امبراطوريات الفساد.. تحمي نفسها.. لكن إلى حين.. و طائفة الختمية تراه.. و تصمت..! و كان الشارع السوداني يتحدث همساً.. ثم جهراً عن الفساد و الفاسدين.. بينما أئمة المساجد و ( علماء السلطان) يرون الفساد يمشي عارياً بالقرب منهم.. و يكشف عن نفسه في المباني و الفارهات.. و مناسبات الأعراس فاحشة الرفاهية.. و لا يصدر وعظ منهم عن الجريمة، دعك عن وعظ المجرمين.. ( العلماء) أولئك بدأوا يتحسسون أوضاعهم هذه الأيام.. فانبروا يفتون، من على منابرهم، عن عمليات التحلل من الأموال المسروقة- بعد الكشف عنها- و عن شبهات البنوك الربوية ( المتأسلمة).. و عن الهدايا التي تقدم لمتنفذين ما كانت لتقدم لهم لو (.. جلسوا في بيوت أمهاتهم..) بعيداً عن المؤتمر الوطني و الأحزاب (القَمَّامة).. نعم، بدأ ( علماء السلطان) الحديث متأخرين جداً، بعد أن صار الفساد جزءً ملتصقاً بحركة المال و الأعمال في الحياة المجتمعية.. و لا فكاك منه.. و مع ذلك لا نسمع شيئاً من أمراء ( الطوائف) يتعلق بفساد الحكم في السودان.. ربما لأنهم متورطون في قصر ( السيادة).. و ليس في الفساد.. و لم يشعروا بالكراسي تهتز تحتهم حتى الآن! لا بد أن تكون هنالك تلَفِياتٍ ما في قرون استشعاراتهم.. أما علماء السلطان فما كانوا ليقولون ما قالوا ( بعد خراب مالطة)، إلا لأن قراءاتهم للأحداث كشفت لهم عن بداية انهيار نظام ظل يتآكل من الداخل منذ بدايته حين استَّن نهجاً للفساد أسماه ( التمكين).. و ما كان النظام ليعيش لولا تناقضات الأحزاب، خاصة الطائفية منها، و عدم المؤسسية في أنظمتها المعتمِدة على ( الأب الروحي) الذي يحرك الأعضاء بالإشارة، و الأعضاء بالإشارة يفهمون.. و ليس بينهم لبيب أبداً، بعد أن وطَّن كل امرئ منهم نفسه على لبس ثوب الإمعة.. و قد تتساءل عما إذا كان للمرجعيات الطائفية السودانية رؤية ثابتة للحياة و السياسة.. أم أنهم يعتاشون على الصدف المحضة.. و مشكلة السودان الكبرى أن لطائفتي الأنصار و الختمية تأثير غير حميد على نُخب حزبي الأمة و الاتحادي الديمقراطي المتهالك.. و تأثير الطائفية على نخب الاتحادي الديمقراطي أشد سلبية و أنكى لأن تعاطيهم مع الأحداث يستمد قوة دفعه من التمسح ببركة و مباركة السيد\ محمد عثمان الميرغني في كل شيئ.. و أي جملة يتحاججون بها في حواراتهم البينية يتوجب أن يكون مرجعيتها ( السيد) الذي يكادون يعبدونه عبادة شاملة.. و حتى المتخصصين منهم يستعينون في مجال تخصصاتهم بالسيد الذي لا يفقه عنها شيئاً.. لكنه العارف بالله و بأسرار الكون..
و إستمعتُ ذات مساء إلى قطبين من أقطاب الاتحادي الديمقراطي هما طه على البشير و قطب آخر.. و لم أكن أتوقع أن يسقط طه على البشير في وحل الطائفية و الخنوع لها لدرجة تكاد تبلغ مبلغ العبادة بالشكل الذي رأيته فيه ذاك اليوم.. يستشهد بما قال ( السيد) حيناً..و بما كتب ( السيد) حيناً.. و... و يبدو أنه حاول مجاراة القطب الآخر في الالتصاق ب( آل البيت).. فلبس جلباب المريد القُّح.. فكان الجلباب أضيق جداً جداً من حجم طه علي البشير الذي نعرفه.. ضيق جداً و لا يشبهه.. و تتعجب من قامات لا يستهان بها مثل الأستاذ/ أبوسبيب و البروفيسير /الجعلي و زملائهماً ينهرهما ( البنجوس) الحسن الميرغني و يمسح أسماءهم بالاستيكة من قائمة الحزب الاتحادي الديمقراطي، و لا عجب ".. في زمن يُعدُّ فيه كلب الصيد في الفرسان"!! و هل كمال عمر سوى واحدٍ من فرسان ( الحوار الوطني)، ممثلاً للمؤتمر ( الشغَبي)؟! و ها هو ( البنجوس) يرفع عقيرته لمقاضاة مجلس الأحزاب الذي قضى بعدم قانونية مسح أسماء دهاقنة الاتحادي اليمقراطي بالاستيكة..! لِم لا يقاضي مجلس الأحزاب و قد صار- بقدرة البشير- المساعدُ الأول للبشير .. " و في الحمى عدد الكواكب من مشير..." من أهل المعرفة و الدراية بالسياسة و الاقتصاد و القانون.. و كل العلوم.. لكنها المحاصصة القاتلة لمقدرات السودان المادية و البشرية، تلك المحاصصة التي جعلت كلاب الصيد تجلس على مائدة واحدة مع الفرسان.. تأكل و تتجشأ.. و تولغ في الأواني.. ثم تنبح مع الذين لا مهنة لهم سوى الزغاريد في كل مناسبة، كما حدث يوم عقد قران الهِّر الكبير على الدجاجة المسكينة.. و كم أضاعوك أيها السودان!