العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (3-4) بقلم عبدالله علي إبراهيم

العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (3-4) بقلم عبدالله علي إبراهيم


02-21-2015, 01:07 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1424477222&rn=0


Post: #1
Title: العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (3-4) بقلم عبدالله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 02-21-2015, 01:07 AM

00:07 AM Feb, 20 2015
سودانيز أون لاين
عبدالله علي إبراهيم - Missouri-USA
مكتبتي في سودانيزاونلاين







3-العقل الرعوي: ضغينة الحداثة عليه


في نحو 1968 طلب مني الدكتور الطاهر عبد الباسط عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي والقائم على لجنته الاقتصادية أن أزكي له كتاباً يقف به على ديناميكية القطاع التقليدي في اقتصاد البلد. والرجل من أرق الناس وذو سابقة جهادية عظمي في مدينة كوستي في الخمسينات. وتزوج من السيدة فوزية اليمني، المحررة بصوت المرأة (مجلة الاتحاد النسائي)، التي أطربتنا برسومها الكاريكاتورية الذكية في المجلة على عهد دولة الفريق إبراهيم عبود (1958-1964). وسيكون لها باب وسيع متى كتب تاريخ الكاريكاتير في السودان. رحمه الله ورحمها الله.
كنت لما طلب مني الطاهر ذلك الكتاب مفتوناً بالبادية السودانية. فقد انتدبني الدكتور يوسف فضل حسن مدير شعبة ابحاث السودان بكلية الآداب بجامعة الخرطوم لأكتب رسالتي للماجستير عن مأثورات الكبابيش. وقد أقبلت عليها مستثاراً بسِفر حسن نجيلة العجيب عن ذكرياته بينهم في الثلاثينات مدرساً لبَذّورهم (عيالهم) في الظعن والاقامة.كما سبقني للعمل الميداني بينهم الدكتور طلال أسد الذي حاضر بشعبة الأنثربولجيا بجامعة الخرطوم في الستينات. وهو ابن الشيخ أسد، اليهودي الإنجليزي الذي أسلم وكتب عن الإسلام كتباً حسان، من أم عربية سعودية. وقد سطع نجم طلال في علم الأنثربولوجيا وتميز بنظراته الماركسية الغراء في شأن الدين والمتدينين. ويدرس حالياً بنيويورك. وهو وإن انقطع عن الكتابة عن السودان (للأسف) إلا إنه شديد التعلق به وبالسودانيين.
وزكيت للطاهر كتاب "عرب البقارة" للبروفسير إيان كيننسون (الذي حاضر بجامعة الخرطوم أيضاً) وأستاذ طلال وغيره ورائد مدرسة في الدراسة الشفيفة اللماحة لنظم البادية. وحملت الكتاب للطاهر آملاً أن تجد الماركسية طريقها لهؤلاء القوم من السودانيين ممن اعتزلوا الدولة إلا قليلا. وأعاد الطاهر الكتاب بعد وقت ليس بالطويل. ولم يطفح البشر من الطاهر في يوم التسليم. أذكر أنه أعاده فحسب. ولا أعرف ان كان قرأه أم لم يفعل ولكنه لم ينبس ببنت شفة عنه مما اشفقني على إطلاعه عليه. وبدا لي هذا الإضراب الماركسي عن شعب الرعاة من القطاع التقليدي محيراً ولكأن الماركسية يعييها النظر في معاش هؤلاء الأغلبية السكانية ومعاشهم.
الشاهد هنا أن معرفة الحداثيين بالبادية متواضعة إن لم تكن لا توجد. والشيوعيون حداثيون أكثر منهم شيوعيين من فرط كونهم الجماعة الوحيدة تقريباً التي تروج للحداثة ما تزال. فقد تهافتت بؤرها الأخرى تباعاً. ولهذا لم اتفق مع نظرية الحداثيين في أن سبب بلاء السودان ومحنه هو العقل الرعوي. فهي من باب إطلاق القول على عواهنه: استدلال لا مقدمات له مؤسسة على علم عياني بياني بنظم البادية. فأكثر هذه النظرية حزازة أولاد بندر أو حلال استقوت بالفكرة الحداثية الأوربية الشائعة من أنه لا تنمية بلا استقرار ولا نهضة. وأن الرعاة هم خارج الاقتصاد والتاريخ. أي أنهم قوم بورا.
وما تغير شيء. فما يزال الشيوعيون مضربين عن معرفة نظم البادية. واستنبطت هذا من تلخيص جيد بجريدة الميدان (23 سبتمبر 2008) لندوة انعقدت لتدارس منزلة القطاع التقليدي في برنامج الحزب الشوعي المعروض للمؤتمر الخامس للحزب. تحدث فيها الدكتور فرح حسن آدم عن علم معروف بالزراعة التقليدية. وأعقبه الدكتور محمد سليمان فتحدث عن قطاع الرعاة الذي بدأ الاهتمام به كناشط سياسي وعالم طبيعي به في سياق محنة دارفور وتردي البيئة إجمالاً. وكتب كتاباً حسناً عن حرب الموارد. ولكني توقفت عند ملاحظة الدكتور أبو سن في الندوة من أن البرنامج المعروض لم يول قطاع الرعاة عناية تقارب عنايته بقطاع المزارع التقليدي. وهذه ضغينة ثقافية ضد الترحل في رأئي. ودعا ابو سن إلى النزول عند عقلانية نظام البداوة حين نعالج تنمية البادية في سياق نهضة البلاد الوطنية الديمقراطية. وقد لمس الدكتور عمر احمد الحسن جوانب مختارة لمثل هذا النزول عند رغائب أهل البادية. فلا نخطط لمستقبلهم وكأن نظمهم الحالية ضرب من البدائية أو العشوائية. ويبدو أن إصرار ابو سن وعمر على عقلانية نظام البادية كان بمثاية مؤاخذة لمحمد سليمان الذي اشترط بصورة غير خافية أنه لا تنمية للبادية دون أن تستقر وتهجر حياة الترحال. وقال إن عقلانية نظم البادية باتت يهددها صراع أهلها على مواردهم المحدودة أصلاً فتفاقمت بالتصحر وتضرجت بالنزاعات "القبلبة". وبنى اقتراحاته للأخذ بيد البادية في محنتها الحالية على أساس أنها موقوتة حتى يوم تستقر البادية وتهجر السواجة اللواجة.
واضح أن لأهل الحداثة شروط انقلابية يملونها على أهل البادية قبل أن يدخلونهم في صورة تنمية البلد وتطويره. ولا يدرى المرء إن كان هذا الإملاء من كراس الماركسييين (دراسة الإنتاج وعلاقاته) أم أنها من رأسهم (ضيق أبناء البندر بالرعاة وسوء ظنهم بهم). ولا حظت عرضاً من بؤس اهتمام الشيوعيين بالقطاع التقليدي عموماً ملاحظة. فقد احتل صفحة عرض الندوة الشيوعية عنوان كبير ورد فيه أن الأرض لمن يفلحها بوصفه من مباديء الحزب الشيوعي للنهوض بالزراعة. وورد هذا الشعار في سياق مناقشة شملت البادية السودانية قد يوحي بأنه مما يصح على البوادي أيضاً. ومبلغ علمي أن الحزب الشيوعي رفض هذا المبدأ في سياق محنة دارفور حين نادي به بعض أهل البادية ضيقاً بنكد الطبيعة عليهم مما اضطرهم للجوء إلى "حواكير" جماعات أخرى لم تهش لهم. وقد استصوبت رأي الحزب في هذه الخصوص حتى لا نحدث انقلاباً في أوضاع معقدة مشحونة بالتاريخ قبل ان نستبين الخيط الأبيض من الأسود. ووجدت الترويج لهذا المبدأ في السياق المذكور بجريدة الميدان مضللاً.
أخرجت البادية أثقالها منذ عقود ثلاثة أو أكثر فاقتحمت صحن السياسة الدولية والمحلية. وواضح أن واحداً من أزكى أحزابنا السياسية يرواح في مكانه من حيث المعرفة بنظمها. ولم يمنعه هذه العلم الشحيح (أو عدمه) من ان تسود بين جنباته وجنبات أهل الحداثة أن السبب في الخيبة السودانية هو العقل الرعوي. وهذا حشف وسوء كيل.
وأعرض على القاريء في المرة القادمة مقالة للدكتور طلال اسد عن عقلانية رحلات الكبابيش الموسمية والعقل البدوي الماهر الذي وراءها. وكان نشره في مجلة السودان في رسائل ومدونات عام 1964. وتعلمت منه شيئاً مختلفاً عن هذه العقل الرعوي الملعون في دفتر الحداثيين.
وبالمناسبة: كان كتاب كنيننسون الذي "أباه" الطاهر مرة واحدة قبل نحو أربعبن عاماً ضمن الوثائق التي جرى عرضها على تحكيم أبيي في لاهاي وكذلك جاء إلى التحكيم الدكتور الباحث وكانت شهادتهما لصالح المسيرية إلى حد كبير. فساكت مالك آ طاها.

مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب

  • العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (2-4) بقلم عبد الله علي إبراهيم 18-02-15, 07:41 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • العقل الرعوي: أو إنت ساكت مالك آ (يا) طاها (1-4) بقلم عبد الله علي إبراهيم 17-02-15, 00:40 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • المسلمون كأسنان المشط: قالها ماركس (2-2) بقلم عبد الله علي إبراهيم 14-02-15, 04:21 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • زيارة كارل ماركس المغربي العثماني للجزائر (1-2) بقلم عبد الله علي إبراهيم 12-02-15, 02:13 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • محمود محمد طه: طوبى للغرباء (الحلقة الخاتمة) بقلم عبد الله علي إبراهيم 08-02-15, 05:53 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • محمود محمد طه: طوبى للغرباء 3-4 بقلم عبد الله علي إبراهيم 06-02-15, 04:11 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • محمود محمد طه: طوبى للغرباء (2-4) بقلم عبد الله علي إبراهيم 03-02-15, 09:25 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • محمود محمد طه: طوبى للغرباء 1-4 بقلم عبد الله علي إبراهيم 01-02-15, 08:55 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • سعودي دراج: الذكرى الجميلة لو تعرف معناها بقلم عبد الله علي إبراهيم 31-01-15, 00:48 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • في تذكر 18 يناير محكمة طه في 1985 : أخذت القانون بيدها للثأر بقلم عبد الله علي إبراهيم 22-01-15, 04:58 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • في تذكر 18 يناير ما هوية قضاة محنة الأستاذ طه (1985): قضاة شرعيون أم كيزان؟ بقلم عبد الله علي إبراه 21-01-15, 00:04 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • محمود عبد العزيز الحوت: ما قبل الربيع السوداني بقلم عبد الله علي إبراهيم 19-01-15, 07:20 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (الأخيرة) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 17-01-15, 05:43 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (7) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 15-01-15, 06:48 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 14-01-15, 06:18 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (5-6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 13-01-15, 01:05 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • في تذكر 18 يناير الجمهوريون: حقول الاستتابة 1985 بقلم عبد الله علي إبراهيم 11-01-15, 10:30 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (4-6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 10-01-15, 05:53 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • في تذكر 18 يناير: طه في وحشة طريق الآلام (1974-1982) بقلم عبد الله علي إبراهيم 08-01-15, 05:56 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (3-6) (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 07-01-15, 05:00 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • أخطأت الميدان، وصَحّ عثمان ميرغني: السودنة الدامية بقلم عبد الله علي إبراهيم 06-01-15, 05:06 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • بين رزق وبابو: يوم انحلت أمريكا من فرط الشقاق بقلم عبد الله علي إبراهيم 05-01-15, 06:58 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: عرض لكتاب (العرب والسودان، 1967) بقلم عبد الله على إبراهيم 05-01-15, 04:59 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • في تذكر 18 يناير : دراما محاكم الجمهوريين وقضاة الشرع بقلم عبد الله علي إبراهيم 04-01-15, 06:53 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • إسلام السودان وعربه: في مناسبة مرور 57 عاماً على صدور العرب والسودان(1967)للدكتور يوسف فضل حسن 1-6 03-01-15, 08:19 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • اليوم نلعن أبو خاش راية استقلالنا بقلم عبد الله علي إبراهيم 30-12-14, 03:46 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • تثقيف الغيرة على الحبيب المصطفى بقلم عبد الله علي إبراهيم 28-12-14, 01:58 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • جيل الفراشات الشيوعي: قريب الله الأنصاري بقلم عبد الله علي إبراهيم 26-12-14, 05:49 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • صه يا كنار: سيوبر وطنية بقلم عبد الله علي إبراهيم 23-12-14, 11:18 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • عثمان ميرغني: استقلال بتاع الساعة كم! بقلم عبد الله علي إبراهيم 21-12-14, 03:32 AM, عبدالله علي إبراهيم
  • الاستقلال: موت الأمل، موت الحلم بقلم عبد الله على إبراهيم 18-12-14, 04:08 PM, عبدالله علي إبراهيم
  • وادي الشايقية ووطن الجعليين: هبوط إضطراري عبد الله علي إبراهيم 11-05-14, 06:23 AM, عبدالله علي إبراهيم