Post: #1
Title: هل غرق فرعون في البحر الأحمر أم في النيل؟ وإلى أيّ الإتجاهات خرج موسى بقومه؟ بقلم: محمود عثمان رزق
Author: محمود عثمان رزق
Date: 10-28-2014, 06:02 AM
mailto:[email protected]@hotmail.com ** تنبيه: هذا مقال مهمٌ جداً وفيه معلومات جديدة وتحليل عميق فأرجو أن يصبر القاريء الكريمعليه.
إن قوام حركة التاريخ تعتمدعلى الإنسان والمكان والزمان،فهذا الثالوث هو أساس أي دراسة تاريخية صحيحة. ومن الخطأ والظلم الفادح أن يُنسب حدثٌ من احداث التاريخ لمكانٍ غير مكانه، أو لزمانٍ ليس بزمانه، أو لشخوصٍ غير أشخاصه. وخطورة هذا العمل أنّمن لا تاريخ له سيبني على تاريخ غيره في الوقت الذي يفقد فيه صاحب التاريخ الأصلي تاريخه وبالتالي يفقد معه شيئاً ثميناًله قيمة معنوية واقتصادية.وتاريخ الفراعنة والنوبةعامة، وصراع موسى مع فرعون خاصةهو تاريخ ستتداوله الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها طالما أنّ هذا القرآن حيٌّيُتلى، فتلاوة القرآن هي التي ستحتفظ بهذا التاريخ حيّاً. ومن المشهور بين المسلمين أنّ فرعون غرق في البحر الأحمر، وللأسف هذا كلام لا دليل عليه البتة ويعارض صريح القرآن وصريح اللغة ومع ذلك تجده في كتب التفسير عامة كما سنرى. ونتيحة هذا التفسير الخاطيءانتقلت أحداثٌ مهمة من منطقتها الأصلية على ضفاف النيل في شمال السودان لمنطقة سيناء لتصنع لتلك المنطقة وأهلها زخماً تاريخياً لم يشهدوه أصلاً. وفي المقابل أُخمد ذكر المكان الأساسي الذي شهد تلك الأحداث العظام، وسُرق تاريخ المنطقةالتي شهدت الأحداث في وضح النهار. وفي هذه المقال سنتتبع قصة غرق فرعون وسنتفحّص مفردات اللغة وأسماء الأماكن والزمان وسرعة الحركة لنصل لنتيجةٍ علميةٍ صحيحة في هذ الموضوع الهام. ولهذا سوف اقسّم البحث لأربعة محاور هي: محور كلمة "البحر"، ومحور كلمة "اليّم"، ومحور السرعة التى خرج بها موسى بقومه ومطاردة فرعون وجنوده لهم، ومحور السامري الذي صنع العجل.
المحور الأول: كلمة "البحر" لقد ظنّ كثيرٌ من الناس أنّ فرعون قد غرق في البحر الأحمر لأنّ الله تعالى ذكر ذلك في ستة مواضع نذكر منها قوله تعالى: 1- { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } (يونس: آية 90) 2- { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } (البقرة آية 50) 3- { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } (الأعراف: آية 138) فلأنّ الله ذكر كلمة "البحر" في الآيات السابقة وغيرهاظنّكثيرٌ من الناس أنّ المقصود هو البحر الأحمر وللأسف جرت التفاسير علىهذا الفهم. وفي الحقيقة يطلق القرآن الكريم كلمة "البحر"على البحار والمحيطات المالحة والأنهار العذبةعلى السواء لأنّ كلمة "البحر" في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم تعني المكان الذي به ماءٌ كثير وعميق، وفيه حياة بحرية، وتُستخرج من حلية للزينة، وتجري فيه السفن، وهذا واضحٌمن قوله تعالى: 1- { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً}. 2- { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (فاطر: أية 12) فإذن القرآن قد سمى مجاري المياه المالحة بحاراً وأيضاً سمى الأنهار العذبة بحاراً، ولا خلاف في هذه المسألة بين أهلاللغة والتفسير. فإذن كلمة البحر المذكورة في آية الإغراق قد تعني البحر المالح وقد تعني نهر النيل العذب أيضاًفبأيّ المعنيين نأخذ؟.وحتى يكون البحث علمياًفلابدّ لنا من أدلةٍ إضافيةٍيتم بها الترجيح بصورةٍ علميةٍ مؤسسة، وهذا ينقلنا بالضرورة للمحور الثاني عسى أن نجد عنده ما نرجح به الكفة.
المحور الثاني : كلمة "اليّم " أولاً، يجب أن نؤكّدإنّ كلمة "اليَمّ" كلمة غير عربية، قال عنها بعض المفسرينأنّهاكلمة سريانية،والسريان كانوا في منطقة العراق فعربتها العرب كما ذكر الإمام الزهري، ولكن الإمام الحدادي قال: إنّ كلمة "اليَمّ" مأخوذة مناللسان العبراني وهي لغة اليهود من بني إسرائيل، وقيل هي لغة القبط، وفي رأيي الخاص أنّها لغة من لغات دولة النوبة وبالتحديد لغة البجة لأنّ البجة مازالت حتى هذه اللحظة تُسمى الماء "يم" حسب إفادة الأستاذ محمود كرار الباحث فياللغة البجاوية وقواعدها. وفي تفسيرها قال الإمام مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) في تفسيره إنّ اليَمّ بلسان العبرانية يُعني به البحرُ، وهو نهرٌ بمصر، ووافقه ابن الجوزية وكثير من المفسرين، وشذّ بعضهم وقال بل هي عربية مشتقة من التيمم لأنه يُقصد للإنتفاع به، وهذا بعيدٌ جداً وفيه من التكلف ما لا يخفى على أحدٍ. فإذن كلمة "اليَمّ" هي في الراجح لغة نوبية استعارتها العبرية التي هي لغة بني إسرائيل، وبالتالي تكون كلمة "اليمّ" هي اسم بجاوينوبي سُمي به نهر النيل واستعارته العبرية من النوبة. وبعد أن انكشفت لنا حقيقة كلمة "اليَمّ" نرجع للقرآن مرةً ثانية لنـتأكد من صحة هذا التحليللنقف عند المرة الأولى التياستخدم فيها القرآن الكريم هذه الكلمة العبرية أو النوبية. بالنظر في القرآن الكريم ثبت لنا أنّكلمة "اليَمّ" ذُكرت أول مرة في قصة أم موسى حين أمرها الله تعالى قائلاً: { أنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ....ۤ} وقد اتفق جميع المفسرين على أنّكلمة "اليَمّ"في هذه الآية بالذات مقصود بها نهر النيل لا غيره، وقد ذُكر النيل باسمه العبراني أو النوبي الأصلي لأنّ أم موسى لم تكن تتكلم لغة منطقة أخرى بعيدة كل البعد. وعندما جاء ذكر قصة غرق فرعون أكّد الله تعالى أنّه أغرق فرعون في "اليَمّ"-الذي هو نهر النيل- في أربعٍ منالسور هي الآتي: 1- سورة الأعراف فى قوله تعالى: { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } (آية رقم 136) 2- سورة طه في قوله تعالى : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } (آية 78) 3- سورة القصص في قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ} (آية 40) 4- سورة الذاريات في قوله تعالى: { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } (آية 40) (لاحظ التوافق في رقم الآيات في الذاريات والقصص). فإذن وفقاً لهذه الآيات القرآنية إنّفرعون غرق في نهر النيل الذي أكّد القرآن أن اسمه بلغة أهل المنطقة "اليّم" سبعة مراتٍ في آياتٍ مختلفة. وكل هذا يجعلنا نجزم تماماً أنّ كلمة "البحر" التي وردت في الآيات التي تناولت قصة غرق فرعونمقصودٌ بها نهر النيل لأن القرائن قد توفرت لذلك وقد { ... قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} وموسى (ص) قصد بمجمع البحرين مجمع نهرين عذبين على أرض السودان عند عطبرة أو الخرطوم. وفي رأييأنّ عطبرة أرجح لقرب مسافتها منجبل البركل حيث استقرّ موسى بقومه كما سنرى. وخلاصة هذه الفقرة أنّه قد ثبت لنا بالدليل القاطع من القرآن نفسه أن اليّماسم أعجمي وترجح لنا بالبحث أن تلك التسمية بجاوية الأصل، والنهر يُسمى بحراً ولا تسمى البحار المالحة أنهارا. وأيضاً إن المنطق يقول باستحالة غرق فرعون في مكانين في وقتٍ واحدٍ، فوجب من هذا أن يكون للمكان الذي غرق فيه فرعون اسمين هما "اليَمّ" و "البحر"، وبهذا المنطق نستطيع أن نجمع بين آيات الإغراق في البحر وآيات الإغراق في اليمّ لأن الإنسان لا يمكن أن يغرق في مكانين مختلفين في زمنٍ واحدٍ.فلزم من هذا أن يكون اليمّ هو نفسه البحر المذكور في الآيات وهكذا يفك التعارض بين الآيات بسهول ويسر. المحور الثالث: قصة السامري: إن قصة السامري أيضاً حدثت على ضفاف النيل في العمق السوداني والدليل على ذلك كلمة "اليَمّ" التي وردت في معرض الحديث عن العجل. قال الله تعالى على لسان موسي : { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً }. ونجد نفس التفاصيل في التوراه - في سفر التثنية - الإصحاح التاسع - الآية 21-22 حيث يقول موسى : { وأما خطيتكم العجل الذي صنعتموه فأخذته وأحرقته بالنار ورضضته وطحنته جيدا حتى نعم كالغبار ثم طرحت غباره في النهـــــر المنحدر من الجبل }. فإذن عجل السامري قد نُسف وقُذف به في نهر النيلبالقرب من جبل البركل حيث يأتي النيل منحدراً نحو مصر ولم يتم الإحراق والنسف في البحر الأحمر كما هو شائعُ بين المفسرين. وهذا يقودونا إلى استنتاجٍ آخر هو أنّ القوم الذين كانوا يعبدون الأصنام في قوله تعالى: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ } هم قومٌمن سكان النيل أيضاً، يسكنون جنوب مدن الفرعون لأنّ البحر هنا قطعاً هو نهر النيل كما أثبتنا سابقاً.ونلاحظ أنّ كلمة الأصنام جاءت بصيغة الجمع في الآية في إشارة ضمنية لوجود مجموعات مختلفة دينياً في المنطقة وليس من الضروري أن تكون مختلفة عرقياً. والقرينة التاريخية التي تدل على صحة هذا التفسير هي أنّمنطقة شمال السودان كانت منطقةٌتعج بالأصنام المختلفة ومازات آثار المنطقة تدل على كمٍ كبيرٍ متنوعٍ من الآلهة. المحور الرابع : السرعة في الحركة: وفقاً لرواية التوراة فقد :{"فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيسإلى سكّوت نحو ستمئة ألف ماشٍ من الرجال عدا الأولاد. وصعد معهم لفيف كثير أيضاً مع غنمٍ وبقرٍ مواشٍ وافرة جداً } (سفر الخروج 12: آية 37 و38).وعندما أمر الله تعالى موسى أن يخرج ببنى اسرائيل قامت نساء بني اسرائيل بعملية تمويهٍاستعرنَّبها من نساء آل فرعون حُليهنَّ وقلنّ لنساء آل فرعون أنّهن خارجات لعيدٍمن أعياد بني اسرائيل تمويهاً لعملية الخروج. فخرج موسى ببنى اسرائيل فى أول الليل متجهاً جنوباً نحو منطقة السكّوت بعد أن نام فرعون وقومه، وعندما بلغ الخبرُ فرعونَفي الصباح الباكر ركب ومعه جنوده مشرقين- أيّحين طلعت الشمس - فأدركهم في العمق السوداني فضرب موسى النيل فانفلق فعبر موسى ومن معه، ولماأقبل فرعون ومن معه ودخلوا من حيث دخل موسى وقومهوصاروا جميعاً فى وسط النيل أمر الله تعالى النيل فالتطم عليهم بقوةالسيل فأغرقهم أجمعين. وعند تحليل هذا الحدث بمقياس السرعة سنجد أن الفارق الزمني بين بداية الخروج ليلاً وبداية تحرك جيش فرعون بعد شروق الشمس هوحوالى 8 إلى 10 ساعات. ومن المستحيل لجماعة في هذا الحجم الذي ذكرته التوراة أن تصل حدود البحرالأحمر ثم تقطع البحر الأحمر في خلال 8 أو 10 ساعات، والمسافة بين النيل وأقرب نقطة على ساحل البحر الأحمر لا تقل عن 200 كيلو. فلهذا من المستحيلات العقلية والحسابية أن تُقطع هذه المسافة في ليلةٍ واحدةٍ، وذلكلأنّ أيّ جماعةٍضخمة مثل هذه فيها من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والممتلكات ما فيها،تكون بطيئة الحركة ولا تزيد سرعتها عن 30 كيلو في اليوم. وهذا يعني أنّها تحتاج ل 7 أيامفي أحسن الأحوال للوصول لتلك النقطة القريبة. وإذا رجعنالسياق الآية نجده يدل بوضوحعلى أنّ فرعون تبعهم في الصباح عند شروق الشمس ولم ينتظر كثيراً، وذلك ظاهر في قوله تعالى: { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ}{ فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } (الشعراء 60-61). وكلمة "مشرقين" تعني وقت الإشراق لأنّ الله تعالي يقول في خبر قوم لوط " { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } (الحجر 72-73)، أيّ في وقت الإشراق. كما أنّ "الفاء" في قوله تعالى: { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} تفيد الترتيب والتعقيبويكون ما بعد الفاء كلاماًمتصلاً ومستأنفاً يعمل بعضه في بعضبصورة متداخلة لا يفصل بينها زمن كبير. والديل الآخر على تحرك قوم فرعون فوراً هو أن نساء بني إسرائيل قد أخذن معهن مجوهرات نساء قوم فرعون في عملية تمويه ذكرت سابقاً، فليس من المعقول أن ينتظر القوم طويلاً ومجوهرات نسائهم قد أُخذّن. فإذن من الخطأ أن نقول أن الهجرة كانت شرقاً نحو البحر الأحمر كما ذكر المفسرون من غير دليل وأن عملية المطاردة تأخرت أياماً أو أسابيع. وكل المؤشرات في نظري تشير إلى أنّ هجرة موسى (ص) الأولى ببنى إسرائيل إنّما كانت جنوباً في العمق السوداني حيث دولة النوبة. وأقول ذلك لأنّ موسى كان يعلم أن الوقت لن يسعفه ليصل إلى البحر الأحمر بقومه سالمين في ليلةٍ واحدة،فكان من المنطقي أن يخرج بهم مسرعاً لمنطقة قريبة جغرافياً لكنّها خارج حدود الفرعون السياسية. وأقرب نقطةجغرافية خارجة عن نطاق حكم الفرعون هي منطقة السكوت التي تقع في الحدود الجنوبية في إطار دولة النوبة التي تناصبفرعونمصر أشدّ العداء. فلذلك خرج موسى بقومه مسرعاً قاصداً منطقة السكوت بالقرب من حلفا كما صرحت بذلك التوراة في سفر الخروج في الإصحاح رقم 12.والهروب جنوباً هو عمل معقول حسابياً و"لوجستياً" لأنّه سيوفر لهذا العدد الضخم الماء والغذاء والحماية السياسية إذاوصلوا الحدود ودخلوا في حماية الدولة المعادية بالفعل.وعليه، أعتقد أنّ موسى خرج بقومه جنوباً محاذياً للنيل إمّا من الناحية الغربية–إذا كان قومه يسكنون غرب النيل- حتى لا يهدر الزمن في مسألة العبور شرقاً وهو لا يمتلك المراكب والسفن التي تسهل له عملية العبور بسرعة قبل إنجلاء الليل. وإمّا أن يكون سار بهم جنوباً محاذياً للنيل من الضفة الشرقية إذا كانت نقطة الإنطلاق تقع في شرق النيل. وفي كل الأحوال سار موسى (ص) بقومه جنوباً في محاذاة النيل وعندماأدركهم فرعون وجنوده أمره الله تعالى { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } (الشعراء 63) فعبر هو ومن معهوأُغرق فرعون وجنده في اليمّ. وغرقُ فرعون لم يدفع موسى (ص) للرجوع بقومه لمصر بل واصل رحلته مع قومه جنوباً على ضفاف لنيل حتى استقر بهم المقام في أرض السكوت من الناحية الغربية أولاً ثم واصلوا الرحلة حتى منحنى النيل حيث يقعجبل البركل. وجبل البركل يقع في نهاية المنحنى الغربي الذي ييدأ من المنحنى الشرق عند مدينة أبو حمد ويتجه غرباً نحو مدينة الدبة،ثم ينحرف شمالاً نحو مصر. يقول الله تعالى: { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ }. هذاالجبل الغربي يقع أيضاً على الشاطيء الأيمن بالنسبة لحركة انسياب المياه التي تنحدر من الجنوب وتتجه شمالاً أو انسياب المياه من الشرق في إتجاه الغرب، وهذا المكان هو أفضل مكان لعبور النيل في تلك المنطقة. { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ} وقوله: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ }وقوله:{ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً}. وسياق الآية يدل علىأن هناك طور طور أيسر ايضاً، وكلمة "طُور"في اللغة تعني الحد وأيضاً تعني الجبل المدرج الذي تكسوهأو تحفه الخضره. وسياق الأيات يدل على أن موسى وقومه كانوا في الشاطيء الأيسر عندما نُوديَ موسى من جانب الشاطيء الأيمن أو الحد الايمن الذي يقع فيه الجبل الغربي الذي تحفه الخضرة. فوجود بني إسرائيل على الشاطئ الأيسر إذن قد يصحُ دليلاً على أنً عبورهم كان من جهة الشرق إلى للغرب. وجبل البركل هو مكان مقدس لأهل الحضارة النوبية وقد أورد أحد كتاب الإنترنت معلومةً مهمة عنه قال فيها: " والاسم الحقيقي للجبل هو "نوركل" كما اورد ذلك العلامة د. عكاشة في كتابه القاموس النوبي الصغير، و"نوركل" كلمة من عبارتين باللغة النوبية ف"نور" تعني الله و"كل" تعني بقعة أو قرب الله، وبالتالي يكون معني مسمى الجبل هو "بقعة الله" أو "قرب الله"، وهو بالفعل ما كان يعتقده أهل تلك الحضارة وسكان بلاد المنطقة في معتقدهم. فالمنطقة هي حيث كان يحج النوبيون اصحاب الآرض والحضارة وبالتالي هي جبل "نوركل" وليست"بركل" ". (انتهى كلامه) ولا شكّ أنّ كلمة "نور" هذه عربية والعربية لم تكن لغة أهل تلك المنطقة في ذلك الزمانمما يدل على حداثة الاسم "نوركل"، فالإسم القديم في اعتقادي غير معروف، ولكن المهم هو أن كل الأدلة التاريخية تثبت أن منطقة جبل البركل كانت منطقة مقدسة بحسب تواتر الأخبار وآثار المعابد التي فيها.ونخلص من كل ذلك أن جبل البركل هو الجبل الغربي الذي قُضي فيه إلى موسى الوصيا العشر عن طريق الوحي. أمّا تكليم الله تعالى لهفقد حدث في جبل سيناء الواقع في مدين وليس في صحراء سيناء وقال الإمام الفراء في قوله تعالى: { والطُّورِ وكتابٍ مسطورٍ} قال هو الجبل الذي بمدين الذي كلمّ الله تعالى موسى عليه السلام تكليماً. وجبل سيناء يقع في الناحية الشرقية من اللسان الشرقي للبحر الأحمر المسمى بخليج العقبة في الحدود الشمالية الغربية للمملكة العربية السعودية الحالية.تلك هي المنطقة التي قابل فيها سيدنا موسى (ص) سيدنا شعيب (ص) وتزوج بنته التي قابلها عند البئر وسقى لها. وفي جبل سيناء تلقى موسى أمراً إلهياً أن يُخرج بني إسرائيل من مصر ويأتي بهم لمدين حيث جبل سيناء. وقد حدث ذلك بالفعل في الخروج الثاني الذي انطلق من منطقة السكوت في شمال السودان نحو مدينعبر "برية بحر سوف" أي عبر صحارى البحر الأحمر الغربية. من باب الأمانة العلمية يجب أن أقول أنّني قد سمعت أنّ الشيخ النيّل أبوقرون قد ذكر نفس الشيء عن جبل البركل ولكنّني لم أقف على أدلته وحججه العلمية،وكذلك لم أقرأ ما كتبهفي هذا الخصوص، وبالتالي لم أقتبس من أدلته شيئاً، وإنّما تحققت من فرضيته العامة باجتهادٍ خاص منّي.
من أين جاء بنو إسرائيل لمصر؟ ذكرأحد كتاب "النت" مشيراً إلى مراجع يهوديةأنّ دولة النوبة كانت تصرف على اليهود في أورشليم الأرض المقدسة، وكانت تربطها بالأرض المقدسة صلة وثيقة،وأشار لرسومات الرسام الهولندي اليهودي رامبرانت الذي وثّقفيها لتلك الرابطة التي كانت بين يهود أورشليم وأرض النوبة برسومات خالدة. وهذه المعلومة في نظري معلومة مهمة جداً لأنّها ستقودنا لملاحظة وسؤالٍ مهمٍ جداً.من الملفت للنظر أنّ الناس يسألون ويبحثون عن هجرة اليهود من مصر للجهات المختلفة في الوقت الذي لا يتذكر أحدٌمن هؤلاء الناس أن يسأل نفسه أو يسألعلماء التاريخ، من أين وكيف ومتى جاء بنو اسرائيل لأرض الفراعنة بمحض إرادتهم؟أو من أين ومتى وكيف جاء الفراعنة ببني إسرائيل لأرضهم عُنوة وقهراً ؟ فإذا كان من الواضح جداً أن بني إسرائيل ليسوا فراعنة مصريين، ولم يأتوا من فلسطين ليستقروا في مصر،فمن أين جاءوا لمصر الفرعونية؟تذكر التوراة في الآية 40 من الإصحاح 12:أنّ{..إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربعمئة وثلاثين سنة}وجاء في سفرالتكوين الإصحاح 45(هكَذَا يَقُولُ ابْنُكَ يُوسُفُ: قَدْ جَعَلَنِيَ اللهُ سَيِّدًا لِكُلِّ مِصْرَ. اِنْزِلْ إِلَيَّلاَ تَقِفْ. فَتَسْكُنَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ وَتَكُونَ قَرِيبًا مِنِّي، أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَنُو بَنِيكَ وَغَنَمُكَ وَبَقَرُكَ وَكُلُّ مَا لَكَ. وَأَعُولُكَ هُنَاكَ، لأَنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا خَمْسُ سِنِينَ جُوعًا. لِئَلاَّ تَفْتَقِرَ أَنْتَ وَبَيْتُكَ وَكُلُّ مَا لَكَ)فإذن حسب التوراة أنهم ليسوا مصريين فراعنة وإنّما هم مهاجرين من سلالة سيدنا يعقوب (ص) جاء بهم سيدنا يوسف (ص) لمنطقة جاسان وأظنها "أسوان" عندما كان وزيراً لمالية العزيز. وظلوا في مصر 430 سنة وفقاً للتوراة واستعبدهم فرعون من فراعنة مصر لاحقاً بعد زمن طويل من وفاة سيدنا يوسف (ص). والسؤال هو أين كانوا قبل أن ينزلوا أسوان أو جاسان؟
وإحابة هذا السؤال في نظرى هي أن أصول بني إسرائيلهي أصولٌ نوبيةبمعنى أنهم من القبائل التي سكنت دولة النوبة وترعرعت فيها واختلطلت بهم وذلك لعدة اسباب: أولاً: لقد أثبتنا أنّهم فروا جنوباًوالإنسان في العادةيفر إلى موطنه الأصل إذا لاقى عنتاً في غربته. فالإنسان لا يخاطر بالإغتراب مرةً ثانية إذا فشل في الإغتراب وكانت تجربته مرة فيه. ثانياً: لقد ثبت أنّ لونهم هو نفس لون أهل السودان الشمالي،وأوصاف سيدنا موسى (ص) هي أنّه أجعد الشعر آدم اللون أي لونه يميل للسواد. ثالثاً: إن لغة بعض قبائل البجة التي تشترك مع اللغة الأرترية قريبة جداً للّغة العبرية، وقد حكى لي أحد الإخوة الارتريين أنّه يفهم كثيراً من كلام اليهود بالعبرية بالرغم من أنّه لم يتعلم العبرية قط. وأعتقد أن هذا مجال بحثٍ للمختصين في مجال علم الألسن. رابعاً: يُذكر أنّ سيدنا موسى تزوج من بلاد كوش، ولو لم تكن له صلات ومعارف ومعرفة بالمنطقة لرفض أهل المنطقة تزويجه. خامساً: كانت رحلة سيدنا موسى مع الرجل الصالح على النيل بالقرب من عطبرة أو الخرطوم حيث مواقع الإقتران الأساسية، ونلاحظ أنّ موسى قال لفتاه "{ ... لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} فمن سياق الآية أنّ موسى كان يعرف المنطقة جيدأ ولم يسأل عن مجمع البحرين فكأنّه جاء لهذا المكان أكثر من مرة. وأنبّه هنا للفرق بين "مجمع البحرين" في بحرٍ واحدٍ، و"مفرق البحر" إلى بحرين. فالمجمع يجمع بين بحرين مختلفين، والمفرق عكسه تماماً يقسّم البحر الواحد لأكثر من بحر. سادساً: تقف صلة النوبة القديمة بيهود أورشليم دليلاً سادساً لعلاقة اليهود بالسودان. فإذا لم يكن للنوبة صلة بأهل أورشليم فما هو الدافع للصرف عليهم ودعمهم مادياً من خزانة دولتهم؟إنّ التوراة تقول إنّ يهود أورشليم تحركوا من منطقة السكوت فتاهوا 40 سنة في صحارى البحر الأحمر الغربية "برية بحر سوف" ثم بعد ذلك دخلوا القدس وأسسوا دولتهم. وهاهو التوراة يذكر منطقة السكوت صراحة فيقول: "وارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام في طرف البرية" (سفر الخروج: الإصحاح 13: آية 30). والمقصود أنّهم خرجوا من منطقة السكوت في اتجاه الشمال الشرقي فتاهو في صحراء البحر الأحمر الغربية.هذا هو سر العلاقة بينهم وبين دولة النوبة، فهم جزء من مكونات المنطقة هاجروالمدين ثم بيت المقدس لأسباب دينية.إنّهم هاجروا من أرضهم الأصلية أرض السودان حيث النيل وقد كان فراق النيل بالجد صعباً عليهم، فلذلك ترددوا وتعنتوا كثيراً قبل أن يذعنوا لموسى، ووصل بهم التعنت أن يقولوا لموسى (ص):{إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}، وبسبب هذه الكلمات عوقبوا بالتيه في الصحراء بعد أن فارقوا النيل ونعيمه. ومن الأدلة على أنهممن أبناء النيل شعارهم الحالي المرفوع في الكنيستالإسرائيلي الذي يقول:"إن أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل". سابعاً: هناك صفات نفسية مشتركة بين أهل السودان واليهود بعضها سالب وبعضها موجب. فمن السالب الشعور بالصفوية على باقي الشعوب لدرجة إحتقارهم، وعناد القادة وإن كانوا صالحين، والتمسك الشديد بالعادات والخصوصية الثقافية، وكذلك من خصائص الفريقين ترويض الدين ليتماشى مع عاداتهم وتقالديهم. ومن أهم الصفات الموجبة المشتركة بينهم شدة الذكاء.
إلى أيّ أرضٍ يشير الله تعالى في قوله {التي باركنا فيها} ؟ بعد أن أغرق الله تعالى فرعون قال:{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}.قال الإمام السيوطي (توفى 911 هـ) في تفسيره: " أخرج أبو الشيخ عن الليث بن سعد في قوله { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } قال: هي مصر ، وهي مباركة في كتاب الله." وقال الإمام أبو السعود (توفى 951 ه) في تفسير الآية: " أيّ (أُورثوا) جانبـيها الشرقيَّ والغربـيَّ حيث ملَكها بنو إسرائيلَ بعد الفراعنةِ والعمالقةِ وتصرّفوا في أكنافها الشرقيةِ والغربـية كيف شاؤوا، وقوله تعالى: { ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} أي بالخِصْب وسَعةِ الأرزاقِ، صفةٌ للمشارق والمغارب". وقال الإمام الثعالبي في تفسيره: " { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } ويسكنكم مصر من بعد التسخير والاستعباد وهم بنو إسرائيل { مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } يعني مصر والشام { ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } بالماء والأشجار والثمار ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة، وتمكنوا من نواحيها { التي باركنا فيها } بالخصب وسعة العيش، وهي أرض الشام. وزاد ابن جزي: ومصر".ولكن سيد قطب في تفسير الظلال يقولإنّ استخلاف المستضعفين من قوم موسى " لم يكن في مصر، ولم يكن في مكان فرعون وآله. وإنّما كان في أرض الشام، وبعد عشرات السنوات من حادث إغراق فرعون - بعد وفاة موسى عليه السلام وبعد التيه أربعين سنة" وأقول: إنّ الذين قالوا إن الأرض المبارك فيها هي أرض الشام مخطئين من غير شك لأنّ سياق الآية يتحدث عن عاقبة فرعون وقومه وبالتالي من المنطقي أن نفسر كلمة "الأرض"في هذا السياق بأنّها أرض الفراعنةالتي تحت سيطرتهم السياسية وهي مصرأو أرض الهجرة في السودان.وإخراج الأرض من هذه المنطقة الجغرافية (السودان ومصر) لمنطقة جغرافية أُخرى (الشام) خارجة من مشهد الحدث التاريخيهو تعسف في التفسير ومنهجٌ غيرُ صحيحٍ بالمرة. والإستخلاف لا يعني بالضرورة عملية الحكم السياسي لأنّ موسى وقومه لم يحكموا مصر بعد فرعون كما أشار سيّد قطب وأشارت من قبله التوراة التي تقول: { لئلا يندم الشعب إذا رأوا حرباً ويرجعوا إلي مصر فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف}(سفر الخروج 13 : 17). ولهذا قد يأتي الإستخلاف بمعنى استخلاف الحريةللإستعباد، واستخلاف الإمتلاكللسخرة، واستخلافالقبض بزمام المبادرة للتبعية. وهذا ما حدث بالفعل لبني إسرائيل في المنطقة التي هاجروا إليها على ضفاف النيل الذي كان يجري تحت عرش فرعون حيث كانوا عبيداً يفلحون له الأرض ولا يملكونها. ولكن بعد هلاك الفرعون أصبح هؤلاء العبيد أحراراً ومُلاكاً يمتلكون الزرع والضرع ومصناعالمعادنفي شرق النيل وغربه، وفي العموم يستفيدون من النيل وخيراته لأنفسهم لا لغيرهم. فإذن الأرض التي بارك الله فيها في هذا السياق التاريخي هي أرض الهجرة في العمق السوداني وليست أرض الفرعون التاريخية مصر لأنّ الله قال: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}، والتوراة تقول : { لئلا يندم الشعب إذا رأوا حرباً ويرجعوا إلي مصر}(سفر الخروج 13 : 17) ووفقاً لهذا النصوص أن مُلك فرعون وممتلكاته قد دمّرت وأنّ اليهود لم يرجعوا لمصر ليحكموها بعد أن فارقوها. وبالتالي لا يمكن أن يكون الإستخلاف حدث "بالرموت كنترول" في مصر المدمرة، وطالما أننا قد تأكدنا من أن الإستخلاف لم يحدث في مصر،فالأرض التي بارك الله فيها ليست مصر قطعاً من غير شك. ولا يمكن أن يكون الإستخلاف حدث في الشام أيضاً لأن الشام لم تكن من ممتلكات فرعون حتى تشملها آية الإستخلاف، ومن يستدل بدخول اليهود القدس أو الشام وتأسيس ملكهم فيها، نقول له إنّ ذلك كان بعد فترة طويلة جداً من حادث الإغراق ووفاة موسى (ص)، وسياق الآية يدل دلالة واضحة على أن الإستخلاف حدث بعد الإغراق بوقتٍ قصيرٍ جداً. وفي أحسن حالات المرافعة يمكن أن تشترك مصر في المعادلة بنسبةٍ ضعيفةٍ جداً ولكن لا مكان لأرض الشام في هذه المعادلة التاريخية أبداً.
|
Post: #2
Title: Re: هل غرق فرعون في البحر الأحمر أم في النيل؟ �
Author: عادل ابراهيم ميرغني
Date: 10-29-2015, 06:31 AM
Parent: #1
تفسير جميل ومنطقي جدا سبحان قبل شوية كنا نتناقش حول هذه المسالة وان موسى عليه السلام كان في المنطقة الواقعة جنوب مصر وشمال السودان جزاك الله خير على هذا التفسير
|
Post: #3
Title: Re: هل غرق فرعون في البحر الأحمر أم في النيل؟ �
Author: ابو جهينة
Date: 10-29-2015, 08:01 AM
Parent: #2
هذا مبْحث هام جدا وبه كثير من النقاط التي يجب أن يقف عندها الذي يسبرون غوْر التاريخ لإستنباط حقائق كانت ولا تزال خافية.
دمتم
|
Post: #4
Title: Re: هل غرق فرعون في البحر الأحمر أم في النيل؟ �
Author: محمد على
Date: 07-26-2016, 06:27 AM
Parent: #3
لو سلمنا بكلامك فيكيف تفسر وجود عيون موسى فى شبه جزيرة سيناء وان خروج بنى اسرائيل كان الى فلسطين فاى طريق يسلكوه وللعلم ايضا ان كلمة اليم تطلق على البحر المالح ايضا وللعلم ايضا تحليل مومياء الفرعون يدل انه غرق فى ماء البحر وليس ماء النيل فارجو تحرى الدقه والاستناد العلمى وشكرا
|
Post: #5
Title: Re: هل غرق فرعون في البحر الأحمر أم في النيل؟ �
Author: افريقيا مهد الانسانيه
Date: 07-26-2016, 08:54 AM
Parent: #1
تحليل رائع وكلام منطقي ولكني اختلف مع النتيجه. لقد قرات سابقا ان موسي ذهب بقومه الي جمهوريه الكونجو وان حادثه شق البحر كانت هناك والدليل كثره المياه ووفره الغذاء. ايضا لا تنس ان سيدنا موسي واهله كانوا عظام وطوال القامه وبالتالي كانوا قادرين علي السير اسرع مما نري اهلنا في الخرطوم هذه الايام. ايضا كلمه اليم والبحر مرتبطتين بالكونجو. ساحاول ان اعثر علي المقالهوانشرها هنا للاستفاده. انا سعيد بقراءه هذا المقال واتطلع للمزيد..
|
|