*حكى لي بأسىً عن شيء آلمه البارحة.. *قال إن شباباً بجواره كانوا منهمكين في نقاش بينهم.. *وينظرون باهتمام شديد إلى هواتفهم النقالة.. *فظننت - يقول- إنهم مشغولون بقضية إضراب الأطباء.. *أو عاكفون على حل مسألة رياضية مستعصية.. *أو يتجادلون حول مدى جدوى خطوات الحوار الوطني.. *أو مهمومون بمستقبل وطن ساءت أحواله.. *أو-على الأقل- متابعون لخلاف المريخ مع الاتحاد العام.. *ولكنه فوجئ بأنهم في عالم آخر تماماً.. *عالم لا دخل له بالسياسة ولا المعيشة ولا الوظيفة ولا حتى (الكورة).. *فقد كانوا مشغولين بعالم المذيعات.. *وتحديداً بمسابقة على مواقع التواصل عن (أجمل مذيعة).. *أو حسب عنوان المسابقة (أكثرهن جاذبية؟!).. *وتعالت أصواتهم على غرار برنامج (الاتجاه المعاكس).. *فكل واحد منهم يصر على اسم مذيعة بعينها.. *وحاولت أن أخفف من وطأة شعور محدثي بالإحباط.. *فقلت له: لعلك مخطئ يا عزيزي والأمر لم يكن كما ظننت.. *فلا يمكن أن (ينحط) شبابنا إلى هذا الدرك.. *صحيح أن بعضهم- كما أقول أحياناً- سطحيون ولكن ليس لهذه الدرجة.. *وقديماً سعى صحافي لاختبار مدى تقبل شو للهزل.. *فبرناردشو كان معادياً لثقافة (الكاوبوي) الأمريكي في ذلكم الوقت.. *فسأله الصحفي عن سبب عدم زيارته أمريكا.. *فرد الأديب الساخر على سؤاله بآخر: ولماذا أزورها؟.. *ثم واصل متسائلاً : لكي أرى تمثال الحرية؟.. *وبعد ذلك أجاب قائلاً: صحيح إنني مولع بالدعابة ولكن ليس لهذه الدرجة.. *وكذلك شبابنا تنطبق عليهم صيغة الاستثناء ذاتها.. *فالبعض منهم يتعاطون مع الحياة بهزل ولكن ليس لهذا الحد.. *فهل يعقل أنهم ينظرون إلى المذيعة كشكل فقط؟.. *وهل يجهلون أن من مقومات المذيع الثقافة والحضور والتلقائية؟.. *وهل مشكلتنا الآن (جاذبية) مذيعاتنا؟.. *بل هل لا يعلمون- من الأساس- الفرق بين المذيع ومقدم البرنامج؟.. *فكل الأسماء المتداولة هي لمقدمات برامج.. *هذا ما عرفته من محدثي الغاضب الذي استمع لنقاشات الشباب.. *تماماً كما الفرق بين الصحفي والكاتب الصحفي.. *فليس كل من كتب في الصحافة يحق له الزعم بأنه صحفي.. *وكاتب هذه السطور سبق أن قدم برامج تلفزيونية.. *فهل يزعم أنه مذيع كتفه بكتف عوض إبراهيم عوض مثلاً؟.. *ثم في الغالب أن شبابنا يشاهدون الـ(سي إن إن).. *ولم يروا في هذه القناة (الأشهر) أي اهتمام بجمال المذيعات.. *إذاً فالأرجح أنهم كانوا يتجادلون في قضية وطنية.. *ولجأوا إلى لغة الرمزيات تخوفاً من (تطفل) محدثي .. *وجمال المذيعة يعنون به أنهم (جِمال شيل!!!). assayha