المعيار الما قضية الطاهر ساتي

المعيار الما قضية الطاهر ساتي


11-13-2014, 02:13 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1415884390&rn=1


Post: #1
Title: المعيار الما قضية الطاهر ساتي
Author: الطاهر ساتي
Date: 11-13-2014, 02:13 PM
Parent: #0

:: يوم انتقال الموسيقار حسن بابكر إلى رحمة مولاه، اتصلت مذيعة بالنيل الأزرق بأصدقاء ومعارف الراحل على (الهواء مباشرة)..وكانوا - في لحظة الاتصال - بالمقابر، ومنهم الشاعر محمد عبد القادر أبوشورة، وكان متأثراً بوفاة رفيق دربه، ومع ذلك تمالك حزنه وعدد - للمذيعة والمشاهدين - بعض مآثر الراحل..وقبل الوداع، فاجأت المذيعة الشاعر أبوشورة : (طبعاً المرحوم كان مشكل ثنائي جميل مع الفنان محمد ميرغني، وياريت تدندن لينا بأغنية من أعمالك المشتركة بينك والمرحوم ومحمد ميرغني)، فرد أبوشورة باستياء : ( أدندن شنو يا أستاذة؟، نحن في المقابر و لسة ما سترنا المرحوم)..!!
:: وهكذا بعض الناس في الحياة، إذ دائرة مشاعرهم وأحاسيسهم وقضاياهم وتفكيرهم لا تتجاوز دائرة نصف قطرها ( ذواتهم).. نعم، فالمذيعة كانت تختزل تفكيرها - في تلك اللحظة - في الاستماع إلى ( دندنة شاعر)، لتستمتع بها هي أولاً ثم لتسعد بها المشاهدين، بلا أي مراعاة لمشاعر الشاعر الذي يواري رفيق دربه ثرى القبر.. وتقريباً مثل هذا النوع من التفكير الأشتر هو المسمى بالأنانية وعدم الإحساس بالآخر، وما أكثر الرؤوس المحشوة بالأنانية في مجتمعات بلادنا، ولهذا لن يبلغ بنيان هذا الوطن يوماً تمامه.. فالأنانية تهدم .. وتهدم ..!!
:: وعلى سبيل المثال، منتصف الأسبوع الفائت، انتقدت القرار الصادر عن وزارة الصحة بالخرطوم والخاص بإلغاء مسافة المائة متر التي يحددها قانون الصيدلة كمسافة الصيدلية والأخرى، ووزارة الصحة ألغت هذه المسافة بما أسمته بـ ( قرار الاستثناء)..ونقد هذا القرار الوزاري لم يعجب البعض، وهذا محل تقدير، فالرأي لايكتمل إلا بالرأي الآخر، ولكن المحزن هو أن يأتي هذا الرأي الآخر مغلفاً بتعليق سطحي من شاكلة : ( ياخ دي ما قضية، وفي مشاكل أكبر من كده)، وهنا تجئ مكامن الأزمة الكبرى - أي الأكبر من كل مشاكل البلد - وهي ( استصغار المخالفات)، والاستهانة ببعضها وكأن هذه الاستهانة لا تؤثر - سلباً- في المجتمع..!!
:: فالقضية الأساسية - في جزئية مسافة المائة متر- ليست هي الأمتار في حد ذاتها، بل هي عدم احترام سًلطة حكومية لقانون يُنظم مهنة الصيدلة بالسودان لحد انتهاك هذا القانون بـ (جرة قلم)..تلك هي القضية، أي استسهال الفوضى، وهذا باعتبار أن احترام القانون (تنظيم)..وإن كانت الحكومة ذاتها - وهي المناط بها بأن تكون قدوة - لاتحترم النصوص القانونية ولوائحها التفصيلية، فكيف - ولماذا - يحترمها المجتمع وأفراده؟،أوهكذا يجب السؤال يبقى جوهراً في تناول قضية المائة متر، وكل قضايا الناس والبلد، وعلماً بأن الوعي العام والتخلف الشامل سواسية أمام كل القوانين، وليس من الوعي أن تحترم هذا النص القانوني (عشان قضية) وتحتقر ذاك النص الآخر(عشان ما قضية)..!!
:: والذين قالوا بأن رقي الشعوب يظهر في احترامها لقانون تنظيم حركة سياراتها ومارتها في الطرقات لم تُفت عليهم أهمية احترام القوانين التي تحظر جرائم القتل، ولكنهم بالقول أرادوا التأكيد بأن كل القوانين تكمل بعضها في ( بناء الرقي).. والمهم، عندما وضعت منظمة الصحة العالمية عبر خبرائها معايير لممارسة مهنة الصيدلة، ومنها معيار المسافة ما بين الصيدلية والأخرى، قصدوا وصول هذه الخدمة العلاجية - بالتمدد عبر معيار المسافة - إلى أهالي جبيل الطينة و دار السلام وعد الفرسان وغيرها من الأقاصي حتى لا يتكبد أهلها مشاق الرحلة إلى (سنتر الخرطوم)، بحثاً عن قرص بنادول.. ولكن يبدو أن خبراء منظمة الصحة العالمية أخطأوا بوضع هذا (المعيار الما قضية)، وكان عليهم الاستعانة بعباقرة السودان ليجدوا عندهم ( المعيار القضية)..!!