* قلمي يكاد يدعوني لأن (أحلل عقدة من لسانه يفقهوا قوله).. *أي أن يكتب كما (تعوَّد) أن يفعل هو لا كما (عوَّدته) أنا في الآونة الأخيرة.. *وإلى ذلكم الحين نكتب - من بين الذي نكتب - مثل الذي أشرنا إليه في كتاب (شذرات).. *وهو أحد كتابين - بالمناسبة - تنميت لو لم أنشر أحدهما الذي عن (عشق الوطن).. *أقول ذلك رغم إن نسبة توزيعه - ويا للغرابة - تجاوزت الـ(%70) في بدايات الإنقاذ.. *أما الثاني بعنوان (العدم الوجودي) فلا أظن أن أحداً قرأه سوى (ناشره).. *والذي كتبناه في (الشذرات) هذا جاء تحت عنوان (ميتة وخراب ديار).. *وتحدثنا فيه عن ظاهرة سودانية قل أن تجد لها نظيراً بين شعوب الأرض كافة.. *إنها ظاهرة ما يقع على أهل الميت من رهق (مادي) فوق الرهق (النفسي) جراء فقد عزيز.. *أي تكفلهم بإطعام المعزين - إفطاراً وغداءً وعشاءً - مع القهوة والشاي والماء البارد.. *وقد تظل (الصواني) تخرج من دار الميت لنحو خمسة أيام كما فعل جيرانٌ لنا قبل أسبوع.. *والذي فعله جيراننا هؤلاء هو الذي دعاني إلى الحديث عن (الظاهرة العجيبة) اليوم.. *وحجتهم في ذلك هو توالي وصول المعزين من (البلد).. *(طيب) لماذا لا نفعل مثل الذي يفعله المصريون والخليجيون والمغاربة من طقوس العزاء؟!.. *أي أن ننصب سرادقاً لا يجلس داخله المعزي إلا بمقدار الزمن الذي يحتسي فيه القهوة (السادة).. *وعند مدخل السرادق يقف أهل الميت لتلقي العزاء بدلاً من (البحث) عنهم بين الزحام.. *ثم لا (ونسة) ولا (قطيعة) ولا (ضحكات) وإنما استماع فقط لآيات من الذكر الحكيم.. *وبنهاية اليوم يُطوى (الصيوان)، ويُرفع العزاء، وتُجمع أواني القهوة (المرة).. *وظروفنا الاقتصادية الحالية هي أدعى إلى أن نكف معها عن ممارسة (العادة السخيفة) هذه.. *فالوضع أسوأ مما كنا عليه في ذلكم الزمان (الطيب) الذي شهد نشر (الشذرات).. *الزمان الذي كان الناس يأكلون فيه وجباتهم (الثلاث) ثم يتصدقون بما تبقى.. *أما الآن فأغلبهم يكتفون بوجبة واحدة قد (تُشبع) ولكنها حتماً لا (تُغذِّي).. *ثم إن (الفاتحة) ذاتها التي نصر عليها هي (بدعة) لا معنى لها.. *وإنما الذي يصح - ديناً- أن ندعو للميت بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة.. *وليت صحافتنا تتبنى حملة شعارها (عزاء وقهوة مرة).. *مثل (مرارة واقعنا !!).