و مُجمل الكُتاب و المهتمين قد خاضوا بإستفاضة أو بإقتضاب في غمار قضية شرعية أو عدم شرعية الخروج على الحاكم ، و منهم صمت حين تشاكلت عليه الإمور و البعض وقف في الضِد بشدة ، و آخرون أيَّدوا ما ذهب إليه علماء السلطان الذين هم في الأصل خارج دائرة التأثير الإيجابي في حياة ( المُستهدف ) و الذي هو في نهاية الأمر ليس سوى المواطن السوداني البسيط ، أما و قد حُسم الأمر الآن بإلتزام المتضجرون من عامة الشعب طريقة ( تجنبهم ) الوقوع في ( الحُرام ) الذي هُدِّدوا بإرتكابه يتمثِّل في ( عدم الخروج من البيوت ) أصلاً حتى يُعد ذلك في خانة ( عدم الخروج إلى الحاكم ) ، فقد توصلوا بكل براعة و ذكاء إلى إسلوب أفضى بالصراع الفقهي حول الموضوع إلى سلة المهملات الفكرية و رماه خارج إطار المشكلات التي يواجهها البسطاء في زماننا هذا و مكاننا هذا ، فلا مجال لأصحاب المصالح من النفعيين و الحادبين على بقاء الحال على ها هو عليه للمزيد من الإمتصاص الطفيلي لقوت هذا الشعب و آماله العريضه في الحصول على الحياة في أبسط أشكالها و أفخم مقامتها المتعلقة بالكرامة و الكبرياء ، فشظف العيش و إثقال كاهل الناس بالمردودات السلبية للفشل الإداري و السياسي و الإقتصادي لحكومة المؤتمرالوطني لا يمكن أن يستسيغ معه عامة الناس فتوى شرعية من جهات هي على ما يبدو أبعد ماتكون عن واقع المرارات الذي يعانيها الناس في مأكلهم و مشربهم و علاجهم و تداويهم ، أما باب الضرورات تبيح المحظورات فهو نافذة مشرعة لإرتكاب كثير من المعاصي و المخالفات الشرعية ، وهل هناك ضرورة يا ذوي الألباب أسمى من ضرورة و حتمية المحافظة على الحياة و الدفاع عنها بغية البقاء ضد الجوع و المرض و المسغبة التي تغلق أمامك أبواب الإستشفاء و شراء الدواء ، الزاوية الحادة المنعكسة بالهروب من المخالفة الشرعية المتعلقة ( بالخروج ضد الحكم ) هي الفكرة الثورية المضادة و التي مفادها ( عدم الخروج من البيت مطلقاً ) .. درءاً للمفاسد و قضاءاً على الفساد و إشعاراً بناقوسِ واسع المدى يوصل صوت المحرومين و الفقراء من العامة و الأطفال المشردين و النساء و الأسر النازحة من جحيم الحرب و تردي الخدمات في عامة الأقاليم و خصوصاً أقاليم الصراع و النزاعات ، قال أهلنا قديماً ( الجوع كافر ) .. و لكن في أدبيات ماضينا الفقهي و التشريعي جرّد سيدنا عمر الفروق رضي الله عنه صفة الكفر من الجوع عندما أوقف حد السرقة في عام الرمادة .. السرقة يا أخوتي حدٌ من حدود الله ، أولا يعلو أو يتساوى مقامها كمخالفة شرعية مع ما يُندب في باب طاعة ولي الأمر ، ماذا يضُر المؤتمر الوطني لو أنه أعلن للناس أنه لا يستبعد أن تكون هناك فئة من الناس متضررة و ناقمة على سياساته و قراراته و حزمه الإقتصاديه و رفع يده عن هموم الناس و آلامهم و آمالهم المشروعة .. لماذا لا يعترفون بأن الكمال لله وحده و أن البلاد تنهار إقتصادياً و إجتماعياً و سيادياً كل يوم بفعل الفساد المستشري و ضعف الأداء الحكومي و إنعدام معينات الإنتاج العام من تمويل و تخطيط و إدارة و أدوات و كوادر بشرية نزيهة و مؤهلة ؟!.