كتب كثير ممن يسمون أنفسهم ، بالمحللين الإستراتيجيين ، والخبراء الإعلامين ، عن مغزى ، ودوافع الغزو الروسي لسورية . ولكن معظمهم إن لم يكن كلهم ، أخذوا يشطحون بأفكارهم المنطلقة ، من رؤية جاهلية .. علمانية .. ترابية ، ويحلقون في عوالم خيالية .. وهمية .. ويفسرونها بتفسيرات بعيدة كل البعد عن الحقيقة ، والواقع !!! بينما الرؤية الإيمانية ، لها نظرة مختلفة .. لأنها تتميز بأنها خارقة للكواليس التى تدار وراءها المؤمرات .. وتسلط الضوء مباشرة ، إلى أصل الصراع ، على أرض الشام . والذي هو في الحقيقة .. صراع إيمان وكفر ، توحيد وشرك ، عقيدة ربانية سماوية ، وعقيدة بشرية ترابية. وما تشيعه وسائل الإعلام الجاهلية ، العلمانية من أن مبررات الغزو الروسي ، فقط للحفاظ على المصالح القومية ، والإقتصادية ، والإستراتيجية لروسيا ، والحفاظ على بشار .. فيه كثير من المغالطة .. والخداع .. والتضليل الذي يمكن أن ينطلي على دهماء ، ورعاع الناس . ومن السهولة .. إدراك حقيقة الدوافع الروسية ، وذلك عن طريق ، إدراك موقعها الديني ، عبر التاريخ . فهي قد أصبحت تمثل الراعية ، والحامية للأرذوكسية النصرانية ، منذ سقوط القسطنطينية في عام 1453 على يد محمد الفاتح ، وأصبح حاكمها يسمى بالقيصر . ونصبت نفسها ، المدافع الأول ، عن النصارى الأرذوكس ، في العالم أجمع . ولهذا دعمت ، وساندت الصرب – وهم أرذوكس - في حربهم ضد المسلمين ، في منطقة البلقان جميعها ، وللمعلومية ، إن الأرذوكس هم أشد طوائف النصارى ، عداوة للمسلمين !!! ولذلك انبرى الكاهن الأكبر للكنيسة الأرذوكسية في موسكو ، يبارك ، ويؤيد ، ويدعم الحرب الروسية في سورية ، ويسميها حرباً مقدسة . لأنها حرب دينية ، انطلقت للدفاع عن النصرانية ، على اعتقاد منهم ، أن إقامة الدولة الإسلامية في سورية ، هو تهديد للنصرانية في المنطقة كلها .. ولذلك حسب معتقداته الصليبية .. لا بد من منع إقامة هذه الدولة المسلمة .. لحماية النصرانية .. وحماية الدولة الروسية القيصرية . وفقط البلهاء .. والأغبياء من ذراري المسلمين ، والفاقدون صلتهم .. مع ربهم ودينهم ، يزيغون ، ويتيهون .. وتعمى أبصارهم ، عن رؤية هذه الحقيقة الواضحة .. بل ، ويخجلون .. ويستحون .. ويتحرجون من ذكر الدين في الحروب البشرية ، في الوقت الذي يعلنها أعداؤهم بملئ فيهم ، أنها حرب دينية مقدسة ، وحرب صليبية ، وقد قالها بوش صراحة أثناء هجومه على أفغانستان . وهكذا يتبين لنا ، بكل وضوح ، أنه لا يوجد ، إلا هدف واحد للغزو الروسي هو: إجهاض مشروع إقامة الدولة الإسلامية ، أيا كانت الجهة التي تتبنى هذا المشروع ، سواء داعش ، أو سواها . ولكن تحطيم هذا المشروع ، ومنع إقامته على أرض سورية ، لا يكون إلا ، عن طريق الحفاظ ، على نظام بشار ، وليس شخص بشار ، لأن بشار ليس إلا ديكوراً ، يمكن تغييره في أي وقت . وإنما المهم هو منع سقوط النظام...لمنع حلول الدولة الإسلامية محله . وبما أن سقوط نظام بشار ، هو : هَمٌ ، وقلق عالمي !!! فقد تداعى زعماء .. وقادة .. ومسؤولون من مختلف دول العالم العربي ، والعجمي ، واليهودي ، والأوروبي ، والأمريكي ، للحج إلى موسكو – طبعاً بموافقة العم سام .. الذي يعرف غرور الدب الروسي .. وبلاهته .. وحبه للفخر .. واستعراض العضلات – واجتمعوا برئاسة قيصر الروم الذي ، يحب الأبهة .. والعظمة ، والخيلاء .. وقال لهم بكل صراحة .. وعلى المكشوف : هل تعلمون يا سادة العالم ؟؟؟!!! أن المحافظة على نظام بشار ، هو الضمان الوحيد ، للمحافظة على السلم العالمي ، والأمن الإقليمي ، والمحافظة على عروشكم ، وعلى أشخاصكم ، وعلى أنظمتكم . وعلى العكس ، إن سقوط نظام بشار ،هو سقوط لأنظمتكم جميعاً ، وتهديد لبلدانكم ، وزعزعة لأمنكم واستقراركم .. لأن البديل عنه ، سيكون دولة الخلافة المرعبة .. الإرهابية ..المدمرة لكل الحدود .. والحواجز .. والخارقة لكل القارات !!! ولذلك يجب أن نتعاون جميعاً ، البعض يقدم المال ، والآخر يقدم السلاح والعتاد ، والآخر يقدم المستشارين والجنود .. يجب أن نكون كلنا على قلب رجل واحد ، لمقاومة هذا الإرهاب الإسلامي الكاسح ، ومنع إقامة الخلافة الإسلامية البغيضة ، المرعبة ، بأي شكل من الأشكال . وأنا أتعهد لكم بإرسال الطائرات ، والقيام بشن الغارات الجوية ، وقذف حمم الصواريخ ، والقنابل العتقودية وأخواتها على المناطق المحررة ، في سورية ، لإعادتها مرة أخرى ، إلى حظيرة النظام الأسدي ، وشد أزره ، وتقوية أركانه .. ستقوم طائراتنا الحديثة جداً ، بدك حصون الإرهابيين ، وتدمير قلاعهم ، وتشتيت جموعهم ، وتمزيق صفوفهم ، وزهق أرواحهم . وصفق له جميع الحاضرين ، وقبلوه من رأسه ، على جرأته النادرة ، وشجاعته الفائقة ... وخرجوا إلى الملأ ، وهم فرحون .. مسرورون ، لإجراء المؤتمرات الصحفية الهزلية ، المعتادة ، والمتفق مسبقاً على نوع التصريحات ، التي يدلي بها كل واحد ، بما يرضي شعبه ، وزبانيته ، مع التأكيد على الثوابت المتفق عليها ، وهي محاربة الإسلام الإرهابي ، أو الإرهاب الإسلامي ، وأنه لا حل للمعضلة السورية ، إلا بتحقيق حل سياسي ، ومصالحة وطنية . وهكذا انفض الجمع ، وولوا الدبر .. بعد تحديد موعد ثابت ، لبدء الطائرات الروسية ، بقذف حممها البركانية ، الساحقة ، الماحقة ، للبشر ، والحجر ، والشجر ، وكانت الشام المحروسة ، على موعد يوم 30 أيلول 2015 لبدء العدوان الروسي الغاشم ، الآثم . فبدأت الطائرات بإلقاء حممها ، على المناطق المحررة حديثاً ، والتي شكلت تضييقاً على المليشيات الأسدية وزبانيتها ، ولم تقترب من المناطق التي تسيطر عليها داعش ، لتحقيق هدفين : الأول : القضاء على الكتائب المجاهدة المحاصرة ، والخانقة للنظام ، بقصد فك الحصار عنه ، وهذا هو الأهم في المرحلة الأولى . الثاني : إشعال فتنة بين المسلمين ، بنشر شائعة مغرضة ، كاذبة ، ملهية : أن داعش ما هي إلا صنيعة النظام الأسدي ، والإيراني ، والشيعي ، والروسي ، ولذلك الطائرات الروسية لا تحاربها ، بينما هي تحارب الكتائب المعتدلة . ولإعطاء التحليل مفهومه الواسع ، الشامل ، يجب أن نشير إلى أن الهدف الأول للغزو الروسي ، وهو منع إقامة الدولة المسلمة في الشام ، لا ينفي ، وجود هدف ضمني ، وفرعي ، وهو تثبيت ، وتوطيد الهيمنة الروسية على المنطقة ، وتأمين مصالحها القومية ، والإقتصادية ، وحماية أراضيها من المجاهدين .. الذين سبق أن أذاقوها الويل والثبور . ولكن هذه لا تتحقق ، إذا لم يتم تحقيق الهدف الأول ، والرئيسي . وما يتفزلك به بعض المحللين ، أن بشار طلب استقدام الروس ، ليحلوا محل إيران ، فهذا كلام فارغ ، وخيالي .. ومحض افتراء !!! فإيران لا يمكن استبدالها بروسيا ، ولا يوجد بين الجميع أي خلاف ، على الهدف الواحد ، وهو : حتمية منع إقامة الدولة المسلمة في سورية ، وتثبيت ، وترسيخ النظام الأسدي مع بعض التعديل ، إذا اقتضت الظروف ذلك . وما يظهر في الإعلام ، من خلافات بين الدول المعنية ، وتعارض الإعلانات الصحفية ، وتغييرها بين الفينة والأخرى ، ما هي إلا مسرحية هزلية ، وتمثيل أدوار ، متفق عليه مسبقا بين الجميع ، ومعطى لكل فريق ، هامش من الحرية للمناورة ، والخداع ، والتضليل . الأربعاء 7 محرم 1437 21 تشرين الأول 2015 موفق السباعي