صوتك الآخر! بقلم عماد البليك

صوتك الآخر! بقلم عماد البليك


04-15-2015, 02:54 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1429106066&rn=0


Post: #1
Title: صوتك الآخر! بقلم عماد البليك
Author: عماد البليك
Date: 04-15-2015, 02:54 PM

01:54 PM Apr, 15 2015
سودانيز اون لاين
عماد البليك -مسقط-عمان
مكتبتى فى سودانيزاونلاين



لا يحكى





وإذ به الرجل الذي أنفق عمره في الترهات يقف اليوم مع نفسه ليدربها على الالتزام، وإذ به يقول إنه لن يكون إلا هو ولن يستجيب إلا لصوت ندائه الداخلي العميق. ولكن أحيانا تتداخل الأصوات، بحيث لا يمكن فرز المعنى عن اللامعنى، الشكوك والظنون عن اليقين، بحيث تصير أنت ذات منشطرة على ذاتها، ليس لها من طريق واضح ولا عنوان في سابلة الحياة وعلاتها المتصلة.
هذه المساحة التي تقف فيها الذات حائرة، يمر بها الكثيرون، ففي مرات كثيرة يصعب اتخاذ القرار السديد، هل أسير ذات اليمين أم ذات اليسار، هل أنا أمشي باتجاه الحق أم باتجاه الباطل، وأي دليل يمكن أن يرشدني لما يجعلني صائبا؟!
ينتج ذلك عن عوامل عديدة، ليس أولها النفس البشرية التي هي أصل متنازع لا يقف عند لون محدد، فالنفس تتراوح في أغلب الأحيان والظروف بين اليقين والشك وبين الضلال والإيمان وبين الرأي الجيد والخطل والغياب الأكيد عن رؤية المعاني السامية. والنفس هي كذلك مشوبة بالحذر والخوف والإصرار وهي ذاتها التي تتسلح بعض المرات بالشجاعة الفائقة بحيث يصعب على المرء أن يصدق أن هذا هو، أن ذلك الشخص الذي يسكنه في داخله ينتمي له وليس كائنا آخر غريب الملامح والخطى.
مرات تقف لتقول، ومن يكون ذلك الذي يسكنني؟
هل هو الذات التي أعرفها، أم أنها ذات أخرى مستلفة؟ وكما قال الشاعر محمود درويش "أأنا أنا؟" ومرة ثانية قال:
في بيت أُمِّي صورتي ترنو إليّ
ولا تكفُّ عن السؤالِ:
أأنت، يا ضيفي، أنا؟
هل كنتَ في العشرين من عُمري،
بلا نظَّارةٍ طبيةٍ،
وبلا حقائب؟
كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي
كي تعلِّمك النجومُ هواية التحديق
في الأبديِّ...
[ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطباً نفسي]
ويا ضيفي... أأنتَ أنا كما كنا؟
فمَن منا تنصَّل من ملامحِهِ؟
إنها الذات البشرية التي لا تهدأ عن المراجعات باتجاه معرفة حقيقتها، من تكون وكيف حدثت التحولات وتبدلت الملامح؟ وهل هي أزمة الإنسان أم غبار الزمن لا يهدأ والذي يغسل كل ملمح من الكائن ليجعله يواجه مرارته وغرابته وعواصف روحه الأخرى التي كانت تسكنه، فمع المراجعات وفي فترات محددة من عمر الإنسان يجد أنه قد عاش عبطا أو مرارة معينة، أو أنه كان يقفز من وراء حاجز أبله بظن أنه سحري أو ساحر، ثم ينتهي به المطاف إلى أن يجد حياته هي في المواجهة، وعليه أن يسلم أو يتسلم شيء ما، مثل جندي فقد كل أسلحته وباتت جراحه مثقلة وعليه أن يقول للأعداء، تعالوا لي، هذا جسدي هدية أما الروح فسوف أهبها للبارئ.
فنحن البشر، الكائنات، نعيش أسرى غرابتنا دائما في محيط تفكيرنا ومعرفتنا وقدراتنا وظنوننا بأننا في حيز الحق والكائن والحقيقة، لكننا للأسف نعيش جهالاتنا وسخفنا وهبلنا، لا نقدر على المواجهة الصادقة لنعلن ثورتنا على القبح الذي يسكننا، ولا نكون قادرين على الوقوف باتجاه نعمة الوجود التي أصبغنا علينا قصاد دنسنا وكوننا لا نملك أي شيء له قيمة إلا في حيز المؤقت.
نمارس الإذلال على الذات وعلى الآخرين ولا ندرك أننا ساعة نذل الآخر نذل ذواتنا، ونعلن ببجاحة عن تعاستنا بظن أننا سعداء والكل يفهم ذلك، فشقوق الجدران تضحك وتغسل دموعها في خسائرنا ولعناتنا المتواصلة، تعلم تمام العلم أننا هباء منثور، وليس لنا من مقصد سوى الأكاذيب والبطلان المبين الذي نريده مثل حزامات واقية من رصاص الوقت ومن التاريخ وغلافه الرديء ورغباتنا المنكسرة التي نتخيل بعض الأحيان أنها جميلة ورائعة، في حين أن المراجعات الصادقة مع الذات – إن وجدت – ترينا العكس تماما، كم نحن أرباب الرداءة والتيه والضلالات المتصلة بلا انقطاع.
ثم يقف الرجل الذي عشق الترهات فأذلته، على أمل أنه سوف يتطهر اليوم ويغسل درن السنوات الطويلة، أنه سوف يصبح ذات أخرى غير ذلك المرئي والمعلن. وما درى أن المعلن والملموس نفسه ما هو إلا زيف وقلق كاسد، ليس ما تراه أنت ولا تتخيله هو الآخر. وليس الأنت إلا ابتكار معوج والذات هي الأخرى حجاب حاجز لصيرورة الأنا وقدرتها على الانتباه لما فيها وما يعتمل ويتحرك بداخلها، هذا بافتراض أن لديها حيز أو مساحة تحتويها لتكون هي متحرك في ظل حيز ثابت. وهكذا يضيع العمر في رحلة البحث عن الامتلاء مقابل الحيزات المحددة، أو الإفراغ مقابل جعل المساحات تنقص رويدا، فرويدا، وفي كل الأحوال ما هي إلا مظنات الكائن وغرابته باتجاه ما يسعى وما يأمل وما يجب عليه في مقابل ما استجاب له.
وتارة أخرى يتردد صدى درويش:
قلت: يا هذا، أنا هوَ أنت
لكني قفزتُ عن الجدار لكي أرى
ماذا سيحدث لو رآني الغيبُ أقطِفُ
من حدائقِهِ المُعلَّقة البنفسجَ باحترامٍ...
ربّما ألقى السلام، وقال لي:
عُدْ سالماً...
وقفزت عن هذا الجدار لكي أرى
ما لا يُرى
وأقيسَ عمقَ الهاويةْ
فمن يقيس ذلك العمق، لا أحد.. إما إنها ذلك المسار العميق الأرضي والحياتي أو الذي يكون بعد أن يُغلق المسار المحسوس بغياهب الموت والأزل وبرزخ النهايات، ليكون على الذات أن تدخل عوالمها الخاصة أو المفقودة التي لن يكون لها من شكل ولا تحديد إلا لها فقط، فالعالم الخارجي والآخر لن يكون قادرا على الاستجابة والرؤية أو الإفادة أبدا. وهنا يكون السر الغامض واللغز الأبدي الكبير.
فرؤية ما لا يُرى سيظل هو الغياب، هو اللهفة والأشواق والحنين، والمحاولة تلو المحاولات، والهمزة التي تحاول أن تقف على ألف معوجة بظن أنها متصلة لا منقطعة. هذا هو السؤال الأزلي الذي يتعثر أمامه الكائن في كل هنيهة يقف ليساءل الذات ويقلقها، إن رؤية ذلك الغائب هي المعنى المفقود الذي تبحث عنه الأنا، الشريرة كانت أم العارفة، المكتنزة بأضغاث الماضي والأمس البعيد وتلك التي تعيش حاضرها كذلك، وفي كل الأحوال.. وفي معظم الظروف فإن الإنسان سوف يجد نفسه منطلقا في القوس إلى أين؟ لا يعلم؟ يسافر في الغيب، ذلك السفر العجيب وسيظن على شاكلة درويش "أن الغيب يرى ويتكلم، وربما هو كذلك، ومرات يشير إليك بأن تعال، فهل ستسمعه يا بني".. ربما هي كلمات تسمعها الروح من منطقة ما في عقل يسمونه باطن أو خفي أو برزخي، له قدرة على التفسيرات المرهقة والاستجابات الغامضة والساحرة.. ليكون لسيد الترهات أن يمضي وحيدا كما ولد ولكن ربما كان هذه المرة سعيدا جدا.
mailto:[email protected]@gmail.com





مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
  • بانسكي في السودان بقلم عماد البليك 04-14-15, 01:27 PM, عماد البليك
  • نوستالجيا المثقف! بقلم عماد البليك 04-13-15, 01:52 PM, عماد البليك
  • ترويض الفيلة بقلم عماد البليك 04-12-15, 02:45 PM, عماد البليك
  • الجثة الطائرة ! بقلم عماد البليك 04-11-15, 01:39 PM, عماد البليك
  • الزمن المفقود ! بقلم عماد البليك 04-09-15, 04:31 AM, عماد البليك
  • معان لفلسفة السعادة ! بقلم عماد البليك 04-08-15, 01:42 PM, عماد البليك
  • الشوفينية بقلم عماد البليك 04-07-15, 01:36 PM, عماد البليك
  • أبريل في حيز المراجعة بقلم عماد البليك 04-06-15, 04:52 AM, عماد البليك
  • التجربة الفنلندية بقلم عماد البليك 04-05-15, 02:17 PM, عماد البليك
  • الطريق إلى تعليم جديد بقلم عماد البليك 04-04-15, 05:41 AM, عماد البليك
  • في منهج بناء الشخصية بقلم عماد البليك 04-02-15, 01:22 PM, عماد البليك
  • الاستشراق مرة أخرى! بقلم عماد البليك 04-01-15, 02:25 PM, عماد البليك
  • الصور النمطية للسوداني بقلم عماد البليك 03-31-15, 02:02 PM, عماد البليك
  • جدل الرواية والتاريخ بقلم عماد البليك 03-30-15, 01:56 PM, عماد البليك
  • حنين القواديس ! بقلم عماد البليك 03-28-15, 02:21 PM, عماد البليك
  • توثيق الفنون والتراث بقلم عماد البليك 03-27-15, 01:01 PM, عماد البليك
  • رد الاعتبار للعرفان بقلم عماد البليك 03-25-15, 02:27 PM, عماد البليك
  • إشكاليات الذائقة الجمالية بقلم عماد البليك 03-24-15, 02:16 PM, عماد البليك
  • ابن عربي الهندي ! بقلم عماد البليك 03-23-15, 02:01 PM, عماد البليك
  • صندوق "بنو حنظل" بقلم عماد البليك 03-19-15, 03:47 PM, عماد البليك
  • ما بعد ريلكه ! بقلم عماد البليك 03-17-15, 03:27 PM, عماد البليك
  • طقوس فنية في الحياة السودانية بقلم عماد البليك 03-16-15, 01:09 PM, عماد البليك
  • الطبقات مرة أخرى ! بقلم عماد البليك 03-15-15, 01:13 PM, عماد البليك
  • جهل كونديرا وفلسفة الاغتراب ! بقلم عماد البليك 03-12-15, 02:40 PM, عماد البليك
  • الانتقام الرباني ! بقلم عماد البليك 03-11-15, 01:44 PM, عماد البليك
  • أزمة النشر في السودان بقلم عماد البليك 03-10-15, 05:15 PM, عماد البليك
  • الفاسد والمفُسِد بقلم عماد البليك 03-09-15, 01:44 PM, عماد البليك
  • الاختلاف والهوية ! بقلم عماد البليك 03-08-15, 03:30 PM, عماد البليك
  • الـديستوبيا ! بقلم عماد البليك 03-07-15, 02:15 PM, عماد البليك
  • حقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 12:37 PM, عماد البليك
  • الساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 02:01 PM, عماد البليك
  • سعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 03:47 PM, عماد البليك
  • عن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 10:39 PM, عماد البليك
  • وزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 05:32 PM, عماد البليك
  • صناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 03:02 PM, عماد البليك
  • سينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 01:40 PM, عماد البليك
  • واسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 02:57 PM, عماد البليك
  • المدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 01:26 PM, عماد البليك
  • نهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 01:24 PM, عماد البليك
  • ما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 01:24 PM, عماد البليك
  • حوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 04:44 AM, عماد البليك
  • شياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 02:12 PM, عماد البليك
  • الحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 03:32 PM, عماد البليك
  • ما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 01:31 PM, عماد البليك
  • قوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 01:50 PM, عماد البليك
  • لا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 05:15 AM, عماد البليك
  • لا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 05:13 AM, عماد البليك
  • عندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 08:31 AM, عماد البليك
  • إلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 00:32 AM, عماد البليك
  • المثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 09:33 AM, عماد البليك
  • بهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 03:08 PM, عماد البليك
  • ما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 05:11 AM, عماد البليك
  • مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 06:01 AM, عماد البليك
  • مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 04:48 AM, عماد البليك