أخذت بعض الأصوات تتساءل عمّا إذا كان موقف السودان وهو يشارك في تحرير اليمن صحيحاً، وقبل أن أجيب أود أن أفرق بين فئتين كبيرتين تتفرع منهما فئات أخرى أصغر إحداهما لا تنطلق من موقف مبدئي معاد للمشاركة وكل ما في الأمر أنها تود أن تعرف بواعث الموقف الحكومي لتقول رأيها بعد ذلك، أما الأخرى فإنها تنطلق من موقف معارض لكل ما يصدر من الحكومة بغض النظر عما إذا كان ذلك يحقق مصلحة أو إضراراً بالوطن. لقد بح صوتنا ونحن ننادي بأن يفرق الساسة بين مواقفهم الحزبية أو الشخصية وبين المواقف الوطنية، ولن ينصلح حال السياسة في بلادنا ما لم تحكمها القيم وتزينها الأخلاق، ولكم حزنت أن ينشط بعض المعارضين في تبادل التهاني بعد قيام امريكا بتجديد العقوبات المفروضة على السودان لعام جديد، فقد سقط البعض في نظري وهم يرسلون قرار تجديد العقوبات إلى (قروبات) الواتساب ووسائط التواصل الاجتماعي شماتة بالحكومة التي يبغضون وما درى هؤلاء أنهم إنما يشمّتون بأنفسهم وبشعبهم وبوطنهم. وأنا أكتب هذه العبارة الأخيرة جال بذاكرتي خبر وفاة السياسي العراقي العميل أحمد الجلبي بالأمس وهو الذي دخل على صهوة الدبابات الأمريكية المحتلة لعاصمة الخلافة العباسية التي سادت العالم قبل اكتشاف امريكا باكثر من خمسة قرون..لقد مات أحمد الجلبي بعد ان اسلم عاصمة الرشيد للمحتلين..مات وقد ترك العراق ممزقا ومحتلا وفي اسوأ حال فيا له من خزي ويا له من عار . قلت لمن تفاكروا حول مشاركة القوات المسلحة السودانية في عاصفة الحزم لتحرير اليمن : لو كنت حاكماً للسودان لفعلت أكثر مما فعلت الحكومة وهي تدفع بالقوات السودانية إلى اليمن .. ليس نظير مكافأة أرجوها للسودان من ذلك الفعل وإنما انفعالا بقضية كبرى لا تكفي المقالات والكلمات للإحاطة بأبعادها الضخمة وامتداداتها عبر الأزمان. تذكرت وأنا اتأمل الدور السوداني الجديد وهو يتخطى الحدود عابراً البحر الأحمر إلى اليمن مهد العرب العاربة بل أصل العرب..اليمن أرض الرسل والرسالات التي ملأت بأمجادها وحضاراتها وصعودها وهبوطها مدارج وصفحات التاريخ ..تذكرت سلسلة لا تنقطع من القصص القرآني حول اليمن عبر قصص عاد وثمود ومأرب وسليمان وبلقيس وذي نواس الحميري وقصة أصحاب الأخدود وقصة أصحاب الفيل وأبرهة الأشرم ومولد المصطفى صلى الله عليه وسلم والهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة حيث النجاشي وتذكرت التداخل الكبير ببن أفريقيا ممثلة في الحبشة المتداخلة منذ القدم مع اليمن. صدقوني إن قلت لكم إنني أغبط من اتخذ قرار ربط السودان بذلك التاريخ الضارب في أعماق الزمن ليسهم ويمكن السودان من أن يشارك في صناعة إحدى حلقاته المضيئة، فاليمن تحمل بضعاً من الدم النبوي الشريف المتسلل عبر قبيلة جرهم التي نزحت من اليمن إلى مكة لتصاهر إبراهيم الخليل عبر ابنه إسماعيل جد النبي الخاتم. قلت (لقروب الواتساب) إن الدولة القطرية صنعها مستعمرون على انقاض دولة وأمة واحدة..مستعمرون منحوا انفسهم حكم العالم وعبروا حدود الأوطان والبحار والمحيطات لكنهم قسموا الأمم مزقا تخدم أجنداتهم الاستعمارية. هناك مشروع يستهدف الإسلام في العالم أجمع واليمن بالنسبة لحكام أيران الحاليين كانت جزءا من الإمبراطورية الفارسية منذ أيام حاكمها سيف بن ذي يزن.. إيران لم تفرح بدخول الإسلام في عهد الفاروق بقدر ما حزنت لزوال إمبراطورية فارس ولذلك تنقم على الفاروق عمر بن الخطاب وتقيم ضريحاً في أصفهان يزار حتى اليوم لقاتله المجوسي.. إيران تبحث عن ثأر من رعاياها العرب الذين كانت تحكمهم أيام إمبراطوريتها الفارسية والذين صيرهم الإسلام سادة عليها. لو كان الأمر أجندة استعمارية عادية لهان كثيراً لكنه مخطط معاد للإسلام السني تكشف تماماً بعد أن اعترفت إيران الفارسية بمشروعها التوسعي المتحالف مع أمريكا بعد الاتفاق النووي الذي وقعته الدولتان سيما بعد أن اتخذت أمريكا الإسلام السني عدواً استراتيجياً. نحمد الله أن عاد أردوغان لحكم تركيا بتفويض كامل، وهيأ للسعودية الملك سلمان، ونسأل الله العلي الكبير أن يهيء لهذه الأمة ما ينقذها من المؤامرة وأن يهيء للسودان دوراً يسطره له التاريخ ويعبر به إلى حل كل مشكلاته الداخلية.