السنيّة قرية بلا ذاكرة .. محمود محمد عثمان .. قصة طبعة نادرة نفدت من الأسواق ..!!

السنيّة قرية بلا ذاكرة .. محمود محمد عثمان .. قصة طبعة نادرة نفدت من الأسواق ..!!


01-17-2015, 11:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1421532876&rn=0


Post: #1
Title: السنيّة قرية بلا ذاكرة .. محمود محمد عثمان .. قصة طبعة نادرة نفدت من الأسواق ..!!
Author: الهادي محمد الأمين
Date: 01-17-2015, 11:14 PM

الخرطوم : الهادي محمد الأمين
من السهولة بمكان أن تتساقط دموعك وتذرف ماء ساخنا ينحدر من عيونك الحزينة ليتحدر علي خديك ووجنتيك حينما يرحل من دنياواتنا إنسان طيب حبيب إلي النفوس ومن المألوف أن تبكي وتنتحب عندما تنشب المنيّة أظفارها فتختار من تعز من المقربين ليستقر بالثري أو يواري تحت التراب مفارقا الأهل والأحباب عندما يدلهم الموت وهازم اللذات لكن يصعب علي النفس البشرية أن تتجمل بالصبر وتتحلي بالجلد أو تستمسك برباط العزيمة لو هاجرت الأرواح الطاهرة والنفوس المطمئنة وسافرت وودعت دون أن تترك لنا فرصة الإحتفاظ بمخزون الأسرار ودقائق المعارف ومستودع الذاكرة التي هضمت واستوعبت تضاريس الأنساب وشجرتها ودوحتها الغنّاء التي تشربت من فنون الحياة ما الله به عليم فقبرت تلك الذواكر والتحف النادرة والدرر الثمينة مثلما قبر صاحبها في لحد واحد ..
هكذا وفي صبح تحول إلي ليل دامس كالح السواد شديد العتمة ظلماته مثل ظلمات بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج رحل بهدوء وفي صمت أحد رواد التعليم والتربية والتثقيف غادر لدار أرحب من دارنا ومن ضيق الدنيا إلي سعة الآخرة منتقلا إلي رحاب صاحب الرحمة الذي كتب الآجال ونهاياتها مثلما قضي في محكم تنزيله بأن (كل نفس ذائقة الموت) فهو الذي يحي ويميت وواهب الحياة هو الذي يأخذ كل نفس ودابة بناصيتها فـ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( فنعي الناعي معلنا أن الأرض اليوم انتقصت من أطرافها وغاب عن ساحتها نجم لا كالنجوم وأفل عن مسرحها كوكب منير واختفي عن فضاءاتها قمر شقت أنواره المتلألأة ظلمات الجهل عقود من الزمان وسنوات من العمر وأعوام من مسيرة الحياة قضاها فقيدنا الراحل استاذ الأجيال ومربي الطلاب ومرشد التلاميذ المدرس أو المعلم الذي شق نبأ وفاته علينا جميعا ووقع كالصخرة علي رؤوسنا الهشة التي أصبحت لا تحتمل المصائب والإحن والبلايا من كثرة ارتضامها علي أجسادنا صدمة رحيل الخال محمود محمد عثمان لم تهز منازل قريته السنيّة فحسب بل تمددت أحزان القلوب لتغطي وتطغي غشاوتها غالبية قري الحلاوين وبيوتاتها فشعرنا أن كل الكون في حالة سفر وهجرة وترحال أو في حالة موات وأن بيننا والمقابر قاب قوسين أو أدني فالثكلي والمستصرخون والنائحون الذين سكبوا زفرات حرّي اليوم ليسوا هم عارفي فضله فحسب ولا هم من الذين حاضرهم في فصول المدارس فلقنهم المعرفة أو أكسبهم علما نهلوه من معينه الصافي ومورده العذب بعد أن تدفقت وانهمرت فيوضاته علي طلابه فمن بكي واشتد به النحيب علم أن رحيل الفقيد هو رحيل لركن قد انهد وركيزة تهاوت و (مرق) قد انكسر وتششت رصاصه فسكتت وصمتت جدرانه وحوائطه غاب اليوم ضميرنا الحي وقلبنا النابض ففجع الوجدان الذي تكاثر عليه المواجع والخطب والحسرات وتفتت الأكباد وانفطرت الأفئدة وتوقف خفقانها فدقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فبسرعة البرق الخاطف وقعت الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة فزادت مساحات الحزن والتصقت بنفوسنا وتوسعت دائرتها وأصبحت الحياة منقصات ومنغصات فاكتست بالحزن ولفتها الكآبة وأحاطت بها الحسرة ورزئت السنيّة والقري المجاورة لها بهذا الفقد الجلل والمصاب الكبير فالشوارع امتلأت صراخا وعويلا وعبرات تجزعا وحزنا علي الرحيل المر رثاء لصاحب البيت الكبير حتي جفّت الحلوق والحناجر والمآقي من شدة البكاء فصالون الراحل وديوانه بالقرية يعد أحد جوامع الأهل في المناسبات والملمات والأفراح والأتراح ومركزا لإلتقاء الجميع خاصة في مواسم الأعياد أو عند الزيجات أو فراشا وصيوانا للعزاء إلّا أنّ أجل الله قريب فهاهو الموت يعاجل الفقيد محمود محمد عثمان من غير أن نحفظ حواشي ومتون شجرة عم الأنساب فننقلها من الصدور إلي السطور تدوينا وتوثيقا (علما ينتفع به) فالراحل كان فريدا في هذه التبويبات دقيقا في هذا المجال لا يجاريه ولا يماريه في هذا الشأن أحد قط فنسأل الله الذي فجعنا بفقده أن يلهمنا الصبر الجميل وأن يسكنك يا (أبا أحمد) الجنان العالية عند مستقر رحمته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقا فالراحل هو ذاكرة القرية التي انمحت واتمسحت مع واقعة رحيله فمن يعزّي ومن يواسي ومن يلطم الخدود تحسرا فالنفوس اليوم منكوبة وكلمي جريحة تنذف دمعا ودما ؟ .. فعلي الراحل تبكي البواكي ..
- مددتَ يديك نحوهـمُ احتفاءً ** كمدِّهما إليهم بالهبات
- وتوقد عندك النيران ليلاً ** كـذلك كـنت أيـام الحيـاة
- ولم أرَ قبل جذعك قط جذعاً ** تمكن من عناق المكرمات



مكتبة حيدر احمد خيرالله