أعلم تماماً أن بعض الناس رغم إيمانهم بأن هذه البلاد في طريقها للإنهيار الإقتصادي بإعتبار ما يدور الآن من ( مهازل ) المناورة بين سعري الصرف الرسمي و الإفتراضي للجنيه السوداني مقابل العملات الصعبة ، ثم إعتبارات كثيرة منها السياسي و الإجتماعي و الإستراتيجي ، غير أنهم لم يصلوا الحد ( الحاسم ) لإحساسهم ( بالوجعة الشخصية ) التي أججتها الحالة العامة المنعكسة من الحزمة الإقتصادية الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن الوقود و زيادة أسعار الغاز و الكهرباء و ( التحلل ) الواضح و ( المافاضح ) لحكومة المؤتمر الوطني من الإنشغال بدعم الدولار الدوائي ، من يا ترى هؤلاء ؟ إنهم ذات الأشخاص الذين قلَّلوا من أهمية تأثير الدعوة إلى العصيان المدني الذي تم تدشينه على مدى ثلاثة أيام ، و لنعلم أن هؤلاء ليسوا من أصحاب النفوذ في دولة سلطان المؤتمر الوطني و قد يكونون أيضاً ليسوا من النفعيين و المُطبلين و آكلي فتات الهراقله ، لكنهم يقعون تحت تصنيف أقبح هو ( فئة الأنانيون الداعمين للسلبية الوطنية ) .. بعضهم ممن ورثوا أموال أسلافهم حلالاً بلالاً و يعيشون خارج دائرة الفقر العام ، و البعض الآخر حالفه الحظ و هيأ له الرزاق الكريم أن يكون ذا بسطة في المال و النعم ، السؤال المطروح ما الذي يمنع هؤلاء أن يكونوا أكثر قرباً من أغلبية الشعب و من قضاياه و آلامه ؟ لماذا وقفوا بشدة و من خلف الأبواب المواربة خلسة ضد نشيد الكادحين الشرفاء من أبناء هذه الأمة الفتية ، ما الذي كان سيضيرهم لو أنهم صمتوا و آثروا الحياد و قبعوا داخل نرجسيتهم و أناتهم التي لا تسمع للعالم صوتاً غير رنين مصالحهم و ملذاتهم الشخصية ، و إن كانوا قد حصلوا عليها بجهدهم و جهادهم حلالاً بلافساد ، غير أنهم ظنوا أن ما دعا إليه شباب السودان الوطني هو ثورة ( بلشفية أخرى ) ضد الإقطاع و الثراء بشكله العام و المُطلق ، إن أمثال هولاء من الأنانيين الذين يعتقدون أن الثورات و المبادرات الوطنية لا تخصهم إذا نادت ضد الجوع و القهر و المرض و الجهل ، فقط لأنهم غير جائعين و لا مقهورين و لا مرضى و لا يعانون ويلات تعليم أبنائهم كسائر الغبُش ، هؤلاء يجب تصنيفهم في نفس المرتبة الخسيسة للمنتسبين إلى قائمة الثراء بالفساد و الإنحناء و التطبيل و التغاضي عن الباطل للحصول على رضا السلطان ، لقد كان معظمهم ضد التوجه العام لأنهم خارج دائرة المعاناة و في نفس الوقت يستعصمون بميزة أنهم لا ينتمون إلى النظام و لا ينتفعون منه ، هيهات ألا يحاسبكم التاريخ على التهرب من إتخاذ موقف إيجابي تجاه معاناة الأغلبية ، فكثير من الناشطين و المناضلين في مضمار معركة الصمود ضد معاول هدم إنسان هذا الوطن بالإفقار و التجويع و المرض و الجهل ما كانوا جميعاً بالضرورة منتمين للطبقة الكادحة و الشريحة الإجتماعية الأكثر معاناة ، بل بعضهم من أبناء الأثرياء و بناتهم ، و منهم من هو قادر على مجاراة ما يحدث اليوم من غلاء و إفقار و هوان بما يملك من مال حلالِ تم صنعه بالجهد و العزيمة و أحياناً الإغتراب ، غير أنه لا يرى مستقبل الأمة من منظوره الفردي و الآحادي بقدر ما يرى سعادته في أن ( تعُم ) السعادة صدور الجميع و لو ( بنسبٍ متفاوته ).. يقول هادي البشرية المختار صلى الله عليه وسلم ( إنما المؤمنون كالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ) .. لا تحرموا أنفسكم يا هؤلاء شرف الإنتماء إلى هذ الأمة و آلامها و أمالها و طموحاتها المُستحقة .