*كان عندنا أستاذ تأريخ يحب الجلد جداً.. *يحب الجلد إلى درجة أن (يبالغ) في عدد جلداته المؤذية.. *فهو لا يجلد إلا بخرطوش يترك (آثاراً تاريخية) في الجسم.. *كان ذلك خلال مرحلة دراستنا الثانوية العامة.. *وحين كبرنا قليلاً شخصنا ذلكم الجلد بأنه مرض يسمى (السادية).. *وقد تعجبون كيف يُجلد طلاب في مادة التأريخ وهي ليس فيها جلد.. *ولكن أستاذنا ذاك لم يكن يجلدنا في التأريخ وإنما الرياضة.. *الرياضة بمعنى كرة القدم وليست الرياضيات.. *فهو كان مشرفاً على (حصة الرياضة) التي كانت مقررة علينا عصراً.. *وبما أن فسحة الغداء قصيرة فإن قائمة الجلد كانت تمتلئ بأسماء الضحايا.. *وفي يوم حدث شيء غريب من تلقاء زميل جُلد مثلنا سبع جلدات.. *فأستاذ (شبتاكا) هذا جلداته لم تكن تقل عن سبع قابلة للزيادة.. *وهي جلدات- في حدها الأدنى- لم يبلغها أستاذ الرياضيات أبداً.. *فما أن فرغ الأستاذ من زميلنا حتى رأينا يداً تمتد نحو الأمام والأخرى تجاه الخلف.. *أما التي ذهبت إلى الوراء فمعلوم أين استقرت.. *وأما التي (انقذفت) صوب الأمام فقد استهدفت رصيفتها الخاصة بالأستاذ.. *ثم شدت عليها في تزامن مع عبارة (شكراً يا أستاذ ، شكراً جزيلاً).. *وما كانت حيرة (شبتاكا) بأشد من التي ارتسمت على وجوهنا إلى أن زال العجب.. *فقد شكره على استبدال (الخرطوش) بفرع شجرة.. *والشرطة في العالم المتحضر لا تستخدم (الخرطوش) الحي.. *لا تستخدمه إلا عن الضرورة القصوى.. *ولا أظن أن التظاهرات الطلابية- والشعبية- هي من الضرورات القصوى.. *ولذلك لم نسمع بمثل حادثة (القرشي) في تلكم الدول.. *ولكن ما تلجأ إليه الشرطة (هناك)- في هذه الحالات-هو خراطيم المياه.. *(خراطيش) لضخ الماء وليس الجلد مثل أستاذنا ذاك.. *فكل يوم نشاهد في الفضائيات عربات المياه وخراطيمها مصوبة نحو متظاهرين.. *ودائماً ما تغني (الخراطيش) هذه عن تلك التي للجلد أو القتل.. *و(قيمة) الإنسان التي تُراعى هناك نحن أولى بها هنا.. *أولى بها في بلادنا الإسلامية كافة التي (تدوس) عليها.. *فنحن مأمورون بهذا (ديناً) وليس محض (قوانين وضعية) مثلهم.. *ولكنا نحمد لشرطتنا الآن استخدامها (الخرطوش المطاطي).. *ونعني هذه الأيام التي تشهد تظاهرات طلابية متفرقة.. *رغم إنه كان من الأفضل استبدالها بـ(خراطيش المياه).. *فإن تعذر ذلك فلا بأس بـ(المطاط) الذي قد لا يخلف سوى (آثار تاريخية).. *وتستحق الشرطة منا شكراً- جراء ذلك- بطول (خراطيش) أفرادها للجلد.. *أي تستحق منا شكراً (ممطوطاً !!!). أحدث المقالات