*شيء غريب حدث لجدتنا وإحدى (مساكناتنا) يوماً.. *فقد كانتا عائدتين من جهة الجنائن - عصراً- فضلتا طريقهما إلى البيت.. *ولكنهما لم تضلا طريقهما- أبداً- نحو نقطة البداية.. *أو بالأحرى تجدا نفسيهما عند النقطة هذه المرة تلو الأخرى إلى أن جن عليهما الليل.. *ثم انتبهت جدتنا للغصن- بحاسة لم تدرك كنهها- فطلبت من رفيقتها رميه.. *وما أن فعلت حتى استبان لهما الدرب لتصلا المنزل عقب صلاة العشاء.. *وتحكي جدتنا للكبار ما ترجمته من النوبية (كنا نحس كأننا ننعطف دوماً رغم استقامة الدرب).. *وتضيف مساكنتنا ضاحكةً (يا لفضيحتنا لو رآنا البعض).. *ولكن محللاً سياسياً موالياً لا يكترث لمثل هذه الفضيحة وهو يقول (تمر بلادنا بمنعطف حرج).. *فالسودان منذ نيله استقلاله وهو في حالة (انعطاف حرج).. *نحو ستين عاماً ونحن ننعطف عوضاً عن السير في خط مستقيم.. *إلى أن تجاوزنا بوابة الألفية الثالثة ونحن (يا كافي البلاء) ننعطف.. *فأكثر شعوب الأرض انعطافاً- في التاريخ- هو شعب السودان المسكين.. *بمثلما إنه أكثر شعوب العالم معايشة للانقلابات العسكرية.. *بل إن أول محاولة انقلابية حدثت بعد (عام واحد فقط) من إعلان الاستقلال.. *وبلغت (بياناتنا الأولى) من الكثرة حد أن سخر منا المصريون في نكاتهم.. *وإحدى النكات هذه تقول (اللي يصحى بدري عندهم يستلم السلطة على طول).. *ثم كل عهد عسكري يرفع شعار (بلادنا تمر بمنعطف حرج).. *وهو شعار يتطابق في أهدافه مع شعار (لا صوت يعلو صوت المعركة).. *أي أن (الظروف الاستثنائية) مطلوبة إلى أن نتجاوز مرحلة الخطر.. *ولكن خطر (الجن) هذا لا يزول أبداً ولو بعد ستين عاماً كما هو حال بلادنا.. *والمحلل السياسي الذي يردد العبارة هذه ذاتها - البارحة - لا يبدو عليه أي قدر من (الخجل).. *فهي قد قيلت من قبله مليون مرة بعد المليار بعد البليون بعد التريليون .. *ثم باتت - من كثرة استهلاكها - أحد مسببات (طمام البطن) عند سامعيها.. *ولو قُدر لمعاصري جدتنا سماعها - في قبورهم - لتعجبوا من أنها ما زالت (عملة سياسية) صالحة للتداول.. *أما جدتنا نفسها فسوف تعجب من أن بلادنا تفعل مثل فعلها ذاك قبل خمسين عاماً.. *أي (تحس كأنها تنعطف دوماً رغم استقامة الطريق).. *ثم تكاد تعود إلى (نقطة الصفر) في ظلمة حالكة السواد.. *ونقترح - من ثم- مثل اقتراح جدتنا برمي فرع (الشجرة المسكونة).. *قبل أن تستفحل (فضيحتنا !!!).