الصوملة وجهة نظر صومالية بقلم محمود محمد حسن عبدي

الصوملة وجهة نظر صومالية بقلم محمود محمد حسن عبدي


11-28-2014, 04:20 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1417188008&rn=0


Post: #1
Title: الصوملة وجهة نظر صومالية بقلم محمود محمد حسن عبدي
Author: محمود محمد حسن عبدي
Date: 11-28-2014, 04:20 PM


"الصوملة" مصطلح على وزن "فعللة"، تعني تحويل شيء ما أو عاقل ما، بكل صيغ مفرده ومثنّاه وجمعه إلى حالة أو شكل أو سِمَةٍ - ما - لها علاقة بـ"الصومال"، وفي الوقت الذي نجح الإعلام المنحاز لربط "الصومال" بكل ما هو سلبي، من حيث كونه إسمًا لشعب "حاميٍّ" يبلغ من التعداد قريبًا من خمس وعشرين مليونًا، ويقطن إقليمًا يبلغ من المساحة مليون كيلومتر مربّعٍ هو (القرن الإفريقي) ضمن أربع دول في الشمال الشرقي للقارة الإفريقية، مسجّلٍ الوجود البشري الناجح فيه، عبر القرون لدى شعوب وادي النيل والرافدين بالغًا في تفاعله الحضاري حتى بلاد الصين وغرب أوروبا.
وبالعودة للمصدر الأم لمصطلح "الصومال"، فهو مرتبط بعدة نظريات استقرت في نهاية الأمر، على الأب المفترض للشعب والمسمى "سمولِه/سماِله/ ذو سماء"، والذي ليس مستبعدًا أن يكون وجوده في الذاكرة الجمعية للصوماليين، مرتبطًا باختيار اللون "السماوي" ليكون لون علم البلاد المستقلة التي يقيم فيها أبناء "سماله" ويحكمونها أحرارًا بعد زوال الاحتلال الغربي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
الصوملة تاريخيًا:
التاريخ الصومالي مفتوح كسواحل البلاد التي بلغت في امتدادها لأكثر من ثلاثة آلاف كيلموتر، مهيّئًا البلاد لأن تستقبل مهاجرين من الجزيرة العربية وفارس والهند، لكن نجاح تلك العناصر الجديد في الاستمرار بالوجود على الأرض الصومالية كان يرتبط في ظروف متكررة بالامتداد داخل البر الصومالي، وهو مالم يكن ممكن الحدوث في أرض بطبيعتها جَبَلَت الصومالي على التمسك بثقافته، وفرض تبنيها من قِبَل الوطني على "الدخيل" ليصبح جزءًا من النسيج الاجتماعي ويصبح مسموحًا له التوغل في البر الذي يؤمن مراعي ومعاقل لساكنيه، وهو ما ضمن حفاظ البلاد على لغتها وثقافتها على مدى سبعين قرنًا، مهما طرأت تطورات جديدة على المستوى العقدي، بدخول الديانات الإبراهيمية "اليهودية" و"الإسلام".
وقد يكون نجاح الديانة الإسلامية وانتشارها في ظل اضمحلال الوجود الديني اليهودي، نتيجة لتوافق الإسلام مع طبيعة المجتمع القائم على تساوي أفراده من حيث المبدأ والقانون العرفي القديم الـ"حير" الذي قرر تحريم الرّق بين أبناء "سماله"، وكون الـ"إجارة" من الأذى ومن ثم التحالف والضمّ، مدخلًا لقبول مهاجري العرب بين أبناء الشعب الصومالي، شأن أطفال الشعوب الأخرى الذين كانوا يُضافون للعائلات الصومالية، إثر الحروب مع ممالك الحبشة أوالشعوب الكوشية المجاورة، ليحصل الطفل المتبنى على وضعه الاجتماعي ضمن العشيرة – محتفظًا بتراثه النسبي - بناءًا على مواهبه وإنجازاته، كشاعر أو عالم دين أو مقاتل، مما يجعلنا ندرك "الصوملة" لم تكن سيئة إلى ذلك الحد على مدى ألفي سنة، فما الذي حدث؟!
تجانس المكوّن الصومالي واعتماد المقاومة أسلوب حياة!
بالعودة للظروف التي أحاطت ببلاد الصومال بدئًا بالقرن السادس والسابع عشر، مؤذنة بإنتهاء حرب المائة عام بين الصومال ممثلة بسلطنة "أجوران" و الإمبراطورية البحرية "البرتغال"، والتي أدت لإضعاف القبضة البرتغالية على الشرق الإفريقي، والإجهاز عليها لاحقًا بيد التحالف الذي قاده العمانيون اليعاربة، لكن ليس قبل انهيار السلطنة الصومالية إثر تراجع قدرتها على مقاومة تصاعد قوة العشائر التي كانت تحت سلطتها، وما تسببت به تلك الحرب من إخلاء السواحل وخراب مدنها نتيجة لهجمات القرصنة البرتغالية وحلفائها، قاد للدخول إلى دخول الصوماليين في مرحلة من الإنغلاق والإنكفاء نحو حياة الرعي والتوسع جنوبًا وغربًا بحثًا عن المراعي، تعقّد الأوضاع في المحيط الهندي، نتيجة لتحوّله إلى مراح معتاد لأعمال القراصنة والمغامرين الأوروبيين المسلحين بعتادٍ ناري فائق القوة، فأصبحت الأنشطة الاقتصادية المتاحة في البر الرئيسي هي السبيل الوحيدة في محاولات تحسين الأوضاع الاقتصادية، وإيجاد ما يكفي من الموارد للمجتمعات التي بدأت بالتعافي من خسائرها البشرية الفادحة، نتيجة للحصار واللأوبئة والتدهور الاقتصادي خلال تلك الفترة.
قادت الأوضاع التي تسبب بها وجود الرجل الأبيض في المحيط الهندي، إلى تصاعد الشعور بالتهديد لدى القومية الصومالية، التي أصبحت تدرك أنها في حالة حصار حقيقي من قبل ممالك الحبشة بسقوط العاصمة الروحية للمسلمين في الشرق الإفريقي"هرر"غربًا، والقرصنة الأوروبية شرقًا، مؤديًا ذلك تحوّل البر الصومالي مكانًا للموت المحقق لكل أجنبي مشكوك في انتمائه للدين الإسلامي.
وهو ما قاد إلى اقتسام السواحل الطويلة للبلاد، على أمل فتح براريها بالتعاون مع المملكة السليمانية الحبشية، مهما تصاعدت الخلافات أو هدأت بين أطراف ذلك الحلف غير المقدّس مادام المطلوب إخضاع تلك البقعة المتمردة بكل ذرة تراب فيها من القارة الإفريقية، لكن الشعور بعدم الثقة بالأجنبي كانت عميقة الجذور بحيث لم يكن ممكنًا ترسيخ الوجود الغربي على البر الصومالي، ما خلى مناطق محددة وفي فترات زمنية متأخرة وقبيل الاستقلال، وأكثر دلائل ذلك جلاءًا ندرة ما تركه الغربيون من آثار معمارية ملفتة في مناطق حكمهم، حتى المراكز الرئيسية بالنسبة لهم.
تحوّل "الصوملة" إلى شيء سيء للغاية!
حظيت البلاد بنعمة تجاهلها إعلاميًا حتى سقوط النظام الدكتاتوري بداية التسعينيات، وكان لابدّ من "التسويق" للتدخل الأجنبي، في بلد يعيش الحرب الأهلية لأول مرّة في تاريخه الطويل، وكان ضروريًا "عزل الصومالي" عن إنسانيته، ليعجز المتلقي – غير الصومالي - عن تلمسها، مادام أنه المستهدف في استقبال وابل الزخم الإعلامي، ورغم أن الأحداث التي غطت معظم جنوب البلاد كانت دامية بل ومروّعة، إلّا أنها لم تخرج بأي حال من الأحوال في حجمها وقسوتها عن أي صراع أهلي نظير، يصل إليه مجتمع ما للخروج من حالة التخشب والجمود نتيجة لعقود الدكتاتورية التي نجحت دائمًا في أن تمسخ المجتمعات، وتجعل الإنسان منفصمًا تمامًا عن معاني الوطنية، نتيجة لاغترابه عن الدولة، وخضوعه الطويل للقمع والترويع.
وتم الضرب على وتر "عبثية" الصراع الأهلي الصومالي، عبر تكرار ديباجة "الدين الواحد والعرق الواحد واللغة الواحدة" في حين أنه كان صراعًا بين قادة متعطشين للسلطة، استفادوا بفاعلية من تردّي الثقة بين أبناء فسيفساء المجتمع "القبائل" في الصومال، ويماثلها في ذلك الانتماء الطائفي في لبنان والعراق، والدين في البلقان والعرق في مناطق أخرى، وكأن ما حدث في الصومال يُعدُّ سابقة لما مرّت به مرارًا بلاد كاليابان والصين والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، وشهده تاريخ العالم الإسلامي مرارًا وتكرارًا خلال فترات اضمحلال الدول وبروز أخرى مكانها، والثورات والاضطرابات الدامية التي سقط فيها مئات الملايين من البشر!
إلّا أن الفرق بين الحروب الأهلية المعاصرة وتلك التي حدثت في الصومال، أنه كان للبلدان التي دارت فيها أصدقاء، أو جهات تحاول الحد من استفحال الأمر والحد من وصول آثاره إلى مدىً أبعد، على عكس الحالة الصومالية، التي لم تجد طرفًا إقليميًا أو عربيًا أو دوليًا، راغبًا في بذل بعض الجهد اللازم للمساهمة في ضبط الوضع في البلاد، وإن عبر تغليب طرف على آخر لتقصير زمن الصراع، وفتح المجال لحدوث تسوية بين أمراء الحرب الذين اختطفوا شعبًا خائفًا تمترس أبناؤه في منظومة الأمن الوحيدة التي بقيت ألا وهي القبيلة.
بل لمسنا ونلمس أن هناك جهات "محددة" هدفت ولازالت تهدف إلى استمرار الأوضاع في المربع الأول، عبر دعم كل فئة صغيرة تريد إحداث قلاقل في البلاد، بحيث يُضاف كل فترة طرف جديد للصراع، لا قوة له ولا قدرة تُذكر مالم يستمر ضخ الدعم والتمويل له من الخارج، بحيث يبقى مستقلًا عن - الفئة من - الشعب التي يدّعي تمثيلها وحماية مصالحها والدفاع عن حقوقها.
والأدهي أن يتحوّل اسم البلاد، والمصطلح الجديد المرتبط به، إلى "بُعبُع" لضبط الأوضاع في البلدان المضطربة شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وكأن سوء حظ الصومال وأبنائه في هذه الفترة من تاريخهم، هو المسؤول عن كل خلل يحدث في مجتمعات تعاني عدم المساواة أو التعرّض للتدخل الأجنبي أو التنافس السياسي والميداني المحموم.
اسم الصومال ملك للصوماليين!
لقد عاش الإنسان في القرن الإفريقي من فترة موغلة في القدم، ليس من السهل حصرها أو تحديدها بدقة، وتوالت الممالك والحضارات على أرضه، وشاءت القدرة الإلاهية أن تبتث حضورها وتأثيرها، بمصادر من شعوب وحضارات وممالك عاصرتها وأثّرت وتأثرت بها، بدءًا من توثيق الفراعنة القدماء اسم مملكة "البونت"، بالغة في صيتها "دلمون" و"بابل" وما تلاها من ممالك "المكروبيين" أنداد "الفرس" في المنطقة، ومدنهم التي أحصاها الإغريق " أفيليت/زيلع" و"ملاو/بربرة" و"مندوس/ميط" و"أوبوني/حافون" و"سيرابيون/مقديشو" و"غوندال/كيسمايو" وغيرها، وما ترويه محكيات شعب "رنديله" - المهدد بالانقراض الثقافي - عن أخوتهم مع أبناء "سماله" الذي هاجروا شمالًا، واستقرار اسم تلك الأرض باسم بلاد "بربرة/البربر" عند العرب، حتى وثَّق ملوك الحبشة السليمانيون في حروبهم شدة القتال مع قبائل الـ"صومال" في القرن الخامس عشر.
إن كل ما مرّ بتلك الأرض وشعبها من نهوض وازدهار لحضارتها وحاضراتها، وتراجع واضمحلال تالٍ لذلك، إنما كان أمرًا طبيعيًا تمرّ ومرّت به شعوب وحضارات أخرى، وليس أهم دلالة على إمكانية النهضة الجديدة من بقاء تلك الأرض محتفظة بلغتها وتراثها الشفوي والتقاليد القديمة منذ عشرات القرون، ضمن منظومة قيمها التي لم تكن متعارضة كثيرًا مع القيم الإسلامية النقية والسمحة التي دخلت البلاد منذ أربعة عشر قرنًا، وليس ما تثبته التقارير العلمية والتحليلات الاقتصادية من ضخامة الثروة الطبيعية التي يحملها باطن الأرض ليست سوى جزءٍ طبيعيٍّ من مسيرة نهوض شعب عُرِف بالنشاط والاستقامة وكرم الضيافة من قبل كل من عاشره أو شاركه أوعمل معه.
إننا اليوم نحن أبناء الصومال،"صوماليون" نحمل هذا الاسم ونفخر به، وهو جزءٌ أساسٌ من تعريفنا بذواتنا، وهو الوعاء المستوعب للغتنا وثقافتنا وكامل موروثنا، وما سننقله إلى أبنائنا من قيمنا وتراثنا، نحن جزءٌ منه وهو ملكٌ لنا، ولم يكن مقبولًا يومًا امتهانه وليس مقبولًا ذلك لا اليوم ولا غدًا، تلك رسالتنا إلى العالم أجمع، ونعلم أنها ستصل إن عاجلًا أو آجلًا، ونرجو أن لا نحتاج لأكثر من تل الرسالة ليقتنع "الآخر" بحقنا ذلك، وأحقيتنا بالدفاع عنه بكل صورة وأداة ممكنة.


محمود محمد حسن عبدي
كاتب وباحث من الصومال

Post: #2
Title: Re: الصوملة وجهة نظر صومالية بقلم محمود محمد حسن عبدي
Author: سيف اليزل سعد عمر
Date: 11-30-2014, 10:32 PM
Parent: #1

Quote: إننا اليوم نحن أبناء الصومال،"صوماليون" نحمل هذا الاسم ونفخر به، وهو جزءٌ أساسٌ من تعريفنا بذواتنا، وهو الوعاء المستوعب للغتنا وثقافتنا وكامل موروثنا، وما سننقله إلى أبنائنا من قيمنا وتراثنا، نحن جزءٌ منه وهو ملكٌ لنا، ولم يكن مقبولًا يومًا امتهانه وليس مقبولًا ذلك لا اليوم ولا غدًا، تلك رسالتنا إلى العالم أجمع، ونعلم أنها ستصل إن عاجلًا أو آجلًا، ونرجو أن لا نحتاج لأكثر من تل الرسالة ليقتنع "الآخر" بحقنا ذلك، وأحقيتنا بالدفاع عنه بكل صورة وأداة ممكنة.


الأخ محمود حسن عبدي
سعدت كثيرا بقراءة مقالك في الموقع. وسعادتى به ان كاتبه صومالي في موقع مهتم بقضايا السودان في المقام الاول لكنه أيضاً يناقش قضايا تخص الدول التى تقع في محيط السودان بل ابعد منه. كم اتمنى ان يعبر الصومال لمرحلة السلام والتنمية والتقدم. في إعتقادي أن إستخدام مصطلح الصوملة لايقلل من شأن الصومال والصوماليين في شيئ. في فترة من الفترات كان المصطلح مرادف لمصطلح "اللّبننة" لوصف الحالة التى مرت بلبنان ايام الحرب الطائفية ولم يقلل إستخدام المصطلح من لبنان واللبنانيين في شيئ. انت تكتب هذا المقال بعد مرور ربع قرن من بداية النزاع الصومالي والذي أشتقت منه الكلمة. لقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر بقيام دويلات في الصومال وعلاقات فدرالية ووحدوية وإنفصالية وتدخل إثيوبيا وغيرها وغيرها. لقد كانت الصومال في فترة من الفترات بدون حكومة بدون مؤسسات بدون جيش. في نفس الفترة وبعد ثلاث أعوام من إنهيار نظام الدولة في الصومال مرت رواندا بما يشابه ما حدث في الصومال لكنها سرعان ما تماسكت وتخطت مرحلة إنهيار نظام الدولة بل وشاركت في إرسال قوات لحفظ الامن في الصومال.

ما يمر به السودان اليوم مرت به الصومال من قبل وهي عبارة عن حالة لا تنقص من شان الصومال والصوماليين في شيئ.

قبل يومين تم قتل أكثر من مائة وخمسون شخص في غرب السودان في صراع قبلي شبيه بالصراع في الصومال...هذا لم يحدث في إثيوبيا او إريتريا او حتى الصومال ذات نفسها خلال الخمسة سنوات الماضية.

إذا سارت الأمور بهذه الطريقة فلا تستغرب إن يتحدث العالم عن ظاهرة جديدة إسمها السودنة.

أتمنى ان تواصل في الكتابة في هذا الموقع سوف أتابع من تكتب باهتمام شديد وسوف يساعد في تحقيق الامن والسلام والتنمية في الصومال والسودان