اللغة العالمية – بقلم نوري حمدون – السودان - الابيض

اللغة العالمية – بقلم نوري حمدون – السودان - الابيض


02-09-2015, 09:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1423512186&rn=0


Post: #1
Title: اللغة العالمية – بقلم نوري حمدون – السودان - الابيض
Author: نوري حمدون
Date: 02-09-2015, 09:03 PM

08:03 PM Feb, 09 2015
سودانيز أون لاين
نوري حمدون - الابيض-السودان
مكتبتي في سودانيزاونلاين



‏= لقد حسم العالم امره منذ فترة و اختار اللغة الانجليزية لغة عالمية للتواصل بين بني البشر على ظهر هذا الكوكب الازرق الجميل . و فرح العالم بهذا الاختيار الموفق الذي جاء طوعيا و سلميا و سلسا تسببت فيه ظروف موضوعية تفهمها الناس بالعقول بعيدا عن العواطف . فالعالم لم يعد يتحمل المزيد من التنافر و التباعد و التقاتل . و كما فرح العالم , فرح أهل اللغة الانجليزية و سدنتها هناك في الجزر البريطانية و في الارض الجديدة في امريكا و في الارض البعيدة استراليا . و اندفع الناس في كل مكان يتعلمون اللغة الانجليزية يريدون اتقان التحدث بها تماما مثل اهلها . و اندفع معهم اهل اللغة الانجليزية انفسهم بتقديم الدروس و المعينات التعليمية و كل ما من شأنه ان يعدل السنة الشعوب العالمية لتجويد الانجليزية . و شيئا فشيئا بدأت تتشكل ملامح لغة يمكن تسميتها ( اللغة العالمية) .
= و في الآونة الاخيرة اكتشف الناس ان (اللغة العالمية) تشبه اللغة الانجليزية و لا تتطابق معها . بدأ الناس يتحدثون عن الانجليزية الافريقية و الانجليزية الآسيوية و الانجليزية الزنجية و هكذا . أي ان الناس تعلمت الانجليزية و طبقتها بطريقتها الخاصة . و كان المتوقع ان يتحدث الناس بالطريقة البريطانية او الامريكية او الاسترالية على زعم ان الجزر الثلاثة هذه هى الاصل الذي يجب ان يسير على هداه الناس . و كان الدرس المستفاد هو ان الالسنة يصعب تطبيعها بشكل كامل على نظام لغوي خارج بيئة الالسن . و فورا , اعترف الناس بهذه الحقيقة و بدؤوا يتحدثون عن ان اللغة الانجليزية صارت لها عدة نسخ (Vrsions) : كالنسخة الهندية و النسخة النيجيرية و النسخة الجامايكية . و مهد هذا الاعتراف لمزيد من الانتشار للغة الانجليزية تحت اسم (اللغة العالمية) .
= و بدأ الناس بعد ذلك يتحدثون عن : الانجليزية الام (NL) و الانجليزية كلغة ثانية (SL) و الانجليزية كلغة اجنبية (FL) . و المصطلحان الاخيران ما هما الا الاساس الذي انتج (اللغة العالمية) (WL) . و ظلت الانجليزية الام ترفد العالم بثقافتها في كل ما تكتبه و تتكلم به طمعا في ان تتأكد سيادة اللغة الانجليزية على لغات العالم . كما ظهرت بعض النوايا الخاصة برغبة سياسية في السيطرة على العالم من خلال السيطرة على الالسن . و ربما كان اهل اللغة متأثرين في ذلك بالفتوحات العربية و ما خلفته من تعريب لالسن الشعوب المفتوحة مثل مصر و السودان و الجزائر . و لكن الذي حدث ان اللغة الانجليزية كلغة عالمية مثلما تأثرت بالتركيب الفسيولوجي لالسن الشعوب غير الانجليزية كذلك تأثرت بثقافة هاتيك الشعوب . و بدأنا نتحدث عن الاعمال الادبية غير الانجليزية المكتوبة باللغة الانجليزية . و بدأت الانجليزية لاول مرة تحمل في طياتها انماط ثقافية غير انجليزية . امتلأت المكتبة الانجليزية بأعمال كتاب من روسيا و كوبا و من السودان و جنوب افريقيا . و بدلا من ان يكون دور الانجليزية هو نقل الثقافة الجرمانية السكسونية اذا بها تنقل الثقافة الافريقية و الفارسية و الصينية . و حينئذ وصل الدرس الثاني المستفاد من اتخاذ الانجليزية لغة عالمية , و هو ان الناطق باللغة هو الذي ينقل ثقافته لسامعيها . فحين نطق الانجليز بالانجليزية نقلوا ثقافتهم لانهم كانجليز ليس في وسعهم المروق من ثقافتهم . و بنفس الطريقة , حينما نطق غير الانجليز بالانجليزية نضحت الابجدية الشكسبيرية بنكهة الصندل الهندي و لون الصنوبر الافريقي و ايقاع التنين الآسيوي .
= و اليوم , اكتمل نضوج (اللغة العالمية) بعد اكتمال استيراد كافة عناصر الهيكل الاساسي من اللغة الانجليزية : و هذا الهيكل هو عبارة عن مجموعة الحروف و أصواتها و اشكالها الاساسية , زائدا مجموعة المباني ( الجمل ) و قواعدها الاساسية . ان البنية التحتية للغة العالمية هي انجليزية المصدر دون شك . و هذا الامر دفع الانجليز اهل اللغة الى مد (اللغة العالمية) بالمزيد مما اعتبروه من أساسيات اللغة الانجليزية . ففي مصادرهم التعليمية المرئية و المسموعة و المكتوبة يكثرون الحديث عن ما اعتبروه تخصصهم الذي لن ينازعهم فيه منازع الامر الذي سيعوض عن الفشل في تطويع اللسان العالمي لينطق كما ينطقون و في تطويع الشخصية غير الانجليزية لتلبس ملامح الثقافة الانجليزية في بريطانيا او امريكا او استراليا . هذا التخصص هو ما يعرف في اللغة بالعبارات الاصطلاحية (Idioms) .. و هي عبارات يفهم من كلماتها مجتمعة ما لا يفهم من كل كلمة بمفردها . و هي مسألة موجودة في كل اللغات تقريبا . ففي العامية السودانية على سبيل المثال لدينا العبارة الاصطلاحية ( عندي ليكم شمار) .. و معناها (عندي ليكم خبر) .. رغم ان (الشمار) هو نبات له رائحة زكية نفاذة يضاف الى بعض الاطعمة (كالفول مثلا) فيحلو مذاقها و تطيب نكهتها . و كما ترى , يصعب على غير السوداني فهم هذا المصطلح لانه مرتبط بالثقافة المحلية أشد ارتباط . فاللغة الانجليزية مليئة بمثل هذه العبارات الاصطلاحية التي يريد الانجليز ان ينقلوها للمتحدثين ب(اللغة العالمية) على اعتبار انها الابن الشرعي للغة الانجليزية . و لكن الذي حدث و ما زال يحدث ان المتحدثين ب(اللغة العالمية) يجدون صعوبة جمة في استيعاب هذه الاصطلاحات ثم تتبعها على مدار العام و الشهر بل و اليوم . فالعبارات الاصطلاحية نتاج التفاعلات اليومية المباشرة بين اهل اللغة . و انتاجها يتجدد مع صباح كل يوم . و حتى الانجليزي غير المتابع و غير المتفاعل مع الحركة اليومية للحياة في الشارع و الميدان و النادي يجد نفسه (خارج الصورة) كما يقولون . فما بالك بالشعوب غير الانجليزية المنتشرة هناك في الادغال الافريقية او المعلقة هناك في قمم الهملايا او المنداحة هناك في السافنا الفقيرة . و هنا نصل الى الدرس الثالث المستفاد من اتخاذ اللغة الانجليزية لغة عالمية و هو ان العبارات الاصطلاحية هي جزء من ثقافة الناطقين باللغة و ليست جزء من اللغة نفسها حتى نفترض وجوب استيرادها مع ما نستورده من أساسيات اللغة كالحروف و المباني .
= ان الناطقين باللغة العالمية اليوم ينتمون الى مناطق جغرافية متباينة و الى انماط ثقافية متغايرة . و لا يزالون يذكرون ان السبب وراء اتخاذهم الانجليزية لغة عالمية هو تسهيل التواصل بين بعضهم البعض في عالم قصرت فيه المسافات و تساقطت فيه الجدران الفاصلة و تقبل فيه المختلفون بعضهم البعض ليعمروا الحياة الفاضلة بالعمل الصالح . و لكنهم حتما غير مستعدين بعد للتضحية بثقافاتهم على حساب ثقافة اجنبية حتى و لو كانت في الاصل هي الام ل(اللغة العالمية) ذاتها .
= و نصيحتى الاولى لمعلمي هذه (اللغة العالمية) في الفصول الدراسية ان يركزوا على تمليك الطلاب القدرة على التعبير عن ثقافتهم المحلية بهذه (اللغة العالمية) حتى يسهل عليهم تجويدها بعد ان يشعروا بانها (حقتهم) . و نصيحتى الثانية هي ان لا يجعلوا من (الخواجة) النموذج الوحيد الذي يجب تقليده و السير على هداه . (الخواجة احد النماذج و ليس النموذج الوحيد) . ف(اللغة العالمية) فيها نماذج متعددة علينا ان نختار أكثرها ملاءمة لبيئتنا . اما النصيحة الاخيرة فهي عدم الالتفات الى التعابير الاصطلاحية (Idioms) في التدريس لاننا في الواقع ندرس (اللغة العالمية) و ليس اللغة الانجليزية . فاللعة العالمية لها خصوصياتها . وهذه الخصوصيات جعلت (اللغة العالمية) لغة جديدة تشيه الانجليزية كما قلنا و لا تتطابق معها . و سيأتي اليوم الذي يجب ان يتخذ فيه الانجليزي نفسه (اللغة العالمية) لغة ثانية و ربما اجنبية تماما كما يفعل السوداني و الباكستاني و الياباني .
اللغة العالمية – بقلم/ نوري حمدون – السودان - الابيض

مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب

  • التقديس الكثيف – بقلم/ نوري حمدون – السودان - الابيض 07-02-15, 03:12 PM, نوري حمدون
  • نحن أكثر من حبات رمل الشاطئ – بقلم/ نوري حمدون – السودان – الابيض 06-02-15, 03:58 PM, نوري حمدون
  • الاسلام و القتال – بقلم الاستاذ نوري حمدون – السودان – الابيض 31-01-15, 03:54 PM, نوري حمدون
  • مُجَمَّعٌ سياسي بلباسٍ فقهي بقلم / نوري حمدون – الأبيض - السودان 25-11-13, 05:33 AM, نوري حمدون
  • الهجرة من الخطاب التقليدي الى الخطاب الحداثي بقلم / نوري حمدون – الأبيض - السودان 06-11-13, 07:13 PM, نوري حمدون
  • الإسلام و الحداثة بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان 12-10-13, 07:17 PM, نوري حمدون