مأزق العقل الحداثي بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد

مأزق العقل الحداثي بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد


12-24-2014, 10:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1419456630&rn=0


Post: #1
Title: مأزق العقل الحداثي بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
Author: عبد المؤمن إبراهيم أحمد
Date: 12-24-2014, 10:30 PM

هل من طريق ثالث للعقل البشري في حقبة ما بعد الحداثة. إن مسيرة العقل البشري، في الطريق البديل أو الطريق الثالث، وحتميته هي الجمع بين الدين والعلم، والروح والمادة، وبين والإشتراكية والرأسمالية. في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين حدثت تحولات سياسية كبرى كانت إنعكاس للوضع الذي يقف عنده الوعي البشر والعقل الإنساني محكوماً بظروفه. اكبر علامة في ذلك التحول هو فكرة العولمة التي طرحت حلول كوكبية تقوم على الفكر الرأسمالي وتقوم على إستثمار المنجزات التقنية في مجال الإتصال والترحيل وانتقال البشر وانتقال المعلومة وانتشار وسائل الإعلام.
يحتاج العالم اليوم لفكرة تربط بين العلم والفكر والدين. على اساس هذا الربط يمكن للعولمة أن تحقق للبشر ما يحلمون به جميعاً من رفاهية واستقرار وتقدم وازدهار لكل النوع الإنساني حين تتحول الإنسانية لأسرة واحدة يقوم فكرها على حقيقة جامعة واحدة ينضوي داخلها وينسجم ويتعايش كل التعدد والتنوع. بهذا نمهد لفكر توحيدي إيماني يقوم على مبدأ الإله الواحد والحقيقة الواحدة والإنسانية الواحدة وبذلك يكون الفكر التوحيدي المؤمن فكر ظهر وتتطور في حقبة ما بعد الحداثة فكر يحمل في رحمه إمكنيات هائلة في الطرح ليقدم منظور جديد لفهم الوجود والعالم عبر فلسفة المعارف الحسية ويقدم مفهوم جديد للوجود الإنساني عبر نظم فكرية جامعة توفق بين الحقيقة العلمية والحقيقة الروحية للكائن البشري.
بعد إنهيار الكتلة الشيوعية والتحول التدريجي للصين نحو الرأسمالية الموجهة يواجه العالم، والغرب خصوصاً، تحدياً كبيرا خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب الخليج. إنه التحدي الإقتصادي الذي قد يباعد بين الولايات المتحدة وزعامتها للعالم والذي سيعيد ترتيب المنظومة الدولية على قاعدة جديدة وأسس جديدة.
إن عالمنا على هذا الحال من تراجع للأفكار التي حاولت السيطرة على العالم وتوجيهه طيلة حقبة الحداثة، يبحث الناس عن نور جديد وأمل جديد وفكر جديد يخرج العالم من حالة الفوضى والقلق التي يعيشها. يشكل الفكر التوحيدي الذي اسس له الإيمان الحداثي بارقة أمل لتقديم رؤية فكرية جمعية إصلاحية تنير الطريق للعقل البشري في القرن الحادي والعشرين. إنه فكر يقوم على الإيمان والتوحيد. فكر يقوم على أصول الدين ويأخذ بإيجابيات الفكر الرأسمالي والفكر الإشتراكي، ويأخذ بالعقل والعلم والدين.
تباعد العلوم عن كل ما جاء به الدين جعلها تسير كالعمياء وخصوصاً علم النفس مما عمق من أزمة الإنسان الحديث. بعد ان اشبعت العلوم حاجة الإنسان المادية عبر الرخاء الإقتصادي القائم على التطور التكنلوجي حدث نوع من الإسترخاء النفسي الكاذب الذي سرعان ما ادرك حاجته لإشباع رغبات اخرى سمها بالروحية والتي تم إبعادها في زخم الإنتصار الحاسم للعلوم وعقل الواقع على الأطروحات الدينية التقليدية التي قدمتها الكنيسة التاريخية. تلك الحالة جعلت الفردانية تستقر في صلب الحداثة وصارت القوانين والنظم القائمة على النظرة المادية للوجود عاجزة عن تقديم حل لمشاكل تلك المجتمعات بسبب التطرف في النزعة الفردانية والتطرف في النزعة العلمانية والمبالغة في حرية الفرد والإنسانوية. لقد صارت تلك المجتمعات تعاني من التفكك الاجتماعي وجرائم المجتمع بسبب هلامية القيم وسيطرة النظرة المادية المصلحية الإستهلاكية المتطرفة على تلك المجتمعات.
يشكل الدين عنصر أساسي في تشكيلة الوعي الانساني خصوصاً في المجتمعات الإسلامية. وقد تم بنيان ذلك الوعي على مر العصور والازمان، ولكن هذا الوعي الذي يكتنفه الدين صار مزعزعاً مضطرباً متنازعاً بين المعرفة العلمية النسبية والمعرفة الدينية التي تدعي بعض الإطلاقيات. صار وعي المؤمنين مضطرباً بسبب تغير الظروف وبسبب النور القوي القادم من العالم المتقدم المُدرّع بالعلم والمال والقوة والجمال. فكيف يتسنى لنا الجمع بين المطلق والنسبي لكي نجمع بين علم الغيب وعلم الشهادة؟
كل الأديان تنادي بالخير والمحبة والسلام ونكران الذات، فأين الخلل إذن؟ لا بد ان هناك خللاً ما في فهم معتنقي هذه الأديان نتج اثناء تطورها التاريخي، مما أدى إلى ضياع الهدف وضبابية الرؤيا التي صار يحجبها غبار كثيف من المصالح والسياسة والدفاع عن كل أمر مستقر. وأدى ذلك لبعض الانحرافات فى المناهج والمفاهيم، مما أحوج الناس للتنوير والإصلاح الديني من جهة كما أدى من جهة أخرى لإبعاد الدين عن حياة الناس في الغرب وأثر كل ذلك على مجمل اتجاه العالم اليوم.
كيف يمكننا ان ننقذ هذا العالم من الاتجاه المظلم الذي يسير فيه؟ هل يجدي ترويع الآمنين وقتل الابرياء؟ كلا. هل تجدي قوة الدول وسطوتها في تغيير اتجاه العالم؟ كلا. لا بد لكل الطليعة العالمية في الفكر والسياسة والدين وفي كل العالم والتي تعمل لخير البشرية القائم على الحرية والديمقراطية والعدل والتسامح والتعايش السلمي من ان تجتمع إلى كلمة سواء، في منهاج عريض يقود هذا العالم إلى طريق النجاة والخلاص.
لا بد للطليعة الدينية المثقفة الواعية المتسامحة التي تفهم الماضي وتقرأ الحاضر وترى المستقبل بالصورة الصحيحة، ان تقبل النقد والتجديد على أساس الحرية الكاملة في مناهجها ومفاهيمها من أجل ابراز أصول تلك الأديان التي تجمع ولا تفرق عبر إعادة قراءة النصوص المقدسة والتمييز بين ما هو مطلق وما هو نسبي. لا بد لهذه الطليعة في كل دين وملة أن ترتقي لمستوى العلم والفكر الذي يجمع بدلاً، من التخندق في خنادق العقيدة التي تميز وتفرق. ان التمييز والتفريق والحدود كان لضرورة تاريخية ما عادت ضرورة في عالم اليوم.
ان عالم اليوم محتاج إلى منظومة فكرية تستطيع أن تجمع بين مختلف الفكر الديني وان تجمع بين الفلسفة والدين والعلوم لتقدم بصورة عامة حلول سياسية واقتصادية، وبصورة خاصة حلول فكرية ونفسية واجتماعية لمواجهة المشاكل المعقدة التي تجتاح العالم في هذا العصر والتغلب عليها. عالم زعماؤه كلهم غارقون في رؤاهم وتصوراتهم، ولا أحد يريد أن يسمع أو أن يرى ما يسمعه ويراه الآخرون أو أن يغير موقفه أو يقدم أي تنازل لمصلحة الكل. وفي ظننا أن الإسلام لما لديه من رصيد عقلاني وفكري تصالحي (مطمور بسبب موجات التشدد والعنف التي تتسيد الموقف الإسلامي اليوم) لديه ما يساهم به في صياغة هذا العالم من جديد.