*ونحكي اليوم عن قصة عجيبة قد يصعب تصديقها.. *فهي إلى عوالم الاستبصار والاستلهام والتخاطر أقرب.. *فما كل حقائق الوجود يسهل على العقل التعامل معها بمنطق الأشياء.. *فمنا- مثلاً- من مر بتجربة سماع اسمه يُصرخ به من غياهب المجهول.. *ومنا من رأى مناماً تجسد واقعاً أمامه بعد أيام أو أسابيع أو شهور.. *ومنا من استشعر تحذيراً بداخله إزاء خطوة ما فصدقت مخاوفه.. *ومنا من يصحو من نومه (مقبوض القلب) فيموت عزيز له.. *وحكايتنا الغرائبية هذه بطلتها طفلة في العاشرة من عمرها.. *أو هي ما زالت بطلتها-إلى الآن- بعد أن ازدادت من السنوات عشرين.. *فمن بين أشجار بيتها كلها وجدت نفسها منجذبة إلى واحدة بعينها.. *فوالدها كان موظفاً كبيراً بالمدينة ومُنح داراً حكومية ذات حديقة.. *وكانت هي تُهرع كل صباح نحو هذه الشجرة لتقف أمامها فيما يشبه التبتل.. *كانت تناجيها وتجزم أن تجاوباً من تلقائها- الشجرة- تحسه بلغةٍ غير بشرية.. *ثم لا تخلد إلى فراشها ليلاً إلا بعد مناجاة مماثلة تحت ضوء الحديقة الخافت.. *وذات ليلة تمت المناجاة المسائية وضوء قمر (14) يطغى على ما عداه.. *ولحظتها أبصرت ما جعل قلبها الصغير يخفق خفقاناً رأت آثاره أعلى قميصها.. *وأحست بشعرها الناعم يصير مثل حراب سور الحديقة المشرئبة نحو الأفق.. *والعينان البريئتان استدارتا - على اتساعهما- لتبدوا كريالين معدنيين.. *أما الذي شاهدته- وأثار فزعها- فقد كان وجه شاب يحدق فيها بعينين حزينتين.. *أثار فزعها رغم وسامة كانت بادية على محياه القمحي.. *وامتنعت أياماً عن مناجاة (الجهنمية البيضاء) رغم شوقها الشديد إليها.. *ما كانت تقربها أبداً - خلال تلكم الأيام- مكتفيةً بالنظر إليها عن بعد (نهاراً).. *ثم حين عاودت التبتل (الطفولي) عند محرابها لم يظهر لها الوجه مرة أخرى.. *بل لم يظهر لها إلى أن أُحيل والدها إلى المعاش وانتقل إلى منزله الخاص.. *وحتى بعد أن حرصت على وجود جهنمية مماثلة في البيت الجديد لم يظهر لها.. *ولكنه فعل عقب ذلك بسنوات أثناء حفل زواج إحدى صديقاتها.. *رأته عياناً بياناً- الوجه ذاته رغم آثار السنين- يحدق فيها بـ(عينين حزينتين).. *ويختم زوجها القصة قائلاً (وتم الزواج من بعد رفض في بادئ الأمر).. *رفض من جانب أهلها بسبب تجربة زواج (فاشلة) له فضلاً عن فارق السن.. *ولكنها انتصرت لحبها - يقول- إيماناً منها بـ(قدرية) حادثة الجهنمية.. *والآن - يقول ضاحكاً- (أيقونتها جهنمية !!!).