معنى الواقعية ! بقلم عماد البليك

معنى الواقعية ! بقلم عماد البليك


05-10-2015, 03:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1431267250&rn=0


Post: #1
Title: معنى الواقعية ! بقلم عماد البليك
Author: عماد البليك
Date: 05-10-2015, 03:14 PM

03:14 PM May, 10 2015
سودانيز اون لاين
عماد البليك -مسقط-عمان
مكتبتى فى سودانيزاونلاين



لا يحكى


كثيرا ما نسمع كلمة "واقعية".. أو "واقعي".. أو أن يقول لك أحدهم.. "يا أخ كن واقعيا!". ولكن لا أحد يقف ليحدد لك ما المقصود بالضبط، هل الواقعية شيء حقيقي وملموس وواضح يمكن الاستناد عليه في تعريف العالم وفهم الذات والأشياء عموما أم أنه حاجة ضبابية لا يمكن السيطرة عليه. التأويل الثاني يبدو أقرب للتمثيل والتطبيق والفائدة العملية، والسبب ببساطة أن طرح الواقعية في شتى صورها سواء كانت في الفلسفة أو الفنون أو السياسة او الاقتصاد ومنذ القدم، وإلى اليوم ظلت تطرح نفسها ليس كشيء مستقل بل كردة فعل لما يعرف بالمثالية.. التي غالبا ما يتم ربطها بالتخييل وربما المجازات المفتوحة غير قابلة التطبيق أو بشكل أكثر وضوحا الانطلاق لآفاق غير محددة من وعي الأشياء بما يفارق صور العالم الخارجي والمحدد في ظن البعض.
وإذا كانت المثالية تتعلق بالصور العقلية المحضة أو التصوف أو الروحانيات، فهي تعني بالجانب الفلسفي والجمالي من الأشياء في بعض الأحيان، لكنها مرات تغرق في الواقع بشكل آخر، لنعثر على ما يسمى بالمثالية الواقعية الأفلاطونية، التي تؤكد على وجود عالم بذاته من المثل يقع خارج فكر البشر والأشياء. وهذا يعقد الموضوع لأننا بدلا من أن نربط المثال بالعقل والمعرفة المحسوسة والمجربة فأننا نتجه إلى السياق الأنطولوجي للعالم أو الميتافيزيقيا أو ما وراء الطبيعة، لنجد أننا أمام صورة تفارق المثال في مفهومه الذي يدور في فلك العقل أو ما يمكن أن يقترحه أو يقدمه الذهن الإنساني من حلول.
لكن يبدو أن الإشكال أكثر تعقيدا ما دام العقل هو المركز في تفكير الإنسان، لأن الحديث عن العقل كمدونة مغلقة للمعرفة والاحتكاك والتواصل والإنتاج الفكري يعني حجب المسافة الواصلة بين الميتافيزيقا والغيب والواقع. يعني ذلك ببساطة تجريد الوجود من فكرة الوحي أو الإحياء الرباني أو أي شكل من أشكال التواصل المفترضة بين المطلق والمحدود كما في الأعراف الدينية حيث يوجد هذا الوسيط الناقل، لكن ثمة من يرى أن هذا الناقل نفسه قد لايكون تجسيميا كما يجري تصويره في التراثيات، بل هو واقع في حيز الهيولي غير المصور.
لإيضاح الصورة، فالهيولي هو في معناه الكلاسيكي عبارة ذلك المحسوس الذي يشكل الأصل أو المادة في تجليه الظاهر، حيث يفترض أن كل الموجودات والمخلوقات لها محسوسات أو أصول منطلقة عن ذلك الغائب وغير المرئي أو المحدد، فالهيولي هو صور لما وراء الصورة، ذلك "الغامض" الذي لا يمكن الإمساك به ولا ترويضه ولا تعريفه بسهولة، لأنه يؤسس الصور وهو فاقد لها في جوهره، أنه بدرجة أو بأخرى يهب الماهية والمعنى وهو مجرد عنه، بما يشابه معطيات المطلق الإلهي، أو الروح. ولكن بتفاوتات معينة في الإدراك والقراءة والتأويل.
ولكن إذا لم تكن ثمة صورة لا يوجد هيولي والعكس صحيح، فجوهر الأشياء يقوم على هذا التكامل الذي يعيدنا لفكرة المثالية خارج الوعي وداخله، أي العقل وخارجه، بمعنى الأصل الحاضر في العقل والهيولي الذي يظل منعتقا في الغائب الخارجي. بمعنى أن الإنسان هنا يتحول إلى كائن معرفي مترابط مع محيطه الكوني وليس مجرد آلة منعزلة، أي أن عقله يعمل في إطار تواصله الواعي مع المجتمع وفي إطار لاواعي مع مجمل السياق الكوني وهذا ما تقول به بعض مدارس العلوم الحديثة في التنمية الإنسانية التي تتحدث عن نظريات الجذب الكوني أو "السر". كما طُرِحت في الكتاب المسمى بالاسم نفسه "السر" لمؤلفته روندا بايرن والذي يقوم على فكرة قانون الجذب وأن التفكير الإيجابي يخلق نتائج تجعل الحياة إيجابية وأفضل، وهو قانون برغم بساطته معقد من حيث الميكانيزمات لأنه يحتاج في تفسيره إلى إدراك عمليات في الفيزياء الجديدة والفلسفة وغيرها من نظريات متعلقة بالمعرفة الدينية الكلاسيكية كالدعاء مثلا الذي يصب في هذا الباب، إذ كيف تتم الاستجابة بناء على الدعاء لله عز وجل!
إن الواقعية في ظل هذه المعطيات تتحول إلى سياق أكثر شمولية من المعنى المباشر والمراد أحيانا بشيء من التسريع والإهمال لكينونة الإنسان أو الكائن، فالواقع في مجرداته وحقيقته لا يشتغل بالمحسوسات المباشرة إنما يتجلى فيها أو عبرها، ولكنه يعمل وفق ما لا يمكن رؤيته من مجازات لغوية وروحانيات ومعتقدات وطقوس عبور وغيرها من تقاليد إنسانية مترسخة يشتغل عليها الكائن حتى لو لم يكن واعيا بها أو لها بالدرجة الكافية، وهذا يعني أن الحلول المفترضة للمشكلات المختلفة في المجتمعات بما فيها السياسية والاقتصادية لا يمكن تجريدها أو فصلها عن سياقات اللاوعي واللامحسوس في نظم التفكير الجمعية، لا يمكننا مثلا الحديث عن اقتصاد جديد في أي بلد بمعزل عن دراسة نسق وأنماط العيش التقليدية وسبل الكسب المتوارثة وكيف يتأثر ذلك كله بالعقلانية المفترضة أو منهج التعقل والوعي في المجتمع. ففي التقاليد الدينية مثلا يؤمن الفرد بأن الصدقة أو الزكاة تحافظ على المال، وهذا مفهوم اقتصادي يقوم على بعد مثالي أو "غير واقعي" إلا في حيز الإيمان. لكنه في الوقت نفسه يؤخذ في الاعتبار في سياق الاقتصاد الجديد ومثله أمور كثيرة أكثر تعقيدا في الرؤية فيما يتعلق بأنساق الحياة الاجتماعية المتعددة التي تظل ضرورة للتطور بعد إخضاعها لإعادة التشكيل والوعي.
إن الحديث عن واقعية جديدة يجب أن يتجرد عن ردة الفعل الشكلية للمثال والعالم الحالم كما يصوره البعض، بأن يتم المزج بين المعنى والشكل أو الفراغ والامتلاء، وهذا يعني ربط السياق الهيولي بالصور المحسوسة والكلية، أي التعامل مع الوحي والعقل كشيء واحد أو تذويبهما في حيز التجربة الراهنة والمعاش لإعطاء دافعية الوجود، وهذا يرد أحيانا في سياقات المعرفة البدائية لكنه لا يتم إدراكه أو توصيفه بطريقة علمية وحديثة بل بالشكل التقليدي الموروث، كما أن كلمة "وحي" المقصودة هنا لا تخضع للقيمة المعرفية المدركة والسائدة، إنما تتجاوز ذلك لمعنى الكون الكلي والشامل الذي تتكامل فيه صور المطلق مع المحدود والواقع مع اللاواقع، بما يشبه مفهوم الحلول عند بعض الفلاسفة المتصوفة كالحلاج. ولكن بشيء من رد الاعتبار للموضوع والمحسوس في النتائج العملية وليس التوهيمات المجردة غير ذات الأثر، لأن طبيعة الحياة الآن تؤمن بالمثال الذي يهب الحقيقة والنتيجة ويقرب من الهدف وليس ذلك الذي يجعلنا نهوّم في أدوية بعيدة غير قادرين على أدراك ذواتنا، من نحن؟ وماذا نعني على الأقل لأنفسنا.. لكي نكون مؤهلين بعدها لفهم العالم الخارجي أو ما وراء الذات.
إن إعادة قراءة منضبطة للواقع وتحريره من الجمود الذي يجعله محسوسات وصور بائنة يظن البعض أنه يمكن القبض عليها بسهولة، هو ما يجعل مفهوم الواقع أو الواقعية في فهم الحياة مفارقا للجانب العملي بحيث تكون النتائج في النهاية كارثية جدا. ويتحول وعي الواقع إلى خرافة بدلا من أن يكون شيئا له قيمة أو معرفة محسوسة ضابطة ومفيدة للإنسان تساهم في ترقية المجتمعات وانتشالها من القماقم.
mailto:[email protected]@gmail.com





مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
  • الصندوق الزجاجي بقلم عماد البليك 05-09-15, 02:59 PM, عماد البليك
  • الحياة كما لو أنها فيلم أمريكي بقلم عماد البليك 05-08-15, 02:23 PM, عماد البليك
  • الفنان الشامل! بقلم عماد البليك 05-06-15, 02:43 PM, عماد البليك
  • العقل بين التخييل والتأويل بقلم عماد البليك 05-05-15, 02:55 PM, عماد البليك
  • ما بعد الكرونولوجيا بقلم عماد البليك 05-04-15, 03:34 PM, عماد البليك
  • عرس الزين والهوية بقلم عماد البليك 05-03-15, 03:05 PM, عماد البليك
  • الطريق إلى خيال جديد بقلم عماد البليك 05-02-15, 03:12 PM, عماد البليك
  • جدل الذات والمجموع بقلم عماد البليك 04-30-15, 02:36 PM, عماد البليك
  • الميتاسياسة بدلا عن السياسة بقلم عماد البليك 04-27-15, 03:10 PM, عماد البليك
  • الفيتوري والهوية البديلة بقلم عماد البليك 04-26-15, 03:37 PM, عماد البليك
  • نحو مجتمع متحرر بقلم عماد البليك 04-25-15, 04:04 PM, عماد البليك
  • المثقف والتنميط (2 – 2) بقلم عماد البليك 04-23-15, 02:22 PM, عماد البليك
  • المثقف والتنميط (1 – 2) بقلم عماد البليك 04-22-15, 03:48 PM, عماد البليك
  • القوة والإلهام والتفرد! بقلم عماد البليك 04-21-15, 02:34 PM, عماد البليك
  • السودان 2050 ! بقلم عماد البليك 04-20-15, 02:22 PM, عماد البليك
  • هل قرأ أوباما إدوارد سعيد ؟ بقلم عماد البليك 04-19-15, 02:45 PM, عماد البليك
  • النظر إلى العالم بالمقلوب بقلم عماد البليك 04-16-15, 02:40 PM, عماد البليك
  • صوتك الآخر! بقلم عماد البليك 04-15-15, 02:54 PM, عماد البليك
  • بانسكي في السودان بقلم عماد البليك 04-14-15, 02:27 PM, عماد البليك
  • نوستالجيا المثقف! بقلم عماد البليك 04-13-15, 02:52 PM, عماد البليك
  • ترويض الفيلة بقلم عماد البليك 04-12-15, 03:45 PM, عماد البليك
  • الجثة الطائرة ! بقلم عماد البليك 04-11-15, 02:39 PM, عماد البليك
  • الزمن المفقود ! بقلم عماد البليك 04-09-15, 05:31 AM, عماد البليك
  • معان لفلسفة السعادة ! بقلم عماد البليك 04-08-15, 02:42 PM, عماد البليك
  • الشوفينية بقلم عماد البليك 04-07-15, 02:36 PM, عماد البليك
  • أبريل في حيز المراجعة بقلم عماد البليك 04-06-15, 05:52 AM, عماد البليك
  • التجربة الفنلندية بقلم عماد البليك 04-05-15, 03:17 PM, عماد البليك
  • الطريق إلى تعليم جديد بقلم عماد البليك 04-04-15, 06:41 AM, عماد البليك
  • في منهج بناء الشخصية بقلم عماد البليك 04-02-15, 02:22 PM, عماد البليك
  • الاستشراق مرة أخرى! بقلم عماد البليك 04-01-15, 03:25 PM, عماد البليك
  • الصور النمطية للسوداني بقلم عماد البليك 03-31-15, 03:02 PM, عماد البليك
  • جدل الرواية والتاريخ بقلم عماد البليك 03-30-15, 02:56 PM, عماد البليك
  • حنين القواديس ! بقلم عماد البليك 03-28-15, 03:21 PM, عماد البليك
  • توثيق الفنون والتراث بقلم عماد البليك 03-27-15, 02:01 PM, عماد البليك
  • رد الاعتبار للعرفان بقلم عماد البليك 03-25-15, 03:27 PM, عماد البليك
  • إشكاليات الذائقة الجمالية بقلم عماد البليك 03-24-15, 03:16 PM, عماد البليك
  • ابن عربي الهندي ! بقلم عماد البليك 03-23-15, 03:01 PM, عماد البليك
  • صندوق "بنو حنظل" بقلم عماد البليك 03-19-15, 04:47 PM, عماد البليك
  • ما بعد ريلكه ! بقلم عماد البليك 03-17-15, 04:27 PM, عماد البليك
  • طقوس فنية في الحياة السودانية بقلم عماد البليك 03-16-15, 02:09 PM, عماد البليك
  • الطبقات مرة أخرى ! بقلم عماد البليك 03-15-15, 02:13 PM, عماد البليك
  • جهل كونديرا وفلسفة الاغتراب ! بقلم عماد البليك 03-12-15, 03:40 PM, عماد البليك
  • الانتقام الرباني ! بقلم عماد البليك 03-11-15, 02:44 PM, عماد البليك
  • أزمة النشر في السودان بقلم عماد البليك 03-10-15, 06:15 PM, عماد البليك
  • الفاسد والمفُسِد بقلم عماد البليك 03-09-15, 02:44 PM, عماد البليك
  • الاختلاف والهوية ! بقلم عماد البليك 03-08-15, 04:30 PM, عماد البليك
  • الـديستوبيا ! بقلم عماد البليك 03-07-15, 03:15 PM, عماد البليك
  • حقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 01:37 PM, عماد البليك
  • الساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 03:01 PM, عماد البليك
  • سعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 04:47 PM, عماد البليك
  • عن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 11:39 PM, عماد البليك
  • وزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 06:32 PM, عماد البليك
  • صناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 04:02 PM, عماد البليك
  • سينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 02:40 PM, عماد البليك
  • واسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 03:57 PM, عماد البليك
  • المدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 02:26 PM, عماد البليك
  • نهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 02:24 PM, عماد البليك
  • ما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 02:24 PM, عماد البليك
  • حوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 05:44 AM, عماد البليك
  • شياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 03:12 PM, عماد البليك
  • الحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 04:32 PM, عماد البليك
  • ما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 02:31 PM, عماد البليك
  • قوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 02:50 PM, عماد البليك
  • لا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 06:15 AM, عماد البليك
  • لا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 06:13 AM, عماد البليك
  • عندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 09:31 AM, عماد البليك
  • إلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 01:32 AM, عماد البليك
  • المثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 10:33 AM, عماد البليك
  • بهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 04:08 PM, عماد البليك
  • ما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 06:11 AM, عماد البليك
  • مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 07:01 AM, عماد البليك
  • مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 05:48 AM, عماد البليك