*وفوق ذلك كان عفيفاً نبيلاً زاهداً.. *ويشهد على زهده حارسه الشخصي بالقصر الجمهوري.. *قال إنه كان قليل الطعام ، كثير التفكير.. *وكثرة تفكيره هذه- في أمور الناس- هي سبب قلة أكله.. *كان يحرص على تفقد المواطنين بنفسه كل يوم.. *فإن رأى مريضاً أوصى بعلاجه على حسابه الخاص.. *وإن رأى جائعاً صرف له مالاً يطعمه- وأسرته - من خزينة الدولة.. *وإن رأى مديناً ذهب إلى دائنه يناقشه في أمر الدين.. *كان - باختصار - يفعل مثل عمر بن الخطاب أيام ولايته.. *وكان مثله يجوع أيضاً إن لم يشبع الناس.. *يحكي أحد أتباعه قصة عن ذلك وقد كان يرافقه في جولة تفقدية.. * كان يتفقد مواطني الخرطوم- صباحاً- في زمن شدة.. *وعقب انتهاء الجولة- عند الظهيرة- اعتذر له عن دعوته للغداء.. *قال له : ما عندي كثير طعام لتشاركني إياه.. *فقبل مساعده عذره وانطلق إلى داره وهو دامع العينين.. *ثم رجع إليه بشيء من طعام وجد زوجته تعده في ذلك الوقت.. *وكان لا يأكل إلا إذا أكل جميع من في القصر.. *ولا يستلم أجره إلا إذا استلم الجميع - بما فيهم الجنائني- أجورهم.. *ولا ينام إلا إذا تأكد أن الجميع قد خلدوا إلى النوم.. *يقول مرافقه الخاص: بل كان بالكاد ينوم بعد أن يطلب كوباً من القهوة.. *ويظل إلى ما بعد منتصف الليل يراجع تقارير الدولة.. *وكان من عادته أن يبت - بنفسه - في أية شكاوى تصله فوراً.. *ويولي شكاوى النساء- بالذات- اهتماماً مضاعفاً.. *ضحى يوم دخل عليه أحد موظفي القصر يستأذنه في الانصراف.. *قال له إن امرأته تعاني آلام الطلق ، ولابد أن ينطلق.. *وفوجئ الموظف الصغير بكبير البلاد يقول له: سوف أنطلق معك.. *وينقر الرئيس على باب الحجرة ينبئ بمقدمه.. *ولم تصدق المرأة ، والقابلة ، والخالة ، والعمة ، والأخت ، أعينهن.. *ثم تزداد الغرفة ذهولاً حين يحمل الطفل على يديه.. *ولا ينسى قبل مغادرته أن يجود ببعض ما كان بجيبه من مال.. *إذا شاهد أثاثاً يُحمل - داخل القصر- ساعد في حمله.. *وإذا شاهد حارساً غلبه النعاس تبسم، ثم طلب منه أن يغفو قليلاً.. *وإذا غضب لا يتخذ قراراً إلى أن يسكت عنه الغضب.. *ورغم كل مظاهر أخلاق التدين هذه ما رفع يوماً شعارات دينية.. *بل ولم يكن سودانياً أصلاً.... *إنه غوردون باشا !!! assayha