القوات المسلحة و انقلاب في السياسة بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن

القوات المسلحة و انقلاب في السياسة بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن


11-29-2014, 04:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1417273568&rn=0


Post: #1
Title: القوات المسلحة و انقلاب في السياسة بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
Author: زين العابدين صالح عبد الرحمن
Date: 11-29-2014, 04:06 PM

إن الندوة السياسية التي عقدتها جريدة القوات المسلحة بوزارة الدفاع يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2014، بعنوان " مفاوضات أديس أبابا بين الطموحات الوطنية و الأجندة الدولية" تعد خطوة موفقة في البحث عن حقائق الأشياء، و خاصة معرفة الرأي الأخر حول بعض القضايا المرتبطة بالوطن، و إن القوات المسلحة لها علاقة، إن كانت من قريب أو بعيد بالعمل السياسي و ما نتج عنه و ما سوف ينتج عنه، حيث إن المفاوضات التي تجري في أديس أبابا بين الحزب الحاكم الذي هو نتاج القوات المسلحة و حملة السلاح، و من هنا كانت المحادثات لها ارتباط بالقوات المسلحة، و في كل الأحوال إقامة ندوة لسماع رؤية مخالفة يعد منهجا جديدا في ثقافة المؤسسة، التي لم تكن بعيدة عن السياسية منذ انقلاب 17 نوفمبر 1958، تاريخ التدخل المباشر للقوات المسلحة في العمل السياسي، و منذ ذلك التاريخ ظلت القوات المسلحة في الملعب، إن كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، و رغم إن جنرالات القوات المسلحة يحاولون رمي المسؤولية بعيدا عن مؤسستهم و لكن هذه هي الحقيقة، إذا كان البحث بالفعل عن حلول للمشكل السودان، و وجوب طرح كل الحقائق علي مائدة الحوار، دون وجل أو مداهنة، لآن العلاج يأتي مع الحق و ليس مواراته.
و استمعت الندوة إلي الفريق صديق إسماعيل نائب رئيس حزب الأمة، و الرجل أيضا أحد الذين تخرجوا من المؤسسة و متشرب بثقافتها، و إن كانت مشاركته مشاركة سياسية تحمل رؤية حزبية، و هو الرأي الأخر في الندوة، قدم فيه رؤية حزب الأمة حول" اتفاق باريس" الذي كان قد وقعه حزب الأمة مع الجبهة الثورية، و كانت المؤسسة منحازة ضد الاتفاق، و هذا مبرر من الناحية السياسية لأنها هي التي تحكم، و إن كانت تحت مظلة أخري، و لكن النظام مستفيد من حماية المؤسسة العسكرية للنظام، و أيضا بقية الأجهزة القمعية، و بالتالي منطقيا إن المؤسسة العسكرية غير محايدة في الصراع، و رغم ذلك خطوتها في أن تقيم ندوة لكي تسمع رؤية أخري، تعد نقطة تحول إيجابية، و نتمنى أن يصبح هذا منهجا جديدا للمؤسسة، باعتبارها تمثل الاتجاه القومي، و إذا نظرت إلي تاريخ الحروب الأهلية و المدنية في أغلبية البلاد التي اندلعت فيها لعبت القوات المسلحة أدوار عظيمة في الوصل إلي " Reconciliation" و أخرها الدور الذي لعبته المخابرات العسكرية التركية مع حزب العمال الكردي، و المؤسسة العسكرية قادرة علي أن تلعب هذا الدور بجدارة، باعتبارها مصدر ثقة، و لكن مشاركتها في السلطة تقف حائلا بينها و بين هذا الدور.
يقول اللواء محمد عجيب محمد أحمد مدير الإعلام بالقوات المسلحة في الندوة ( إن حمل السلاح في العمل السياسي بأنه إفلاس سياسي، و تهديد للأمن الوطني) هذا حديث لا يختلف عليه اثنين، و لكن هل حدثنا سعادة اللواء من الذي دعا إلي حمل السلاح لكي تتم محاسبته بذات الأسس التي تحدث بها، كان علي سعادة اللواء أن يرجع لخطاب السيد رئيس الجمهورية عام 1995 في مدينة "بورتسودان" الذي قال فيه ( من أراد السلطة عليه بحمل البندقية، و علي المعارضة إذا أرادة العودة أن تأتي للبحر الأحمر و تغتسل) و السيد رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، إذن من هو الذي تسبب في انتشار الحروب في البلاد، و ماذا كان موقف القوات المسلحة من هذا القول، و حمل البندقية يقع عبئه علي الحركة الإسلامية أم علي القوات المسلحة، و نعلم أي خسارة في الأرواح هي خسارة للسودان كله.
و من السهولة أن تدفع الناس علي التمرد و حمل السلاح، و لكن ليس بالسهولة أن توقف القتال في الوقت الذي تريد، إن اندلاع القتال حتما سوف يفرض العديد من الأجندة التي لا يمكن السيطرة عليها، و من أهم سلبيات القتال الأهلي، أنه سوف يفتح الباب علي كل الاحتمالات، و أيضا تختل المعايير التي كان يتفق عليها سابقا، و تبقي الخطوط الحمراء التي يتحدث عنها اللواء عجيب، فيها خلاف بين التيارات المتصارعة، و ما يعتقده اللواء عجيب خطوط حمراء لا يعتقده الآخرون، و بالتالي كل يتصرف حسب قناعته، و الكل يحاول أن يكسب معركته، و الحرب تحتاج لدعم لوجستي و مادي، و بالتالي الأجندة الأجنبية لا تغيب عن ساحة الحروب، و ما يحد هذه الأجندة هو الوفاق الوطني و وقف الحروب و النزاعات، فهل القوات المسلحة تستطيع أن تلعب هذا الدور الذي يسهل عملية الحوار الوطني، أم سوف تقف إلي جانب دون الأخر.
و ينتقل اللواء عجيب لقضية مهمة، هي الصراع السياسي بين القوي السياسية، و يقول عنها ( أن الجيش غير معني بالقضايا التكتيكية بين الأحزاب السياسية و حوار القوي السياسية فيما بينها ما لم تتجاوز الخطوط الحمراء) لا اعتقد ذلك صحيحا، بحكم تاريخ السياسي المعاصر و القريب في السودان، إن الجيش كان دائما يتحكم علي الساحة السياسية، و دلالة علي ذلك إن النظم الديكتاتورية التي جاءت محمولة علي دبابات القوات المسلحة، استمرت أكثر من 48 عاما من عمر استقلال السودان 58 عاما، و بالتالي المؤسسة العسكرية هي تتحمل مسؤولية ما حدث في كل تلك الفترة، و يرجع ذلك للاختلال في ميزان القوة، حيث إن المؤسسات المدنية ضعيفة، و منهكة القوة و مبعثرة، الأمر الذي أدي لسيطرة الجيش علي العمل السياسي أكثر من أربعة عقود، دون أن يقدم أية مبادرة وطنية تخرج البلاد من محنتها، بل ظل يعاضد و يكرس حكم الفرد، و ربما تكون هذه الندوة تغيير في طريقة التفكير.
أيضا إن القوات المسلحة منذ استقلال السودان هي التي كانت تتجاوز الخطوط الحمراء، بانتهاك الدستور و القيام بثلاثة انقلابات ضد نظم الحكم الديمقراطي، تجاوز الخطوط الحمراء أيضا عندما سكت عن انفصال الجنوب، هل إذا كانت القوي السياسية الحزبية هي التي تسببت في انفصال الجنوب، هل كانت القوات المسلحة سكتت علي ذلك أم حركت دباباتها؟ و هي قضايا كثيرة، و لكن رغم ذلك لقومية هذه المؤسسة، يأتي الاعتقاد، يمكن أن تلعب القوات المسلحة دورا محوريا في عملية التوافق الوطني، إذا أرادت المؤسسة ذلك، و خلعت ثوب السلطة، أو الانحياز لها، و لعبت كقوي محايدة بين الفرقاء و تجميعهم علي مائدة واحدة، لآن الطريقة التي يسير عليها الحوار الوطني لا تؤدي لذلك المقصد، لآن الحزب الحاكم يحاول أن يفرض شروطا للحوار، لكي يعيد إنتاج نفسه مرة أخري، بذات القيادات التي فشلت في أداء مهمتها 25 عاما عجافا علي البلاد، و معلوم إن السلاح لا يجلب ديمقراطية، كما إنه طريق غير مأمون العواقب، و لكن الحوار لابد أن تتهيأ البيئة الحاضنة لكي يسبر الناس عمق المشاكل، و لكن الالتفاف حول القضايا، و تغييب الحقائق، و تزيف الوعي، يؤدي لتعميق المشكل أكثر.
يقول اللواء عجيب مدير الإعلام في القوات المسلحة ( نحن مع اللعب النظيف و داخل الملعب) و اعتقد الكل مع اللعب النظيف و داخل الملعب و لكن هل المؤتمر الوطني و المؤسسات القمعية التي تناصره مع هذه الدعوة، و بالفعل يعملون من أجلها، و كيف يكون الملعب نظيفا و كل وسائل الإعلام مسخرة من أجل الحزب الحاكم، و كل إمكانيات الدولة و مؤسساتها يسخرها الحزب الحاكم من أجل بقائه في السلطة، و الأمر الذي أدي للفساد بشكل واضح و سافر دون عقاب، فكيف يكون هناك التفات لحاجات الناس و العمل من أجل حل مشاكلهم، هذه هي الحالة القائمة، دون أن نخوض في حالة الحصار الذي يعيشها السودان، و كل ذلك يجري و قيادات القوات المسلحة ينظرون لها بعين واحدة.
و في الختام، أقول إن الندوة التي أقامتها جريدة القوات المسلحة، تعد بداية موفقة، إذا استطاعت أن تذهب في ذات الاتجاه، و تفتح العديد من الملفات السياسية و غيرها، إن الحوار في الدول التي تعاني من صراعات و نزاعات و حروب، تحتاج إلي قوي أو مؤسسة قومية يثق فيها الجميع، قادرة علي إدارة الحوار بحيادية كاملة، و تعطي الكل بمقدار متساوي، و تهيئ الساحة بمستحقات الحوار، و لا اعتقد هناك مؤسسة غير القوات المسلحة في أن تلعب هذا الدور الوطني، علي أن تكون هي نفسها جزءا من الحوار، باعتبار إنها مسؤولة بحكم الدور السياسي الذي لعبته في هذه الأزمة، و نذكر بقول الله " يا أيها الذين أمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" صدق الله العظيم