لقد صنع الكادحون المثقفون أكتوبر فماذا يصنع الجائعون؟ بقلم أحمد يوسف حمد النيل

لقد صنع الكادحون المثقفون أكتوبر فماذا يصنع الجائعون؟ بقلم أحمد يوسف حمد النيل


11-01-2014, 06:31 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1414819915&rn=0


Post: #1
Title: لقد صنع الكادحون المثقفون أكتوبر فماذا يصنع الجائعون؟ بقلم أحمد يوسف حمد النيل
Author: أحمد يوسف حمد النيل
Date: 11-01-2014, 06:31 AM

... ضع في ذاكرتك مقارنة ما بين أسئلة الامتحان اليوم و السابق! و ضع في ذاكرتك صورة السياسي اللبق في الماضي و اعقد مقارنة ما بين شخصه و شخص السياسي الحالي. هل يبدو لك السياسي المعاصر (أعني في حقبة الانقاذ) سطحي , خيال مآته , صاحب مصلحة ذاتية , بلا هدف وطني , غير مكترث , مثير للجهالة , مثير للاحتقار , صغير النفس , لا يشبه أجداده المخلصين؟ فان كان هو كذلك فهذا يعني ان خيالك (صاحي) , و ما يزال الأمل معقود على نواصي فكرك.

كان اسلافنا كنجمة القطب , يسترشد بها من يقدرها و يسلم بثبوتها من شاهد الحقيقة و عرف. كانوا أعلاماَ في الدين و العلوم و الاخلاق و الشرف , و كانوا سلاطين بألسنتهم و علومهم و ثبات شخصيتهم. و العلوم لم تكن في معاهد المستعمر فحسب و لكن أنبل العلوم تلك التي رتعت و ترعرعت في (الحيشان) المفتوحة. و حينما ذهبت تلك الروح ذهبت بصمة أكتوبر تلك الليلة البديعة. و صرع الحاكمون السياسيون (تربية الحوش) و ما فيها من ألق فكري و حسن تربية و جماعية منقطعة النظير في كل الدنيا , و تعاونا و حسن ظن لم يُخلق مثلهما في البلاد من قبل و من بعد. فكانت تلك هي القوة الدافعة التي حركت قطار أكتوبر.

لم تكن أكتوبر صنيعة أجنبية , بل كانت تجربة لم يعيها اعلام العالم , و لم تستوعبها شعوبنا في الشرق أو الغرب. و كانت مثار الجدل و رمز البطولة و الوعي الخلاق. و قد دفع الاحساس و المسؤولية مفجريها الى اندلاعها لأنهم كانوا يضعون نصب اعينهم صورة (الحوش) و العم و الخال و العمة و الخالة و الولد و البنت , فجاء الناس مسرعين من بقاع الوطن بلا دعوة أو اعلام لأنهم حسوا بنبضها و تدفقها.

ثم انطوت السنوات و جاء الى الحكم من يحمل (معولاً للهدم) , لا من يحمل قلما أو (مسطرينة), من يحمل (طبنجة) لا من يتحلى بالصدق و الاحساس. فهجم على بلادنا من كان يكذب على الناس مراراً و تكراراً بهجوم (النمر) , فأصبح كذاباً بمرور الوقت , و ما عاد النمر مخيفاً , و لم يعد هو ذلك الراعي الصادق.

اذا ذهب الاحساس و الصدق و الامانة , لم يبقى من شيم علماء يجأرون بدعوتهم الا ملامح سطور ممهورة بالنسيان , و أقاصيص من كتب كأسطوانة مشروخة. و تقاليد عصية على الناشئة , و دواوين ليس للأدباء منها في شيء.

رغم الاحباط الذي يضرب أرجاء بلاد السودان , و انسداد الطرق التي تؤدي الى (الفرج) , هنالك انفعالات و تباكي من جيل قد سمع عن أكتوبر كثيرا و عاصر أبطالها. و لكن هيهات أن تعود البلاد الى بصمة الستينات و ما بعدها! هل سأل كل فرد في بلادي نفسه لماذا مر "أكتوبر" بطوله و عرضه مرور الكرام؟ دون ان يكترث له البعض أو يعقب البعض الآخر على ليلة "الحادي و العشرون" فيه. هنالك جدل غريب قد يأخذنا الى متاهة غريبة في ظاهرها , بديعة في جوهرها. لقد ذهب كل حُداة الثورة. و لم يبقى في الطريق الا حفنة ٌ ممن يعشقون الضجيج. و قد ثبت قديما ان "الضجيج" عدو "الحس المبدع".

لقد ذهب الضالعون أدراج الرياح من بين جنبات بلادي , لا يكرهون بلادهم و لكن يعشقون النجاح و المبادئ , فقد ذهب الواثقون بعلومهم و ثقافتهم و فنهم و أدبهم الى رحاب دنيا أخرى , و ذهب البعض الآخر الى شتى ضروب المنافي في العالم (الاقتصادية والثقافية و السياسية). و لكن السؤال الملح هنا , هل ذهبت بصمة أكتوبر مع من هجر البلاد و الدنيا؟ لو عرف الناس ان هؤلاء تركوا الحكم زهدا فيه و تركوا ارضهم غًلبا , لكانت قد عادت بصمات "الثورة المجيدة" فيهم. ثورة أكتوبر هي الشمعة الأولى في بلادي التي أظهرت محاسن الفكر السوداني , و زينت جيد السياسيين المثقفين و المثقفين السياسيين السودانيين. و كانت هي باكورة الشخصية السودانية و "بكرية" الأنثى السودانية المثقفة. فكان حريٌ بنا أن نوقد دارها ليلة في كل عام , ليس تباكياَ و لكن استلهاما و استدعاءً للوصل , لا بالبكاء و النحيب و لكن بالعمل الجاد و الاتقان و التميز.

من يقول ان أكتوبر ثورة سياسية فقد أخطأ , كانت أشبه (بفزعة) النساء البسيطات حين البلاء , أو (بنفير) الصبيان لحظة ايمانهم بالعمل , أو (موكب) الرجال المهيب في وسط البلدة و البيان يتبعونه كدرس قيم خارج قاعة الدرس , و النساء يتبعنه بأعينهم خلسة كاسيات و عاريات من خلف الجُدُر. هو ثورة قوامها هبة جيل و نهضة قيم تمشي بين الناس. لذلك كانت مجيدة ممهورة بالدم و الضجيج و الحناجر المؤمنة. و عندما عانقها السياسيون فقد فشلت , لأنهم كانوا يغنون على (ليلاهم) و لم يحترموا عرف الجماعة , و سنة البلد , فجاء المتسللون من جبال عدة و بحار بعيدة ينوون انتهاك عذريتها (مع سبق الاصرار و الترصد).

و لكننا نقول بالرغم من بعد الشقة , و عسر الاخراج , و انقشاع تلك الصورة من الأخيلة , ما تزال الأحاسيس ولادة , و ما يزال الفاشلون خطاؤون بدرجة العمد , و لكنهم يجهلون أن مصير الطغاة كمصير فرعون , و ان مصير الذين يفرحون بكنز المال كمصير قارون , و ان الحال لا يدوم , و الضعفاء ان ماتوا هما و فقرا سينتصرون يوماَ و سيضربون ضربة موجعة كضربة الجائع الغاضب. لفد كانت اكتوبر ملحمة شعبية راقية تجمع في حناياها قيم المساواة بين المزارع و المهندس و العامل و الطبيب , فهل سيصحو هذا الشعب من نير الفقر و الذل؟ و هل سيكتب على نفسه الحياة بكرامة أم الموت بشرف؟ لقد صنع الكادحون المثقفون أكتوبر فماذا يصنع الجائعون؟