العدالة العاجزة نزيه - أو الحكومة خصم غير ( 2-3) بقلم عثمان محمد حسن

العدالة العاجزة نزيه - أو الحكومة خصم غير ( 2-3) بقلم عثمان محمد حسن


01-17-2015, 08:16 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1421522207&rn=0


Post: #1
Title: العدالة العاجزة نزيه - أو الحكومة خصم غير ( 2-3) بقلم عثمان محمد حسن
Author: عثمان محمد حسن
Date: 01-17-2015, 08:16 PM



عثمان محمد حسن



أمريكا دولة مؤسسات.. فيها تبحث العدالة عن حقك في كل الأوقات لتعطيك إياه.. أما في السودان، فتتلاشى المؤسسية.. و يتلاشى الفصل بين السلطات.. بل و تتلاشى الدولة داخل الحكومة .. و لا عجب إذا أنتج نظام الانقاذ هذه العدالة العاجزة..

و بعد تسع سنوات و نيف من الحياة في كنف العدالة الناجزة في أمريكا ، عدت إلى السودان لأصطدم بمتاريس وضعها ( الإخوان) أمام العدالة.. لأنهم " لا إخوان و لا مسلمون!".. بل و وجدت المساواة مطعونة بنصل حاد على ظهرها و الدماء تغطي جميع " سبل كسب العيش في السودان" .. و وجدت العدالة تنتحب حيثما توجهت.. تبكي عجزها في مواجهة ( سونامي) الفساد الذي اجتاح البلد من أدناها إلى أقصاها!

تعاقدت مع وزارة الاستثمار تعاقداً ( خاصاً).. بمعنى أن عملي خارج نطاق ( الخدمة المدنية) من الناحية القانونية.. و كان المستثمرون يتوافدون إلى السودان من كل بقاع الأرض.. يطاردهم السماسرة المتحلقون حول ستات الشاي.. و كانت الرِشى تمشي على استحياء بين مبنى الوزارة و أشجار النيم و اللبخ حيث السماسرة.. و كان من يدير ( محرك) الفساد الوكيل شخصياً.. ذاك الوكيل الذي تم إيقافه قبل ذلك لأسباب تتعلق بتجاوزات كبيرة في إبرام عقد من العقود.. ثم أعيد إلى العمل بعد تدخلات سياسية..

و كان الوزير ( المسكين) لا يعلم ما يجري.. فكل المعاملات تتم بانتهازية لئيمة.. لكن- مع مجيئ وزير جديد فهلوي شديد النهم للثراء- تشكلت ( عصابة) رباعية قوامها الوكيل و مدير مكتب الوزير.. و كبير كتبة مكتب الوزير.. و صار الوزير الجديد نفسه رئيساً للعصابة غير عابئ بالهمس و اللمز.. فأضحت الرشى ترقص عارية على إيقاعات دّف ربِّ الوزارة.. بل و تتبختر في فجور تحت أشجار النيم و اللبخ.. ما دعاني لإرسال مقال من ثلاث حلقات عن الفساد لصحيفة ( الانتباهة).. نشرت الصحيفة الحلقة الأولى يوم 4\4\2011 .. و فوراً- في صباح نفس اليوم- تسلمت خطاب إيقاف عن العمل في الوزارة.. و تم نشر الحلقة الثانية في الصحيفة.. و أُوقفت الحلقة الثالثة بقدرة ( قادرين).. و كان المقال يتحدث عن الفساد و تأثير المضاعِف السلبي للفساد على الاستثمارNegative multiplier effect on Investment.. ..

تم فصلي.. و تنكروا لأي حقوق لي عليهم.. فكان لا بد من البحث عن تلك الحقوق.. ( بالقانون).. و بدأت رحلة الألم داخل مأساة السودان المورَّط في ( الانقاذ).. و البحث عن ( الحق) يزيد تعاستك يوم تنبري لمقاضاة الحكومة التي - في شموليتها- تتوخى كسر إنسانية الانسان.. و الدوس على كرامته.. بعد أن جيَّرت نصوص القانون لمصلحتها.. بل و صار الدستور – أبو القوانين- لعبة بيديها.. طالما ( سدنة) التشريعات ( عصبة) ضمن عصابتها.. و بيد العصبة كل الأدوات الكفيلة بتحقيق ما يصلح ( الحزب) حتى و إن ألحق كل الضرر بالمجتمع السوداني كله..

و نعلم أن القاضي- مثل سائق قطار ماهر- لا يستطيع الخروج من الخط حتى و إن كان الخط تعيساً.. تعاسة تتجاوز المنطق و المعقول.. حيث حصِّنت السلطةُ التشريعيةُ السلطةَ التنفيذيةَ تحايلاً على أحكام السلطةِ القضائية أثناء وضع نصوص القوانين، و ما على السلطة القضائية إلا الانصياع ( دون مقاومة).. للتعديات التي تُلحق بالدستور لوأد العدالة نصاً و روحاً..

وقد وجدتني في معمعة غير متكافئة مع ( الدولة) السودانية.. بعد أن صارت ( الحكومة) هي الدولة.. يموت فيها المظلوم غُبناً و هو يبحث عن العدالة السجينة داخل تشريعات تبعدها عنه كلما اقترب منها.. و متاريس مهولة تحول دونه و حقه المسلوب قسراً..

فحين تقدمت إلى مكتب العمل لمقاضاة وزارة الاستثمار، وجدت المكتب و كله نشاط و حيوية.. و أداء متميز.. يسألونني ويرشدونني كي أكون على بينة من الأمر الذي كنت مقبلاً للدخول فيه.. شعرت بالرضا التام.. و اعتقدت أن الحكومة خصم نزيه جداً..

و بعد التأكد من سلامة موقفي، تولى المكتب القيام بإعلان الوزارة لحضور جلسة في تاريخ و ساعة معينين لمعرفة وجهة نظر الوزارة.. أخذت الخطاب بنفسي إلى الوزارة.. تسلموه.. و لم يأتِ من يمثلها في اليوم المحدد.. و أخذت إعلاناً ثانٍ.. و لم يأت ممثل الوزارة.. رآى مكتب العمل ما يبرر الشكوى التي تقدمت بها.. طلب مني المكتب الذهاب إلى وزارة العدل لأطلب ( إذن مقاضاة) الوزارة! فلا يمكن مقاضاة أي وحدة حكومية دون أخذ ذاك الإذن..

و لكن هل تحتاج مقاضاة ظالم أو مجرم أخذ إذن، و مِمَّن، من وزارة العدل شخصياً؟! (إذن مقاضاة)! ما هذا؟!

لن يستطيع القضاء رد حقوقك بدون ذاك الإذن، فالقضاء مكبل بنصوص وضعها المشرعون لتتلاءم مع مصالح الحكومة التي هم جزء منها بحكم الأنظمة التي ابتلي بها السودان.. و الاجراءات تطول رغم بساطة و وضوح بعض القضايا.. كما هو الحال بالنسبة لقضيتي.. حيث ينحصر النزاع بيني و بين الوزارة بخصوص العقد المبرم بيني و بينها بتوقيع المستشار و ختم وزارة العدل.. لكنهم يعقدون القضية بإجراءات تحتقر المنطق و العدالة.. و تسويفات مملة تتعب حتى القضاة.. و تجعل المُطالِب بحقه على الحكومة كمن يمد ( قرعة):- " حسنة لله!" و يظل يدور من حلقة مفرغة إلى أخرى..

مالكم كيف تحكمون أيها ( المتأسلمون)؟

و القاضي يعرف أن ثمة خللاً ما في تشريعاتكم (المدغمسة).. لكنه لا يستطيع الخروج عن النص.. و محامي الادعاء يعرف.. و يحاول إيجاد مخارج من داخل النصوص الأخرى لدحض ما جاء في النص.. و مستشار الوزارة يعرف و يسعى لتدعيم عدم المنطق الموجود في النص.. و أنا أعرف أن كل أهل القانون يعرفون أن ثمة ( عوار ) في الاجراءات جدير بالمعالجة.. معالجة تمنع التسويف و إطالة التقاضي.. و تعطيل العدالة الناجزة..

و أي تعطيل للعدالة أكبر من فرض أخذ ( إذن مقاضاة) الوحدات الحكومية قبل رفع الدعوى في المحكمة.. طالما قام مكتب العمل بفحص الشكوى و التدقيق في سلامتها.. و طالما هنالك مستشار قانوني يمثل وزارةالعدل في كل وحدة حكومية للتصدي للمهام القانونية ذات الصلة بالوحدة المعنية..؟ و لماذا )يستغرق( إصدار إذن المقاضاة فترة تتراوح ما بين 3 - 4 أشهر.. و ما جدوى وجود مستشارين قانونيين في الوحدات الحكومية إذا كانت وزارة العدل تفعل ما تفعل لصالح تلك الوحدات..؟

و إذا تم الفصل في قضية ما، أي تم إصدار قرار بالحكم ضد الوحدة الحكومية، لماذا ينص القانون على إخطار المحكمة العليا كي تبعث ب إخطار إلى محكمة العمل لتنفيذ الحكم، و لماذا ينص القانون على المحكمة العليا أن تأمر محكمة العمل ب عدم التنفيذ إلا بعد مضي 3-4 أشهر بوصف المحكوم عليه وحدة حكومية؟ و قد تستغرق خمسة أشهر لأخذ إذن المقاضاة.. و إذا قضت المحكمة لصالحك عليك الانتظار لفترة أربعة أشهر و ربما ستة أشهر لأخذ ( إذن تنفيذ) الحكم.. تسويف و مضيعة لزمن المتقاضي.. يؤكد العجز في تسريع إحقاق الحقوق.. ما يشير إلى أن العدالة عدالة عاجزة تماماً متى تعلق الأمر بمقاضاة وحدة من الوحدات الحكومية.. ما يجعل بعض الموظفين يماطلونك و يتحدونك:-" كان ما عاجبك، أمشي اشتكي"!



و هدر الزمن يبدأ دائماً مع أول جلسة.. حيث يطلب المستشار من المحكمة أن تمنحه جلسة جديدة لدراسة القضية و التي تم ارسالها إليه قبل حوالي إسبوعين..ً.. يمنح الاذن لجلسة يُتفق على أن تكون بعد ثلاثة أسابيع.. و تمر الأسابيع لتبدأ الجلسة بتقديم الدفوع.. تذهب أنت و محاميك.. لا يأتي المستشار.. يتم اعلانه بالحضور لجلسة بعد أسابيع أخرى.. يأتي و يتم تأجيل آخر لجلسة أخرى بعد أسابيع.. و يأتي مستشار حديث عهد بالوزارة المعنية.. يطالب بتأجيل الجلسة ريثما يقوم بدراسة القضية.. و يتم تأجيل الجلسة لمدة اسبوعين أو ثلاثة..

تحضر للجلسة فتكتشف أن القاضي قد ذهب في إجازته السنوية.. و أن القضية قد تم تحويلها إلى قاضٍ آخر.. القضايا أمامه كثيرة.. و لا يملك إلا أن يؤجل القضية إلى حين عودة القاضي الأساس..

و يعود القاضي الأساسي و يتم نقله إلى محكمة أخرى.. و يُعَيِّن مكانه قاضٍ جديد.. القاضي الجديد يحتاج إلى دراسة القضايا التي ورثها عن سابقه.. !

مرت أوراق قضيتي ضد وزارة الاستثمار على سبعة قضاة، و دافع عن وزارة الاستثمار ستة من مستشاري وزارة العدل.. و مثل الادعاء محاميان.. يئس الأول و هجرها.. فكلفتُ غيره..

في انتظار الجلسة، يتولد لديك إحساس بتخثرِ ما في الجو العام.. في البيئة المحيطة.. تتحرك إلى عريشة ستات الشاي.. روادها إما مظاليم الحكومة أو مظاليم شركات ) محاسيب المؤتمر الوطني.. و هناك محامون يتناقشون.. كلٌّ يحتسي ما يحتسي.. أو يقرأ جريدة ما و هو يدخن.. و فجأة يصرخ أحد المظاليم:- " ديل ما بخافو الله.. سنة و زيادة و أنا في جنس الحالة دي؟!" جملة كفيلة بمسح شيئٍ من الألم عنك كونها وضعت الظَلَمة في مواجهة مع الله!

و قالت لي إحدى مظلومات الحكومة أنها قد ( تعبت).. و آن لها أن تقبل تسوية قدمها لها مستشار الوحدة الحكومية بما يعادل ثلث استحقاقها ( القانوني)..

و مهندس سوداني يقاضي إحدى شركات البترول ذات الصيت.. كان يعمل معها بعقد نصَّ على دفع راتبه بالجنيه السوداني ( مقيماً) بالدولار.. و تم فصله بعد عام بينما كان لا يزال في الحقل.. و طُلب منه توقيع عقد عمل جديد أقل امتيازاً.. و أثناء إحدى الجلسات، ظل محامي الدفاع يستخدم كل الأسلحة لإبادة تجهيزات دفاع المهندس و من ثم الاجهاز عليه.. لكن القاضي أبطل مفعول تلك الأسلحة بذكاء.. و أمر المحامي بعدم تكرار تفعيلها.. فكدت أصفق استحساناً لموقف القاضي.. و لكن جلال القاعة يجب أن يُراعى..

نعم، كثير من القضاة يجبرنك على احترام القضاء رغم كل مساوئ ( النظام) في عمومياته..

مكتبة محمد علي صالح