يتسلقون هياكلها ودواليبها ويظل المواطن صاحب المصلحة حائرا بين الأمس واليوم .. أو إذا كان أكثر صبرا وذكاء أن يقتنص فرصة ما لتنفيذ مصلحته .. وطبعا تعرفون ما أقصد بالذكاء هنا ...