لم يكن للبلدة من حديث غيره صباح ذلكم اليوم.. *أي ما قد يكون شاهده الصبية الثلاثة في خرابة التكروري.. *ولم يقل أي من هؤلاء شيئاً يُشبع فضول أهل البلدة.. *كل ما قالوه إنهم كانوا عائدين من حلة فوق تصطك أسنانهم من شدة البرد.. *فقد كان شتاء ذلك العام يُؤرَّخ له بتجمد مياه الأزيار.. *وحين مروا بجوار الخرابة التقطت أسماعهم (شيئاً) خلاف صرير الأسنان.. * كان شيئاً أشبه بحشرجة خروف لحظة الذبح.. *وما كان أحد يدنو من الخرابة لأقاويل عنها تجافي منطق الأشياء.. *وآخرها ما نُسب إلى حليمة المجنونة قبل أشهر.. *وذلك حين شوهدت تهرول من جهة الخرابة ذات مساء.. *رغم أنها لم تقل سوى عبارة ظلت تصرخ بها وهي (الليلة وووب).. *إلا أن بعض أهل القرية قالوا إنها قالت كل شيء.. *وفي اليوم التالي أُخذت إلى الشفخانة على إثر دماء سالت على فخذيها.. *وذلك خلال تجوالها بين الجزارين تستجدي الشحم.. *ثم جاء صباحٌ لم تتحدث فيه القرية عما يمكن أن يكون قد شاهده الصبية.. *ولكنها تحدثت- برعب- عن شيء أشد إثارة للحيرة.. *فقد وُجد الصبية الثلاثة جثثاً هامدة تحت دومة المقابر وأعينهم جاحظة.. *كانت جاحظة على نحو مخيف وعليها آثار خوف (متجمد).. *وبدأ مشوار البحث عن الجاني أو - ربما - الجناة... *وطفقت حليمة المجنونة تردد ولولتها القديمة (الليلة وووب، الليلة وووب) .. *وبعد أيام كانت القرية تشيّع حليمة المسكينة.. *تشيعها ولما تيبس بعد (جرائد) النخل المغروسة في حواف قبور الصبية.. *وقُيَّدت القضيتان- كما كان متوقعاً- ضد (مجهول).. *ومات (السر الكبير) بموت أصحابه.. *أما الخرابة نفسها فقد تمت إزالتها بموافقة الجميع عدا واحداً.. *والواحد هذا كان صاحب نظرية جديدة على القرية.. *وقيل إنه أتى بها من دولة إفريقية غربية مكث بها حيناً.. *كما أتى بثروته (المبهمة) منها أيضاً ليصير أحد أهل النفوذ في المنطقة.. *والنظرية تتحدث عن جمع غريب بين الألم واللذة.. *ولم يفهمها أهل القرية بقدر ما حاولوا فهم أسباب عزوفه عن الزواج.. *ولم تفدهم بشيء خادمته (صافية) عندما سعوا إلى استنطاقها.. *كل ما كانت تجود به جملة مبهمة وهي تضحك.. *تضحك ضحكاً فاجراً وهي تغمغم (والله الراجل ده يوم بروح فيها).. *وبالفعل (راح فيها) لتُقيد الجريمة ضد مجهول.. *ولكن لا أحد من الفضولين عرف كيف كان (نوع) موته.. *هل كان موتاً (لذيذاً أم مؤلماً) ؟!!. assayha